الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

دراسة: الدوافع والآثار النفسية والاجتماعية لزنا المحارم.



الدوافع والآثار النفسية والاجتماعية لزنا المحارم .

https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcS-j0fMZJEF4AUBLm2bHS1EE8xlFU5xMpcHi65ctMVoV0YB-gY8AQ

د. أيمن غريب قطب .
يعد انتشار الزنا بين الأفراد والمجتمعات ظاهرة سلبية مرضية لها عواقبها المدمرة على كلا الطرفين على حد السواء .
ويمثل زنا المحارم علاقة مضطربة شاذة ومرضية تتعدى في آثارها السلبية إلى أقرب المقربين إلى الشخص وهي محارمه أو ذوي قرباه . ومن هنا كانت آثارها السلبية مزدوجة الخطورة . وكذلك عواقبها النفسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية . من أجل ذلك فقد أدانته كل الشرائع والقوانين الشرعية والوضعية منذ أقدم الأزمان .
وزنا المحارم هو نكاح أو جماع من يحرم على الفرد . وقد ذكرهم القرآن الكريم في سورة النساء آية 23 (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ َخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) . وقد قيل أن المحارم من النسب سبع ومن الصهر سبع .
ولم يكن نكاح الأبناء والأصهار المقربين محرما في القدم لدواعي كثيرة . فقد كان الزواج بين أبناء آدم عليه السلام بخلاف البطون . وكان قدماء المصريين يتزوجون من الأخت . وقيل إن سارة زوج نبي الله إبراهيم كانت أختا لأبيه . كما كان هناك الزواج من الأختين في الجاهلية وكذلك من زوجة الأب. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بالعفو عما قد سلف .
ولعل الحكمة في تحريم نكاح الأقربين ما ينتج عنه من ذرية سيئة ذات خصائص وراثية رديئة . وهذا معروف في علم الوراثة والحياة حتى في عالم الحيوانات حيث يتم تهجين بعض الحيوانات بالتباعد كالخيول مثلا .
وينتشر هذا النوع من الزنا بين الأخ وأخته أو الأب وابنته أو الأم وابنها . كما قد يحدث بين زوج الأم وابنة زوجته أو زوجة الأب وابن زوجها . ويكون ذلك بوجه خاص في المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتدنية . ولكنه لا يقتصر عليها فقط فهو موجود في الطبقات العليا أيضا .
ولكن انتشاره بين الطبقات المتدنية يكون أكبر . وذلك لدواعي الاختلاط الشديد بين الجنسين خاصة في المراحل المبكرة وما بعد المراهقة . وانعدام الخصوصية أو ضعفها مما يتيح فرصة الاطلاع على العورات والأسرار وإثارة الغرائز بطرق وأساليب فجة . بالإضافة إلى انخفاض المستوى الاجتماعي والثقافي والديني والأخلاقي بشكل يحول دون الوقاية من الوقوع في مثل هذه الجرائم والحماية منها .
وقد أمر الرسول الكريم علية الصلاة والسلام في تربية الأبناء بالتفريق بين الجنسين في المضاجع للحماية والوقاية من وقوع المحظور. وخاصة في مراحل احتداد الغرائز وقلة أو انعدام السيطرة عليها في فترة البلوغ أو المراهقة .أوفي حالات النوم حيث انكشاف العورات وقوة الغريزة وضعف أوفقدان السيطرة عليها أثناء النوم .
ويأتي هذا النوع من الزنا بالقسر أو بالتراضي . فقد يجبر الأخ الأكبر أخته الصغيرة على ذلك أو زوج الأم ابنة زوجته . وهناك حالات كثيرة ناشئة عن تدهور في المستويات الخلقية والنفسية أو ضلالات فكرية أو تحايلات نفسية شعورية ولاشعورية .
وكان هذا النوع من الزنا منتشرا منذ القدم . فقد ذكر مثلا ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى فصلا عمن حمله العشق على الزنا بالمحارم . وذكر فيه قصة عجيبة عن كيف أن أما استخدمت كافة الأساليب والوسائل والحيل للزنا بولدها . ويتحدث اليهود في الإسرائيليات عن قصة يرجح أنها مختلقة عن كيف تحايلت ابنتي نبي الله لوط لمضاجعة أبيهما بأن سقتاه خمرا ثم قامتا بمضاجعته وولدت له الكبرى والصغرى ابنتين .
وقد ساهم انتشار وسائل الإعلام الحديثة في ذيوع مثل هذا النوع من الجرائم إما بإثارة الغرائز لدى الجنسين. أو بالإعلان عنها وإفشائها أو التهوين من شأنها بصورة أو بأخرى من خلال ذلك .
فهناك حالات عديدة أعلن عنها مؤخرا في الغرب وفي وسائل الإعلام المختلفة لدينا. وتشير إلى حالات متعددة من أمثلة هذه العلاقات الجنسية والعاطفية المحرمة بين الأب وابنته أدت إلى الإنجاب وتكوين أسر أعلن عن وجودها وألقي الضوء عليها ومنها حالات عن تراض وتفاخر وتعبير عن السعادة بين أطراف هذه العلاقة .
والأب الذي يجبر ابنته على معاشرته قد يكون مريضا عقليا أو متعاط للخمور أو المخدرات . ويكون في غالب الأمر بين الثلاثين والأربعين من العمر .
