الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

دروس في الإدارة نتعلمها من أحد الطهاة



عندما ضرب إعصار كاترينا جنوبي الولايات المتحدة في عام 2005، فقد ديفيد سلاتر، نائب كبير الطهاة في مطعم “إمريلز”، أكثر المطاعم نجاحا في مدينة نيوأورليانز، كل شيء بين عشية وضحاها .

 

 

لقد غمرت المياه شقته ودمرت كل ممتلكاته، كما أن المطعم – مكان عمله- الذي يملكه الطاهي الأمريكي إمريل لاجاس لحقته أضرار كبيرة واضطر إلى إغلاقه لاجراء إصلاحات واسعة.
وجد سلاتر نفسه بلا عمل، ثم وجد عملاً مؤقتاً في عدة مطابخ في نيويورك ثم في أتلانتا، حتى تمكن من العودة لمطعم إمريلز مرة أخرى.


لكن عند إعادة افتتاح المطعم بعد مرور ستة أشهر، عاد سلاتر إلى العمل لكنه لم يجد نفس منصبه السابق، وكانت الوظيفة الوحيدة المتاحة حينها هي وظيفة متلقي الطلبات، وهذه درجة أقل مما لديه من خبرات.


وقال سلاتر: “بعدما كنت طاهيا وبعدما كنت مديرا، أصبحت مجرد متلقي الطلبات، وهذا أمر فيه انتقاص من الخبرات التي راكمتها وحط من قدر المرء”.
وقدم المطعم له مكافأة لما أبداه من ولاء وتفان. و بعد مرور أشهر قليلة، أعاده المطعم إلى منصبه السابق. وعندما ترك كبير الطهاة العمل في عام 2008، شغل سلاتر مكانه.


ويُرجِع سلاتر الفضل في ترقيته، في جزء منه، إلى تفهمه أن تلقي الأوامر ليس أقل أهمية من إعطائها.


ومع ذلك، ليس من السهل عادة في عالم الأعمال تعريف من هم الأشخاص الذين يتبعونك بشكل جيد. ففي الصناعات التحويلية مثلا، من المتوقع أن يتبع العمال من الدرجة الأدنى أوامر مديريهم بدقة.


لكن في العديد من المجالات الأخرى، كان هناك تحول متسارع في الفترة الأخيرة. إذ بات التابع الجيد حاليا هو الشخص الذي يتحدى الإدارة ويساعد في اتخاذ القرارات، وليس من يتلقى الأوامر وينفذها فحسب.


التسلسل الهرمي :


تقول باربرا كيلرمان، المحاضرة في القيادة العامة بكلية كينيدي للعلوم الإدارية بجامعة هارفارد، إن التغيير في تعريف التابع الجيد هو نتاج التحول المجتمعي في جميع أنحاء العالم.

خلال عهد الجيل الماضي، بدأ العمال يتوقعون أكثر من دور لهم في عملية صنع القرار، وتسارعت وتيرة هذا الاتجاه في السنوات الأربع أو الخمس الماضية بسبب التكنولوجيا، وتوافر المزيد من التعاون، وسهولة الوصول إلى المعلومات.


وأضافت كيلرمان: “في جميع أنحاء العالم، هناك قادة عادة ما يكونون في وضع أضعف، في حين يزداد الأتباع قوة. ويحدث ذلك في عالم الشركات، وكذلك في الوظائف الحكومية، وفي شوارع اليونان وإسبانيا، وهونغ كونغ، وغيرها”.


وتعتقد كيلرمان أنه يجب على المديرين أن يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطًا: “كيف يمكنني أن أدير في عصر يتحدى فيه الناس بعضهم البعض أكثر وأكثر؟”
وذكرت أنه بدلاً من إملاء الأوامر للموظفين، حان الوقت لإقناعهم بإنجاز المهام الموكلة إليهم، مع توضيح أسباب أهمية هذه المهام. وأضافت أن هذا يتطلب وعيا مختلفا جدا من القيادة عما كان سائدا في العصور السابقة.


