الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

دراسات تربويّة : لماذا ينحرفون ؟



                                     دراسات تربويّة : لماذا ينحرفون ؟

            موقع المستشار – عبد الرحمن هاشم .


الرسالة الإعلامية السائدة في الوقت الراهن، بما تحمله في أحيان كثيرة من إسفاف لا هدف وراءه سوى إثارة الغرائز والتسخين الجنسي، تعد ظاهرة غريبة ومخيفة تستحق المواجهة وتحديدا عبر الأجهزة المختصة بالنواحي الاجتماعية والقانونية والتشريعية فضلا عن الدينية والتربوية والأمنية.

فالأمر لم يعد مجرد إطلالة مذيع عاشق للغزل ومن خلال مكالمات الفتيات على الهواء مباشرة والرسائل المكتوبة التي يتضمن معظمها أمورا خاصة بالجنس والعشق وأسرار غرف النوم والمطلوب من الضيف أو الضيفة أن تجيب ، وإنما تعدى ذلك إلى الحملات الإعلانية لبعض القنوات التي تسعى لجذب المشاهدين بطرق غير شريفة!

إحدى هذه القنوات تقدم حملتها الإعلانية بطريقة فجة تثير استياء الجمهور تحت دعوى تحدي الملل، أو المقارنة بين العربي والأجنبي؛ متضمنة الدعوة إلى الاسفاف والابتذال، ومتحدية الأخلاق بالشخصيات الشاذة ( أبطال حملتها ) والإيحاءات الجنسية بل والاستعانة بمشاهد ومقاطع من أفلام عربية تركت بصماتها السيئة على الأجيال وتبرأ منها صناعها!
وعينة أخرى أشد جرأة وتجسيدا للانحراف ، أعرضها في سطور مكتوبة بعد أن شاهدتها عيون المشاهدين:

المذيعة : ما أصعب المشاهد الدرامية التي تعرضت لها ولا يمكن أن تذهب من ذاكرتك؟
الممثلة الشابة : ” إن أصعب مشهد تعرضت له في حياتي هو ذلك المشهد الذي جمعني بالفنان الأستاذ فلان، أو كما اعتدت أن أسميه طيلة حياتي ” أنكل فلان ” فلقد كان المطلوب مني ومنه في هذا المشهد أن ننتبه لأحاسيسنا غير المعلنة فنستسلم لها ونقترب ونقترب حتى نتعانق سويا بدفء شديد، ثم كان عليه حينئذ أن …”.
وهنا قاطعتها المذيعة متلهفة : ” أن ماذا ” ؟

فأشاحت النجمة بوجهها خجلا ( أو هكذا ظن المشاهد ) ثم بادرتها قائلة : ” أن يقبلني “!
لم تترك المذيعة المجتهدة الفرصة لتروح سدى ، فبادرتها : ” لابد أنها كانت لحظة صعبة فعلا ولكن .. فقاطعتها النجمة الشابة : ” لا تتصوري حجم الصعوبة في هذا المشهد، فالحقيقة أن ” أنكل ” فلان هذا يعتبر بمثابة الأب الروحي بالنسبة لي ، ولطالما كنت أراه وأنا صغيرة في بيتنا ، من قبل أن أنخرط في الحقل الفني “.

وفي اتصال بـ ” أنكل ” فلان يأتي صوته الجهوري الرخيم وهو يتذكر نفس المشهد من بعد أن ذكرته به مذيعتنا الطموحة المحبوبة ( موت ) من جميع الفنانين : ” بالفعل لقد كان هذا المشهد مشهدا في غاية الصعوبة على نفسي، إلى الدرجة التي احتجنا فيها إلى إعادته عشرات وعشرات المرات حتى نعطيه حقه الدرامي”!
ثم يقدم البرنامج الواعد المشهد الساخن شاخصا أمام الجمهور، وكم كان الإثنان مندمجان في قبلات ساخنة محرمة تختفي فيها شفاه وتظهر أخرى على خلفية ضخامة فم ” أنكل ” فلان هذا ، وهو يتحامل على نفسه ليلتهم فريسته.
ونسأل عن ذلك فيقولون : مستلزمات العمل الفني يا جماعة!!

