الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

خرج ولم يعد .



 خرج ولم يعد .

http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSgNZoqinPDw1neNKOVDT-8pTX5Du7ZdCM5g_rbih6NXQ6_sYixbg
د. عبد الله بن أحمد الملحم .

 
في رحلة الحياة من البداية إلى النهاية تنتقل هذه النفوس من مرحلة إلى أخرى من أبرزها : مرحلة الحياة الزوجية ؛ فبعدما كان فردا أصبح امة .

هو وهي مسئولان عن بيت وأطفال ، وهموم وآمال ، صبغت بالحلاوة حينا ، وبالمرارة حينا آخر .

وتشكّلت مشكلة في بعض البيوت الزوجية وهي مشكلة هروب الأزواج !! هذه المشكلة التي ما فتر كلا الطرفين من الشكوى منها . فالزوجة تريد الاستقرار النفسي لها ولأولادها ، تريد ذلك والزوج هو الآخر يندب حظه مع هذا القدر ( الزوجة ) !

المربون وأصحاب النهى ما برحوا يحاولون جاهدين في عرض هذه المشكلة والوقوف أمام أسبابها وعلاجها .

ولنستعرض هذه المشكلة :

نتفق جميعا على أن الشكوى تأتي دائما من الزوجة ؛ فهي لا تراه إلا عند الوجبات ووقت النوم ! بينما تنعم صديقتها بزوج ( مهنيها ) ، أعطى زوجته وأولاده حقوقهم . يتفقد أمورهم ، ويحضر لهم طلباتهم ، ويسأل عن حاجياتهم .

بينما هي المسكينة تعيش وحدها تتصارع مع المطبخ ، والأولاد ، والمتابعة المدرسية ، وهمومها الشخصية . فلا تجد يدا حنونا ، ولا كلمة لطيفة ، أو حتى سؤالا عن الحال .

وأما الأولاد فقد اعتادوا على غياب الأب – حتى في أيام نهاية الأسبوع – . فهو دائما في رحلة برية أو بحرية مع زملائه ، أو على سفر ، أو اجتماع مهم في العمل . وتستمر المأساة !

نعم ، أقول إنها مأساة حينما يتغيب الزوج عن البيت لفترة طويلة .

إن غياب الزوج له مخاطره الاجتماعية والتربوية والنفسية بالنسبة للزوجة والأولاد ، حتى لو كان غيابه لتوفير الرزق ، فتوفير المطالب المادية للأسرة لا يمكن أن يكون بديلا عن المطالب النفسية والجوانب التربوية .

وتتأصل هذه المشكلة في إحساس الأبناء بعدم وجود من يرعى سلوكياتهم ، خصوصا في مرحلة المراهقة والشباب . وربما دفع بعضهم إلى الانحراف والضياع ، والأم لا تستطيع أن تقود السفينة وحدها ، وهي تحتاج لزوجها ، وإلى رعايته وحنانه .

ومن المؤكد أن هناك أسبابا دفعت الأزواج إلى التغيب عن بيوتهم – أو الهرب منها – . تقول أم علي ( زوجة وأم لخمسة أولاد ) : إن افتقاد الزوج لبعض الأشياء المهمة مثل الهدوء والراحة النفسية في بيته تدفعه للهروب ، وإن كنت أحمّل الزوج المسؤولية عن تصرفاته الشخصية ، فربما يكون هو نفسه لا يطيق تحمل المسؤولية !

أم عبد الله ( أم لأربعة أولاد ) تقول : كثرة تشكي الزوجة وإثقالها عليه بالطلبات يجلب الهم والحزن على نفسية الزوج ، كما أن عدم اهتمام المرأة بنفسها وبأولادها سبب في هروب الزوج ، فهو يفتقد الراحة والسكينة في بيته ، وليس عند أصدقائه في ( الديوانية ) .

أم لثلاثة أبناء تشتكي زوجها فتقول : إنه لا يعرف حتى في أي المراحل الدراسية يدرس أبناؤه .

إذن هناك مشكلة وأسباب تتلخص من كلا الجانبين ، فمن جانب الزوجة : هي غير مهتمة بمظهرها أو بأولادها أو بمنزلها ؛ فالتلفاز لا يغلق 24 ساعة في اليوم ، والأولاد يعبثون هنا وهناك ، حتى غرفة النوم لم تسلم من العبث ؛ فالمشط بيد سارة ، وقلم الحمرة بيد أحمد ، وزجاجة العطر في سلة الألعاب ! وعندما يأتي الزوج من عمله منهكا ناشدا الراحة في منزله تقلقه هذه المناظر ، وتستقبله الزوجة ( النكد ) بقائمة المشاوير والطلبات ، وهي تستطيع أن تؤجل هذه الطلبات لحين راحة زوجها ، ولكن !