ويجري الآن استبدال بعض أنظمة الإدارة الاستبدادية في آسيا والشرق الأوسط بتشجيع الموظفين على نحو متزايد على تحدي رؤسائهم في العمل بأفكار جديدة.
وقال لوران لابيير، الأستاذ في كلية تيلفر للإدارة في جامعة أوتاوا، كل هذا لا يعني التخلي عن فكرة أن المدير هو المسؤول الأول عن العمل، لكن يعني الاهتمام بكل موظف على حدة، وتحليل أي نوع من المديرين يحتاج إليه هؤلاء.


ويقول لابيير إن بعض الموظفين يفضلون التبعية السلبية، وهو ما يعني أنهم يريدون إكمال المهام التي يأمرهم بها رب العمل وحسب. وفي حين أنهم يجيدون إنجاز المهام، تجدهم أقل ابتكارا، ولا يقترحون أفكارا جديدة.


ومن ثم، تؤدى المكاتب أعمالها بشكل أفضل عندما يكون هناك أتباع لديهم رؤية استباقية؛ وهم الذين يريدون المشاركة في القرارات الكبيرة المتعلقة بالميزانيات أو الاستراتيجيات الجديدة، و أي شيء يؤثر على كيفية عملهم.


ويضيف لابيير: “ليس كل موظف تابعا، وكذلك ليس كل رئيس قائدا. وأنت كقائد، عليك أن تسأل نفسك ما الذي يجب عليك فعله حتى يتبعك الناس”.
ويقول لابيير إنه كان من المتوقع في الهيكل الإداري القديم للشركات أن يقوم القائد المستبد بترهيب الموظفين، أما في الوقت الحاضر، يكمن الأمر في فهم دوافع الموظفين.


ويضيف: “ومن هنا ندخل في نوع جديد من القيادة الجيدة بسؤال: ماذا يمكنك أن تفعله حتى يتبعك هذا الموظف؟”


ويرى لابيير أن السبب في عدم حدوث ذلك في كثير من الأحيان في العمل بسيط، وهو أن معظم المديرين غير واثقين، ويملأهم الخوف من سؤال الموظفين حول ما إذا كان هناك خطأ قد وقع مع قيادتهم.


وقال لابيير إن هناك استثناء من كل هذا، ففي الأزمات يحين الوقت للرئيس للحسم وإعطاء الأوامر، وبحث المشكلة.


التعاون داخل المطبخ :


يقول سلاتر: “مثل العديد من الصناعات، تسمح الكثير من مطابخ المطاعم الآن بالمزيد من التعاون، إذ يقوم طهاة الصوص، وحتى مقدمو الطعام، غالبا بطرح أفكار لأطباق النهار أو أطباق الليل، وكذلك اقتراح طريقة جديدة لعرض الأطباق الموجودة.

وأضاف: “نريد أن يكون هناك تعاون، وأنا أحاول أن أشجع الموظفين التابعين لي على تقديم أفكار جديدة، وتسير كل الأمور بشكل أفضل إذا شعر الناس بأن رئيسهم يستمع إليهم”.
ومع ذلك، ينتهي التعاون عندما نبدأ في تقديم العشاء، ومن ثم يكون من المتوقع أن يبدأ الطهاة في تقديم الطبق بالكيفية التي قدمها كبير الطهاة تمامًا.


وقال سلاتر إنه من دون ذلك، يفتقر المطبخ للاتساق، وتقديم الأطباق الجيدة. وأضاف: “إن لم يكن هناك أي تدرج في المطبخ، يساء فهم الأشياء، بل ولا تخرج الأطباق بشكل صحيح”.
عندما وجد سلاتر نفسه في منصب متلقي الطلبات، كان عليه أن يقوم بأي شيء مطلوب، وهذا جعله يقوم بطهي أنواع مختلفة من الصوص في ليلة، والشوي في ليلة أخرى.


وهذا يعني أنه يأخذ أوامر متعددة من طهاة الصوص، ومن هنا عرف مدى أهمية التسلسل الهرمي، وكيف ينفذ التابعون الأوامر التي يصدرها رؤساؤهم والتأكد من أن المطبخ يسير بشكل فعال وثابت.


وأشار سلاتر قائلاً: “عندما أصبحت مديرا مرة أخرى، أفكر بشكل واقعي في أهمية وجود أوامر، وأفكر في الطريقة التي تطلب بها هذه الأوامر”.
وفي النهاية، يكون الدافع وراء القيادة هو معرفة كيفية جعل فريقك من أتباعك .

 

 

BBC Arabic

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم