الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
فلقد جاء الإسلام بحفظ الضرورات الخمس، والتي منها:حفظ العقل) والعقل من نعم الله التي فضل الله بها الإنسان على سائر المخلوقات، فبفضل الله يعرف به صاحبه الحسن من القبيح، والنافع من الضار، والخير من الشر، والحق من الباطل، والخطأ من الصواب فالعقل أداة نافذة على حياة الإنسان، تبعاً لنضج ذلك العقل أو فساده
فالشباب أسرع تأثراً من غيرهم وأكثر طواعية في الانقياد لما يبث في عقولهم من السموم والأفكار الزائفة بشتى الوسائل (المسموعة والمرئية و المقروءة)، مما يجعل شباب المسلمين معول هدم لقيم الإسلام وأخلاقه، لذا جاء خطاب الشارع مخاطباً عقول البشر.
ولأهمية العقل ومكانته توجه خطاب الشارع إليه، كما قال تعالى: (… إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
(1) وجاء شرط التكليف لقبول خطاب الشارع في الثواب والعقاب، لكون العقل والبلوغ أداة القبول أو الرفض. ولسلامة العقل من الميل والانحراف جاءت الشريعة بتحريم كل مسكر ومفتر، والفكر المنحرف لا يقل خطراً عن التأثير الحسي على حياة الإنسان وسلوكه.
ومن أهم أسباب هذا الانحراف القدوة السيئة:
فإن من الشباب من يكون سوياً معتدلاً، وفي غفلة من نفسه ينساق خلف فئة أخرى قد وقعت في وحل الانحراف، وتغريه بأفكارها التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، حتى توقعه في شباكها ويتشبث بأفكارها، فيكون رجلاً آخر، فأصحاب الشر والفساد حريصون على إفساد غيرهم حتى تقوى شوكتهم ويتسع نفوذهم، فيعملون على استمالة من يرونه سهل الانقياد والإذعان لهم، ويظهرون لهم المودة والمحبة حتى يطمئنوا إليهم، ثم يبدؤوا في تعتيم أفكارهم.
هؤلاء هم رفقاء السوء الذين يفسدون ولا يصلحون، وقد وصف الرسول – عليه الصلاة والسلام – جليس السوء بنافخ الكير: “إما أن يحرق ثيابك أو يصيبك منه رائحة خبيثة”..
فالصحبة والخلة لها تأثير فاعل على الأخلاق والسلوك سلباً وإيجابا،ً فالمرء على دين خليله.
والمؤسسات التربوية عموماً، وأهمها: المنزل والمدرسة والمسجد،لها دور كبير في التوجيه والإرشاد وأهمها الأسرة التي تحتضن الشاب مدة طويلة في حياته،والتقصير حاصل من الأبوين معاً، فمن الآباء من يشكو عزلة ولده عنه وعدم تواصله معه، وتمضي الشهور بل الأعوام وهو لا يعلم عنه شيئاً .
وتعتبر الأسرة اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وهي الأساس المتين الذي يقوم عليه هذا الكيان فبصلاح الأساس يصلح البناء، وكلما كان الكيان الأسري سليماً ومتماسكاً كان لذلك انعكاساته الإيجابية على المجتمع.
فالأسرة التي تقوم على أسس من الفضيلة والأخـلاق والتـعاون تعتبر ركيزة من ركائز أي مجتمع يصبو إلى أن يكون مجتمعاً قوياً متماسكاً متعاوناً، يساير ركب الرقي والتطور.
والعلاقة بين الفرد والأسرة والمجتمع علاقة فيها الكثير من الاعتماد المتبادل ولا يمكن أن يستغني أحدهم عن الآخر، فالأسرة ترعى شئون الأفراد منذ الصغر والمجتمع يسعى جاهداً لتهيئة كل الفرص التي تمكن هؤلاء الأفراد من أداء أدوارهم الاجتماعية وتنمية قدراتهم بالشكل الذي يتوافق مع أهداف المجتمع .
ولا يخفى الدور الكبير الذي يقوم به الأبوان في تربية الأبناء، انطلاقاً من قول الرسول – عليه الصلاة والسلام -: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأب راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعيه في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)..
فالرعاية تعني المحافظة على سلوك الأبناء وتوجيههم الوجهة السليمة، واختيار الرفقة الطيبة، والمتابعة المستمرة، فإن الإهمال يفتح المجال أمام الأبناء إلى التفكير بلا ضابط، مع عدم القدرة على إدراك المصلحة، مما يجعلهم ينساقون بسهولة عبر تيار الفكر المنحرف، وما يتبعه من سلوكيات خطيرة.
كل ذلك بسبب غيبة الأبوين عن مسرح الحياة التي يخوضها الأبناء، في معزل عن الموجه والمربي والقدوة الحسنة. وكم من أب حصد خيبة أمله في صلاح ولده، وندم على ما مضى حيث كان مشغولاً لاهياً بمصالحه الشخصية، حتى دب داء الانحراف إلى ولده.
فمسؤولية الأب أكبر ودوره أعظم، فلو أخذ الآباء وصية لقمان لابنه مثلاً في حياتهم، لأدركوا عظم هذه المسؤولية، ومن تلك الوصايا ما جاء في قوله تعالى: “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”.
فهذه الآيات تضمنت دستوراً كاملاً في الأخلاق الكريمة، ففيها توجيه للولد بمراقبة الله عز وجل، ودعوته إلى كل معروف ونهيه عن كل منكر، وأن يتحلى بالصبر على ما يصيبه من أذى في سبيل ذلك، وألا يسوقه صلاحه واستقامته إلى الكبر والغطرسة واحتقار الناس، بل عليه التحلي بأخلاق الإسلام، كالتواضع والتأدب مع الناس. وبهذه التربية يعيش الولد حياة حقيقية، حتى لا يكون هملاً ضائعاً بلا نظام يقوده ويقوم سلوكه.
وصدق الشاعر إذ يقول: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه والأب حين يدرك أبعاد المهمة الصعبة التي كلف بها، عليه أن يتحمل ويصبر ويحتسب، فإن مسؤولية التربية والتوجيه مسؤولية صعبه، تحتاج إلى جهد مضاعف، فلا ييأس مهما طال الزمن، فإنه متى احتوى أولاده وحفظهم من جلساء السوء، وبين لهم واجبهم في الحياة تجاه دينهم ووطنهم وولاة أمرهم وعلمائهم، فإنه بإذن الله يحميهم من خطر الانحراف متى استمر في التوجيه والمتابعة.
ويظل الأب حريصاً على صلاح ولده وكمال خلقه، حتى يكون ولداً صالحاً نافعاً في مجال أسرته ومجتمعه ووطنه مطيعاً لولاة أمره معيناً على الحق داعياً إليه، ومتى خلصت النوايا وتظافرت الجهود، استطعنا بإذن الله أن نحمي أولادنا من الانحراف، وذلك بتنمية الوازع الديني وزرع الفضيلة في النفوس والتحذير من الرذيلة ، وترسيخ المبادئ الدينية لدى النشء، وتحسين الظروف الاجتماعية للأسرة ورفع مستوى المعيشة،
فالفرد متى ولد في عائلة بهذه الصفات اكتسب منها القيم والسلوكيات الحسنة ، ومن جانب آخر تحصين الشباب وحمايتهم من السلوكيات المنحرفة، وذلك يكون بملء وقت فراغهم بكل ما هو مفيد.
يمكن للأسرة أن تقوم بدور مهم في مجال وقاية أفرادها من الانحراف وذلك من خلال السلطة الوقائية التي تمتلكها الأسرة القائمة على التنشئة السليمة، والسلطة الرقابية التي تتمثل في متابعته، وعدم تركه عرضة لكل ناهب.
أما دور الأم فهو دور كبير في إدارة أسرتها وتخريج نماذج حسنة من أبنائها ومن هذا المنطلق تعتبر المرأة العنصر الأساسي في اكتشاف السلوك والفكر المنحرف لدى الأبناء ولهذا أصبح من الضروري إسهام المرأة في معرفة مؤشرات السلوك التطرفي وعلاماته
ومن أهم واجبات الأم نحو أبنائها أن تعطي نفسها القدوة الحسنة لأبنائها وأن تكون على دراية بالثقافة التربوية الشاملة لجميع مراحل العمر، كما أن عليها أن تجعل مصادر ثقافة أبنائها نقية لا يشوبها شيء من الباطل والمغالطات وأن تجعل القرآن والسنة مصدراً لثقافتهم،
كما أن عليها أن تكون على دراية بتقنيات العصر وبالأخص ما يتعلق بالشبكة العنكبوتية فالأم هي الحضن الأول لتهيئة الأبناء للحياة وبداية الطريق نحو الخير أو الشر، والانحراف الفكري لدى الأبناء مزلق خطر على كافة أصعدة الحياة، وإذا بحثنا عن منشأ هذا الخطر وجدناه في حضن الأمومة.
فأول اتصال للابن بالحياة عن طريق الأم ، فهي تحمل وتربي وتسهر وترضع فهي المصدر الأول لإشباع احتياجات الطفل ورغباته واهتماماته النفسية والتربوية والفكرية ، ولهذا يرى باحثون أن تصرفات الأبناء ترجع في نسبة كبيرة تصل إلى 85% إلى تصرفات الآباء والأمهات معهم، وخاصة علاقة الأم بأبنائها فإنها وحدها العامل الفعال والقيمة الملحوظة في نشأة تصرفات معينة دون غيرها.
والأسرة العربية أكثر الأسر حفاظاً على أبنائها، إذ كانت الأسرة متواصلة وكثيرة التواجد مع بعضها وكانت مصدر فكر الطفل وترسيخ مبادئه بالتعاون مع المدرسة.
ودور الأم دور بلا شك كبير وأساسي في تحقيق الأمن الفكري لأبنائها فعليها أولاً تعليم أبنائها التوحيد الصحيح وتنقيته من أي شوائب وتقوية الوازع الديني لديهم وثانياً عليها احتوائهم وتقوية الولاء للوطن ولأهل العلم والمجتمع. وثالثاً مراقبتهم بين وقت وآخر..
كما أن هناك وسائل لدفع الانحراف من أهمها: أن نفتح أبواب التفاؤل والرحمة ، فالمنحرف أشد ما يكون بحاجة إلى القلوب الرحيمة المتفهمة لظروفهما وأسباب انزلاقهما وإيجاد المخارج التي يمكن أن يهربوا من انحرافهم بواسطتها.
الأسرةُ هي المحضِن الأبرز لإعداد الشبابِ وبناء الشخصية، ومنها يصدُر الخيرُ أو الشرّ، ومنها ينجُم الانحرافُ أو الصلاح . تفقِد الأسرةُ دورَها وتضيِّع رسالتها إذا انصرَف الآباءُ عن أُسَرهم وكان همُّهم الأكبر توفيرَ مادّة الكسب مع ترك الحبلِ على الغارب للأولادِ والتقصيرِ في تربيتهم وعدم تخصيص وقتٍ لهم يمارسون فيه التوجيه والرعاية.،
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ” [التحريم:6]، ويتحمّل الوالدان النصيبَ الأوفرَ من جريرةِ الغلوّ في الدين أو التطرُّف في الخُلُق لحديث: “كلّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانِه أو يمجِّسانه”..
وتقع مسؤولية تربية الأبناء على الوالدين في المرتبة الأولى ، والتربية في معناها الشامل تشمل ما يصلح الإنسان ويسعده.
حيث يجب على الأسرة ومن خلال دورها التربوي أن تهتم بالجوانب التالية :
1- غرس القيم والفضائل الكريمة والآداب والأخلاقيات والعادات الاجتماعية التي تدعم حياة الفرد وتحثه على أداء دوره في الحياة وإشعاره بمسئوليته تجاه مجتمعه ووطنه وتجعله مواطنا صالحاً في المجتمع مثل: الصدق والمحبة والتعاون والإخلاص وإتقان العمل.
2- تعليم الأبناء الكيفية السليمة للتفاعل الاجتماعي وتكوين العلاقات الاجتماعية من خلال ما يتعلمه الأبناء في محيط الأسرة من أشكال التفاعل الاجتماعي مع أفراد الأسرة.
3- غرس مفاهيم حب الوطن والانتماء وترسيخ معاني الوطنية في أفئدة الأبناء، ويجب أن يعي الأب والأم أولاً معنى الوطنية والانتماء قبل أن ينقلوها إلى أبناءهم وفي مجتمعنا الذي بدأت فيه المستويات العلمية لأفراد الأسرة بالرقي والتميز يصبح من السهل على أفراد الأسرة إيصال هذه المفاهيم إلى الأبناء بشكل صحيح.
أما الدور الوقائي :
فهو مكمل للدور التربوي ولا يقل أهمية عنه،إذ يظن كثير من الآباء والأمهات أن دورهم في تربية أولادهم ينتهي عند بلوغ الولد أو البنت سن معين فيغفلوا عنه ظناً أن أولادهم كبروا ولا يحتاجوا إلى توجيه ومتابعة،وهذا خلل في التربية ينتج عنه مشاكل لا تحمد عقباها
أما الدور الرقابي:
تعتبر هذه الوظيفة امتدادا لوظيفة التنشئة الاجتماعية والتي لا تتوقف ولا تتقيد بمرحلة عمرية معينة لضمان الانضباط والتقليل من التجاوزات قدر الإمكان والمتابعة هنا تعني ملاحظة سلوكيات الأبناء وتصرفاتهم من خلال المتابعة داخل وخارج الأسرة إن الأسرة من منطلق حرصها على التنشئة الاجتماعية السليمة وحسن استغلال وقت الفراغ والتفاعل بجدية مع مؤسسات المجتمع المختلفة تسهم بشكل حيوي في صناعة الفرد الصالح في المجتمع. والفرد الصالح في المجتمع أمان للمجتمع في حاضرة ومستقبله.
المصدر : الاسلام اليوم .