حين استطلعت رأي الناقد الصحفي الكبير أشرف عبد المنعم قال لي : ” ما قلته يذكرني بقصة شهيرة سمعتها عن أحد المشاهد المماثلة في أحد الأفلام الشهيرة ولكن الفارق هذه المرة هو أن البطل والبطلة داخل المشهد لم يكونا على علاقة أسرية قديمة كمثل ” أنكل ” فلان والممثلة الشابة تلك؛ وإنما كان الوضع أشد عمقا ؛ إذ أن البطلة هذه المرة كانت زوجة منتج الفيلم رأسا ، والذي تصادف أن جاء إلى مكان التصوير لكي يطمئن على أمواله وربما زوجته في أحسن الظنون !

وكان من سوء الطالع أن المشهد المزمع تصويره كان مشهدا ساخنا على أحد السراير يجمع بين البطلة ( الزوجة ) والبطل المغوار ، فلم يكن هناك بد من بدء التصوير !
بدأ المشهد الساخن يأخذ أوزاره على مسمع ومشهد من جميع العاملين بمن فيهم الزوج نفسه يلتفون في نصف دائرة حول ( السرير ) الذي لا نرى سواه على الشاشة وقد انشغل كل منهم بأداء دوره!

وجاءت اللحظة الحاسمة لينخرط البطلان في منتهى القبلات ، ثم لينتهي المشهد سريعا وسط تصفيق الحاضرين المعتاد .. كل الحاضرين في الحقيقة!!
ولكن للأسف، لا البطل ولا البطلة ومن قبلهم المخرج كانوا راضين عن الأداء، فهناك شىء ناقص لم يبلغاه بعد!!

ولذا فقد قرر المخرج إعادة المشهد مرة أخرى أملا في بلوغ منتهاه، ولكن لم يكن في كل مرة راضيا عن مستواه فصاح : ” ماذا حدث يا جماعة ؟ مش ممكن أن مشهد مثل هذا يستنزف يوم تصوير بالكامل .. ده حرام حرام “.. هكذا زجر المخرج في الجميع وقد مد يديه يسحب إحدى سجائره كي يفرغ فيها طاقته الانفعالية مدخنا !!
وهنا اقترب ( عاقل ما ) فهمس في أذن المخرج بالسر : ” ربما يمثل وجود الزوج في أثناء تصوير هذا المشهد بالذات عائقا نفسيا بالنسبة للبطلة ( الزوجة ) أو زميلها البطل” !!

وكم كان الزوج محترفا حينما فهم الرسالة ، فانسحب في هدوء إلى الخارج لعله ينقذ الموقف!
وقد كان ، فما أن خرج صاحبنا وأعاد مخرجنا العظيم المشهد ، حتى تألق البطلان بطول المشهد وعرضه إلى درجة أنه ما إن نطق المخرج بعبارة ” stop ” الشهيرة حتى غمر المكان تصفيق ما بعده تصفيق ورضا ما بعده رضا ـ منتهى الإحساس ومنتهى الانفعال والاندماج من جانب البطلين!!
ولا شك أن صاحبنا ( الزوج ) قد عاد على إثر هذا التصفيق ليشارك هو الآخر في التهنئة ، أو ربما في تلقي التهاني من جميع الحاضرين دون استثناء يثنون على تحضره ورقة وعذوبة إحساسه!!”.

أشياء أخرى كثيرة مستفزة تتم في هذا المضمار البائس بأهله وناسه على مشهد ومسمع منا جميعا.
من ذلك ، المسرحية التي يقوم فيها بطلها ( بتحزيم ) زوجته في الحقيقة ( البطلة ) لكي تبهر المشاهدين بوصلات ووصلات من الرقص الشرقي الرخيص وهو الواقف بين الجموع يصفق لها ويشجعها!

إضافة إلى مشاهد الرقص المتعمد إقحامها في الأفلام قسرا دون ضرورة ولا مناسبة وأعمال الفيديو كليبات التي تدخل جميعها في دائرة التسخين الجنسي لا تعكس للمشاهدين سوى معاني الفجاجة والإباحية والديوثية والشذوذ ، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن هؤلاء ما هم إلا ثلة من المهرجين المفسدين، الذين يمرحون في كل الساحات الإعلامية والفنية، والناس من حولهم يتجرعون حسرة الأوزار التي يحملونها
على ظهورهم وهم يشاهدون، وبعد ذلك يتساءلون : مما ينحرفون؟!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم