السينما والتليفزيون والأغاني..وصناعة تجفيف الأخلاق.
أ.عبد الرحمن هاشم .
الفن والثقافة عموما هما دليل عنفوان المجتمع ، بتقدمهما يتقدم المجتمع وبانهيارهما ينهار المجتمع ، وهذه حقيقة تنسحب على الأمة بأسرها ..
ففي مصر – أكبر الدول العربية سكانا – لم يعد للمدرسة والمسجد ولم تعد للثقافة والقراءة حضور فعال في المجتمع ، واحتل التليفزيون والفنون مكان القراءة ، وأصبحت الفضائيات هي مصدر استقاء القيم والمعلومات للشباب وغير الشباب ، وما تعرضه بات وسيلة بناء وتكوين الشخصية المصرية ، ومن هنا تبرز خطورة هذه الأدوات التي دخلت كل بيت.
الخبراء أجمعوا على أن مصر تعيش حالة من الفوضى والانهيار الأخلاقي الحقيقي ، الذي فتح الباب أمام جرائم البلطجة والقتل والاغتصاب والسرقة والشذوذ .
الناس على دين إعلامهم :
الدكتورة سامية خضر أستاذة الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس ترى أن وسائل الإعلام والفضائيات ومواقع الانترنت هي أهم أسباب هذا الانهيار الأخلاقي خاصة في ظل انسحاب الأسرة من مسئولياتها في التربية والتقويم حتى أصبحت القيم التي تقدمها وسائل الإعلام الجماهيرية هي القيم المؤثرة في شخصية الإنسان المصري وتغيرت مقولة :” الناس على دين ملوكهم ” إلى مقولة أخرى معبرة هي: ” الناس على دين إعلامهم “!.
وأضافت : ففي عهد تراجع فيه دور الكتاب في تثقيف الشباب ، واحتل التليفزيون مكانه ، أصبحت المواد التي تقدم على الشاشة هي المكون الرئيسي لثقافة الشباب ، وعقولهم ، وإذا كانت هذه المواد تحتوي على قيم لا أخلاقية ، فمن المنطقي أن تصبح هذه القيم هي المثل الذي يحتذيه الشباب !
فإذا كان التليفزيون والسينما يقدمان شخصية البلطجي باعتبار أنه رمز للقوة والقدرة على تحقيق ما تعجز الأخلاق والعلم والعقل عن تحقيقه ، فمن المنطقي أن تنتشر البلطجة في المدارس وفي كل مناحي الحياة ويصبح العنف هو شعار المرحلة ، ومن المنطقي أيضا أن تصبح شخصية ” اللمبي ” هي القدوة للأطفال والشباب
وإذا خرجت علينا أمه ” عبلة كامل ” في الفيلم تقول له بكل حماس وانفعال : ” مطواتك في جيبك .. اللي يقولك غششني شقه .. ولا تنسى بعد أن تخرج من الامتحان في شنطتك زجاجة بيرة وأربع ساندوتشات ” .. فمن المنطقي أن يحمل كل الأطفال والشباب مطاوي معهم ، وكذلك من المنطقي أن تصبح ” البيرة ” هي المشروب الرسمي لتلاميذ المدارس.
ويشير الكاتب الصحفي الأستاذ إبراهيم حجازي نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام إلى أن الأمر بدأ منذ فترة السبعينيات من القرن العشرين مع عرض مسرحية ” مدرسة المشاغبين ” التي قدمت قيما غريبة على المجتمع ، حيث قدمت مجموعة من الطلبة يهددون ناظر المدرسة ومدرسيها ،
وما يقدم حتى اليوم دليلا على انهيار كافة القيم التي تقدمها وسائل الإعلام المرئية ، ويكفي أن نذكر أفلاما مثل ” صايع بحر ” و ” حاحا وتفاحة ” وغيرهما من الأفلام التي تحتوي على مجموعة من الألفاظ والتعليقات والتلميحات التي تخدش الحياء العام وتقتل كل القيم في المجتمع . وعناوين مسرحيات وأعمال فنية مثل : ” حزمني يا بابا ” و ” خد الفلوس واجري ” و ” العشق والهوى ” .. إلخ دليل على ما نقول .
أغاني هابطة :
بل وما زاد الطين بلة – والكلام ما زال على لسان الأستاذ حجازي – هو الأغاني التي تقدم الآن ، فقد أطلت علينا في عالم الغناء ظاهرة يقولون إنها تغني أغاني شعبية ونجد أن صاحب هذه الظاهرة ” شعبان عبد الرحيم ” توزع شرائطه بالملايين ، مما يعكس سلوكا جماعيا لشعب رافض أن يسمع ما ينبغي عليه أن يسمعه من كلمات شعر في أغان وتحول كالطوفان ليسمع لا شيء لأن أي أغنية ثلاثة أرباعها كلمة ” إإإيه ” ..!
وكذلك الكليب الفاضح لصاحب أغاني ” العنب ” و ” الحمار ” و” الحنطور ” ، المدعو ” سعد الصغير” والراقصة ” وعد ” والذي تم عرضه على شبكة الانترنت وعرض أجزاء منه في بعض الفضائيات وأقل ما يقال عنه إنه جريمة فعل فاضح في فرح عام ، وفجأة أصبحت هذه الأغنية ” العنب .. العنب ” من مراسم الأفراح في شوارع وحواري وأندية مصر وكذلك أغنية ” زكي يا زكي ” الأمر الذي يعد مؤشرا على أن المجتمع ترك الجد وراح كالطوفان للهلس ولسماع الكلام الفارغ من أي معنى وعنما يحدث هذا يكون ذلك المجتمع في خطر !
عودة البساط :
الدكتورة فرخندة حسن أمين عام المجلس القومي للمرأة ترى أن الكوارث الأخلاقية الذي يقدمها التليفزيون والسينما والفضائيات من خلال الدراما كثيرة ولا يمكن حصرها ، ولكن القليل منها دليل على ما تصدره هذه الآلة الإعلامية الخطيرة من مباديء وقيم ضارة بالمجتمع وتهدده في قيمه وتقاليدة .
الدكتورة نجوى حسين خليل مديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أكدت أن الأجيال السابقة ، انفتحت أعينها على ثقافة جيدة ، أما الأجيال الحالية فقد فتحت أعينها على ثقافة متردية ، متمثلة في الأغاني الهابطة والأفلام الداعرة ، لذلك ظهر الانحلال الأخلاقي والعنف .
وترى أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة الأخلاقية هو عودة البساط الذي سحبته وسائل الإعلام من تحت أقدام الأسرة والمدرسة والمسجد فلابد من سد الفجوة القائمة الآن بين الأبناء والوالدين ، وبين الآباء والأمهات ، وحتى بين الأبناء أنفسهم .. لابد من عودة ” لمة ” الأسرة كما كانت قديما يغلفها الحب والترابط والوئام .. كذلك لابد من عودة المدرسة والمسجد كما كانا في السابق منارة للعلم والأخلاق .
وتطالب الدكتورة نجوى بالمزيد من الإيجابية والاهتمام من المسئولين تجاه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وما تبثه من رسائل إعلامية ينبغي أن تراعي الذوق العام وغرس القيم والأخلاق .
الدين والحياة :
أما الأستاذ على أحمد لبن الخبير التربوي وعضو مجلس الشعب المصري فيرى أن الفصل بين الدين والدولة ، والفصل بين الدين والحياة هو الذي أفسد وسائل الإعلام وهو الذي أضعف دور الأسرة والمؤسسة الدينية ويرى أن أي حل لا يراعي هذه المعضلة الكبرى فإنه سوف يبوء بالفشل .
فإذا أردنا إعادة النموذج الاجتماعي السوي علينا أن نحول المواعظ إلى سلوك ، والفكر إلى أعمال ، والنظريات إلي ممارسات ، حيث أن مخالفة الفعل للقول وتناقض الممارسات مع الأفكار ، هو نوع صريح من الخيانة للمقولات والأفكار . . وهذه الخيانة تتصاعد مخاطرها وتتزايد أوزارها عندما تكون خيانة للوحي الإلهي ونبأ السماء العظيم وصحيح السنة النبوية الشريفة التي جاءت بيانا للقرآن الكريم .
وأضاف علي لبن : لقد كتب كاتب غربي – غير مسلم – بل ناقد للقرآن والإسلام هو ” كارليل ” كتابا عن المائة الذين رآهم أعظم عظماء الإنسانية ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول هؤلاء العظماء لا لشيء إلا لأنه وجد محمدا صلى الله عليه وسلم المتفرد بين هؤلاء العظماء بتطبيق وتنفيذ وتجسيد الدعوة والأفكار التي جاء بها في أرض الواقع ..
لقد وقف الآخرون وفيهم أنبياء ومرسلون عند حدود ” الدعوة ” فلم يقيموا مدينة ولم يصنعوا حضارة ، ولم ينشئوا الدولة التي تتعانق مع الدين والدعوة ولا تعاديهما .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد تفرد بتحويل العقائد والأفكار إلى خلق وعمل وتطبيق وحياة .. وبذلك رسم للمقتدين به طريق النهوض والتقدم والارتقاء : تحويل ” الفكر الصحيح ” إلى ” عمل صريح ” .