السفر في الإجازات
د. محمد بن لطفي الصباغ
السفر في الإجازات
تُطرَح في مواسم الإجازات فِكرةُ السفر؛ للترويح عن النفس، والاستمتاع بما في البلدِ المقصود من أساليبِ المتعة، ورؤية الأماكن الطبيعية الجميلة.
والسفر شأنُه شأنُ أيِّ أمر من الأمور، له محاسنُ وفوائد، وله مساوئه ومحاذيره.
لابد للعاقل من أن يبحث فيما هو مقدِمٌ عليه من تصرُّف، ويرصد حسناتِه ومحاذيرَه، فإن كانت مزاياه أكثرَ، أَقْدم عليه، وإن كانت متاعبُه أكثر، أَعْرض عنه.
لم يحظرِ الشرعُ المطهَّر على المرء أن يستمتعَ بما أباح الله من وسائل المتعة الحلال، نعم، فللإنسان أن يسافرَ للترويح عن النفس، وطلب النشاط لها، وله أن يصطحبَ أهله وأولاده، مع مراعاة الحدود الشرعية التي قرَّرها الشرع.
وذلك بالاهتمام بالأمور الآتية:
1- على المسلم أن يختارَ المكان المناسب، بحيث لا يكون هذا المكان فتنةً له ولأولاده وأهله في الدِّين أو في الخُلق، وهذا يقتضيه أن يتجنَّبَ السفر إلى بلاد الكفار التي فيها الفتنةُ محقَّقة في جوانبَ عدة، وفي بلاد المسلمين – ولله الحمد – أماكنُ فيها الجمال الطبيعي الأخَّاذ، والموقع الصحي المختار، يستطيع المسلمُ أن يؤدِّيَ فيها العبادات التي أوجبها اللهُ عليه، إن سماعَ الأَذان ورؤية المسلمين يعيشون الأعرافَ الإسلامية، ويتَّصفون بكثيرٍ من القِيَم المثلى – مما يترك في النفس أثرًا عميقًا، وإن ذلك لمما ينشرح له الصدرُ، وتطمئنُّ إليه القلوب.
2- على العازم على السفر أن يختارَ الرفيقَ الصالح إن كان مسافرًا وحده؛ فإنه يذكِّرُه بالخير، ويحذِّرُه من الوقوع في الزلل؛ فقد نهى رسولُ الله أن يسافرَ وحده، بل أن يختارَ صديقه بعناية؛ فقال: ((الواحدُ شيطان، والاثنان شيطانانِ، والثلاثةُ رَكْب))[1].
وإن كانت معه أسرتُه فعليه أن يسافرَ مع أُسرةٍ صديقة.
3- على العازم على السفر أن يراعيَ وضْعَه المادي، وألا يكلفَ نفسه فوق طاقتها، إنه إن لم يراعِ ذلك، فسيضطر إلى الاستدانة، فيحمِّل نفسه ما لا طاقةَ لها به، فربما يعجِزُ عن الأداء، فيقع في الحرج والقلق والشقاء؛ فلقد قرَن رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – الكفرَ بالدَّين؛ كما جاء في حديث أبي سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((أعوذ باللهِ من الكفر والدَّين))، فقال رجل: يا رسول الله، أتعدِل الكفرَ بالدَّين؟ قال: ((نعم))[2].
وقد قيل: “الدَّين ذلٌّ لصاحبه في النهار، وهمٌّ عليه في الليل”.
ومن الوصايا الجميلة:
“أقلَّ من الذُّنوب يَهُن عليك الموتُ، وأقلَّ من الدَّين تعِشْ حرًّا”، وعلى المسافر ألا يُسرِفَ في إقامته؛ فقد نهى الله – تبارك وتعالى – عن الإسرافِ فقال: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، ومن صفات عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
ولا تحملنَّه الرغبةُ في التفاخر والظهور بمظهر الأكابر على أن يخالفَ هذا الهَدْيَ الربانيَّ، ولا ينبغي له أن يجاري الآخرين ولا أن يقلّدهم؛ بل لِيَأخذْ بقوله – تعالى -: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].
4- والأمر الرابع أن يوطِّن نفسَه على الصبر على ما يلقى من المتاعب؛ فلا يخلو السفرُ من متاعب؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: ((السفرُ قطعة من العذاب، يمنع أحدَكم نومه وطعامه وشرابه))[3].
5- وعليه ألا يُطيلَ الغَيبة عن بلده إطالةً تُوقِعه في الملل والوَحْشة، وتوقع أهله في الغمِّ والهمِّ والشك في صحته أو حياته، وتقطعه عن عمله، وقد تسبِّب له مشاكل كان في غنًى عنها.
ولذلك فقد أوصى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – مَن كان مسافراً إذا قضى حاجته من سفره أن يعودَ إلى أهله عاجلاً؛ قال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث السابق: ((فإذا قضى نَهمتَه من وجهِه فليعجِّلْ إلى أهله)).
6- وعليه أن يصطحبَ معه كتابَ الله، وبعضَ كتب الحديث النبوي، والتفسير والفقه والكتب الأدبية، وما يُعِينه على تحديد القِبْلة مِن الأدوات، ومعرفة أوقات الصلوات، وعليه أن يأمرَ أفراد أسرته الذين سيرافقونه بذلك.
7- وعيله أن يُفِيدَ من وقتِه هناك بأمر جادٍّ، فلا تكون رحلتُه كلها للمتعة، بل عليه أن يضعَ برنامجًا شاملاً يستوفي أنواع النشاط المتعددة من دينية؛ كقراءة القرآن، وأداء النوافل؛ كصلاة الضحى، وصلاة القيام في الليل، وأن يُكثِرَ من الذِّكر في أوقات فراغه.
ومن رياضية؛ كالمشي، والسِّباحة، وغيرها.
ومن ثقافية؛ كزيارةِ المكتبات التجارية، ويرى ما فيها من الكتب الجديدة التي ربما لا يجدُها في بلده، وزيارة المكتبات العامة، ويطّلع على ما في خزائنها من نفائس؛ فقد يُفِيده ذلك في تخصُّصه، وعليه أن يُشرك أهلَه وأولادَه في هذه الألوان من النشاط.
8- وعليه الابتعاد عن أماكنِ المعصية، وأن يتوقَّى الشبهات، وعليه أن يحذَرَ مِن دعاة السوء، ومن الدجَّالين والنَّصَّابين.
والله ولي التوفيق.
[1] صحيح، أخرجه الحاكم، وانظر صحيح الجامع الصغير برقم 7144.
[2] رواه النسائي 8/267، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
[3] رواه البخاري 1804، 3001، 5429، ومسلم 1927، وابن ماجه 2882.