ونادرا ما يبلغ أحد من أفراد الأسرة عن هذه الجريمة . وقد يتم الإبلاغ عنها من خلال طرف ثالث مثل الجيران أو مدرس الفصل أو مدير المدرسة أو صديقة للبنت أو الأم المطلقة .
وقد أشارت بعض الإحصاءات إلى أن هذا النوع من الممارسات يتراوح بين 4،2%- 6،3% من الجرائم الجنسية . ولكن هناك من الإحصاءات التي تشير إلى أن النسبة تتعدى ذلك بكثير حيث تصل إلى 15% من البنات المودعات في إصلاحيات الأحداث فقد كن ضحايا لزنا المحارم أوكن يمارسنه .
وتكون الآثار النفسية لهذا النوع من الزنا قاسية ومدمرة على نفسية الفتاة حيث يتولد لديها خليط من مشاعر الكراهية والإحساس بالذنب إزاء الشخص الفاعل أو المجتمع أو الجنس ذاته . وقد يصيبها النفور الشديد من الرجال يؤدي بها إلى عدم الزواج أو ممارسة البغاء أو جرائم ومشاكل نفسية وسيكوباتية متعددة .
وقد تبين أنه حتى ولو تهاونت الفتاة أو شاركت بالفعل في هذه الجرائم فإن ذلك يكون عن جهل منها. وعندما تتعرف على حقيقة ما اقترفت تنشأ لديها مشاعر سلبية هي مزيج من ازدراء الذات والقلق والاكتئاب والمخاوف المرضية .
ويحضرني هنا مثال لإحدى الحالات المرضية لفتاة عربية تركت في عهدة عمها لسفر الوالدين للعمل بالخارج وكان العم متزوجا وله بنات في مثل سنها . وقد تحرش العم بابنة أخيه واستجابت له عن دوافع مختلفة أو عن جهل وعدم معرفة .
واستمر الأمر لمدة طويلة فاقت العشر سنوات . ولم تعلم لا زوجته ولا بناته بذلك حتى كبرت الفتاة ووصلت إلى سن الزواج . وحاولت الخروج من هذه الدائرة السالبة فكان العم يهددها بفضح أمرها . ولما طلبت للزواج وقعت في صراع حاد ومن ثم رفضت الزواج وفجرت القضية أمام الجميع تحكمها مشاعر من الإحساس بالذنب والاحتجاج .
كما أن هناك مثال معروف في الصحف ووسائل الإعلام عن ابن مدمن كان يعيش مع أمه بمفرده . وكان أن أوقع بها بإعطائها حبوبا مخدرة بحجة تخفيف الصداع وكان يعاشرها أثناء ذلك حتى فوجئت الأم عند ذهابها للطبيب بأنها تحمل سفاحا من ابنها .
وقد تكشف هذه الحالات عن مشاعر نفسية وأساليب مرضية كامنة لدى كلا طرفي هذه العلاقة . وهي تنم عن نمو نفسي وجنسي غير سوي .
وقد أثبتت العديد من الدراسات أن هذه العلاقات خاصة بين الأب وابنته تكون ناجمة عن تدهور عضوي في خلايا المخ أو خلل في التفكير عند الأب بسبب مرض عقلي أو بسبب الشيخوخة المبكرة أو لإصابته بتصلب في شرايين المخ .
ولذلك آثاره النفسية السالبة التي تؤدي إلى تدني مشاعر وسلوك هذا الشخص وإصابته بجوانب سيكوباتية جنسية وأخلاقية فيخرج عن كافة الضوابط والنواهي والقوانين الإلهية والوضعية وتتداخل لديه معاني الحلال والحرام .
كما تشير بعض الدراسات إلى أن مرتكبي هذا الجرم من الراشدين يعانون من اضطرابات حتى ولو بدا مظهرهم متوافقا اجتماعيا . وكثيرا ما يكونون مصابين بفصام في الشخصية أو أعراض مرضية سيكوباتية .
وقد يكونون مصابين ببعض مظاهر وأشكال التخلف العقلي أو واقعين تحت تأثير إدمان الكحول أو المخدرات . أوهم من أصحاب المذاهب التي تتسم بالتطرف الديني والفكري.
وقد تبين أن الفتيات والنساء اللاتي يجامعن أبنائهن الذكور مصابات بالفصام أو التخلف العقلي الشديد .
وهناك بعض المؤشرات عن حالات لبعض الشباب الذين يسيرون أثناء النوم ويمارسون أشكالا من هذا السلوك المنحرف مع محارمهم .
وتشير بعض التحليلات النفسية إلى أن مثل هذه السلوكيات تشي عن رغبات لاشعورية كانت ضاغطة ومكبوتة تجاه المحارم وعن أعراض مرضية . وهي تحتاج إلى الكشف عنها وعلاجها أو تصحيح مسارها بحيث لا تؤدي إلى مشاكل سلوكية لاحقة تصيب الفرد والمجتمع . وتكون شديدة الخطورة في آثارها على ضحايا هذه العلاقة من الأبناء أو المحيطين من المقربين لهؤلاء الأفراد .
كما تبين أن نتائج هذه العلاقة تبدو آثارها السلبية في الإصابة بالمخاوف والأفعال القهرية شديدة التعقيد . والتي من شأنها أن تحول بين إحساس الفرد والمجتمع بالرضا والسعادة سواء على المستوى الظاهري أو الباطني.
وقد تؤدي إلى العنة عند الذكور والبرود الجنسي لدى الإناث .وإلى غير ذلك من السلبيات على المستوى الجسمي والجنسي والنفسي للأفراد .
ومن الواجب الكشف عن مثل هذه الحالات وإخضاعها للتحليل والدراسة ومعرفة الأسباب النفسية والاجتماعية وراء ذلك حتى لا تستفحل وتصبح أمرا ضاغطا أو ظاهرة مرضية كما هو الحال في بعض المجتمعات .
وأن يتكاتف جميع المختصين من علماء النفس والتربية والاجتماع والطب النفسي وغيرهم لدرء مخاطرها والوقاية من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع . 
تصميم وتطوير شركة  فن المسلم