وربما كانت الزوجة نفسها هيّنة ليّنة ، تنشر السعادة في أرجاء المنزل ، ولكن مربط الفرس يقع عليه هو ( الزوج ) ؛ فهو لا يتحمل أي مسؤولية بتاتا ، ولا يريد تنفيذ الطلبات وإن كانت شخصية لزوجته وأولاده ، واعتماده منصب على عاتق السائق والتوصيل المجاني ، ونسي رسالته الأسرية .

فإذا كان الزوج مقتنعا بأنه مخطئ فالطريق الأمثل هو الحوار بين الزوجين ، وذلك بأن تسمع الزوجة لزوجها استماعا منضبطا بدون انقطاع تشرد به بالعين والأذن والقلب واليد ؛ إذ ربما هناك مشكلة ما – في عمله مع مديره أو مع أحد الموظفين – جعلته يتهرب من البيت ، أو ربما كان يمر بحالة نفسية في هذه المرحلة ، أو لوجود أي سبب آخر سيفصح عنه أحد الزوجين إذا وفر له الطرف الآخر الجو المناسب وأعطاه وقتا للكلام ، ويفضل أن يكون في استراحة قهوة ، أو مطعم ، أو بجانب البحر ؛ حتى يكون الجو ألطف والقلوب أكثر تفتحا .

أما إذا كان الزوج غير مقتنع وحاولت الزوجة أن تكلمه في هذا الموضوع مرارا بطريقة أو أخرى دون فائدة فليس لها – حينئذ – إلا أن تبدأ بنفسها وبمراجعة أوراقها . هل يمكن أن تذوب الزوجة كالشمعة وهي تعطي وتعطي ومع ذلك يوصد دونها باب رجل لمجرد أنها تقبض على مفاتيحه ؟

كثيرات من نسائنا اليوم يعيش أزواجهن معهن بحكم الألفة والعشرة لا بدافع الحب وعدم المقدرة على الاستغناء عنه ؛ فاعتادوا عليهم واعتادوا هم بالمقابل على مرافقتهن ! فالقلوب مغلقة ، والمشاعر محايدة ، والنبض لا يهتف باسم شريكة الحياة ، والشوق لا يحفّز رب البيت لكي يهرول إلى عشه بعد يوم طويل لينعم بشريكة كفاحه .

يظن الكثيرون أن ولوج قلب الزوج أو الزوجة مغامرة صعبة وعسيرة ، ولكن الأمر أسهل مما تتخيلون !!

حب + صير + دأب = سعادة ، إن لم تكن في الدنيا فأجر في الآخرة ، وكلما كان النظر بعيدا كانت الجهود أهون والمحاولة أنجح .

هناك أمور تغضب الزوج فتدفعه لعدم الاستقرار في بيته . ولكن اسمعيها مني : حينما يغضب الزوج ويحتدّ فعليك بمفتاح الصمت والابتسامة ، ثم الربتة الحانية حين يهدأ ، ومن ثم السؤال المنزعج بلسان يقطر شهدا : مالك حبيبي ؟

حينما ترين منه نشوزا فلن تجدي أروع من مفتاح الإصلاح ، فتوددي له واقتربي ورققي الصوت الذي اخشوشن من طول الانفعال مع الصغار وصففي الشعر الجميل .

وحينما تحدث له مشكلة في عمله جربي مفتاح بث الثقة في نفسه . واسيه وشجعيه . قولي له بصدق : والله لو داروا العالم كله فلن يجدوا مثلك في كفاءتك وإخلاصك . هوّن عليك ؛ فما دمت ترضي الله فالفرج قريب ، وبالدعاء تزول الكرب .

أمّا وأنتما مع أولادكما فلا تنسي مفتاح زرع الهيبة . أشعريه انه مهم في حياتكم ، وإذا أحضر شيئا – ولو يسيرا – فقولي لأولادك : انظروا ماذا أحضر لنا بابا أدامه الله لنا وأبقاه . وعلى مائدة الطعام احرصي ألا يبدأ أحد بالطعام حتى يبدأ هو ، وإذا دخل لينام فحولي بيتك إلى واحة من الهدوء ، وخذي أولاده لغرفة خاصة حتى لا يزعجوه .

أمام أهله اصطحبي معك مفتاح الاحترام والإعجاب بما يقوله ، وفي أوقات الاختلاف استعيني بمفاتيح التماس الأعذار ، وحسن الظن ، والرغبة في التصافي والسماح .

كلمة أخيرة أختم بها ، أقول للزوجين : إذا كنتما تريدان حياة هنيئة مليئة بالحب والاحترام فإن قلبيكما ماداما قد اختارا أن يكونا معا زوجين فلن تستطيع الظروف ولا اللصوص أن يفرقاهما أو يبعداهما ، ولن يكون الهروب إلا إلى عش الزوجية
 


تصميم وتطوير شركة  فن المسلم