الأحد 22 سبتمبر 2024 / 19-ربيع الأول-1446

حوار بناء



لا توجد أسرة خالية من المشاكل، فكل أسرة معرضة للمشاكل, والمشاكل لها وجهان: سلبي وإيجابي، فالمشاكل قد تجعل الحياة جحيمًا, وقد تجعل الحب أكثر  عمقًا، إن الحب لا يتعمق إلا إذا اجتاز الزوجان المحن والمصاعب معًا، والطريقة المثلى للتعامل مع المشاكل والمصاعب هي الحوار البناء”حوار ـ حب ـ بناء”.

“إن كلمة حب تتكون من حرفين الحاء والباء .. فدعها تذكرك ب”حوار بناء”فالذي يحب يحاور ويستمع.

قواعد الحوار بين الزوجين:

و للحوار بين الزوجين ثلاث قواعد رئيسة:

1-الإفصاح بدقة عن مشاعرك.

2-الاستماع بإنصات إلى الطرف الآخر.

3-تقبل مشاعر ورأي الطرف الثاني حتى ولو كانت المشاعر أو الرأي مختلفًا عما عندك.

و الآن دعنا نشرح هذه القواعد:

1- الإفصاح بدقة عن المشاعر:

ونقصد به تجنب اللف والدوران مع شريك الحياة, بل لا بد من المصارحة بالمشاعر الحقيقية ..”أنا اخاف”..”أنا أغار” .. “أنا أحتاج أن تهتمي بأمر العلاقة الخاصة بيننا”..”أنا أحتاج أن أكون لوحدي”.. ولا يكبت مشاعره , لأن هذا الكبت عواقبه مكلفة جدًا, ولا بد من التنبيه هنا أن هناك فرق بين الإفصاح والتجريح, وبين الصراحة والوقاحة.

2- الاستماع بإنصات إلى الطرف الآخر:

لا سبيل إلى فهم الزوجة إلا بالاستماع إليها، وهناك فرق بين أن”تسمع” و”تستمع”.. فالاستماع بإنصات مهم جدًا، وقد قيل”افهم قبل أن تفهم”.

3- تقبل مشاعر ورأي الطرف حتى ولو كانت المشاعر أو الرأي مختلفًا عما عندك:

لقد اختلف نساء النبي معه صلى الله عليه وسلم لكنه بقي يحبهن ويحببنه, وهذا ما نريده منك – أيها الزوج – أن تتقبل رأي زوجتك, وخاصة اذا صارحتك بمشاعرها، واعلم أنها حين تقول لك ما تكرهه أفضل بكثير من أن تكتمه فالكتمان قنبلة موقوتة.

“دعها تقول لك ما تكره, واستمع إلى مشاعرها .. تعرف على الأسباب, حتى تعرف النتائج التي تود الوصول إليها, ثم توجه إلى مناقشة البدائل”(كيف تكسب محبوبتك، د.صلاح الراشد، ص 54-58 بتصرف).

الحوار في الأحاديث الأربعة:

إن جماع الخير في الحوار في أربعة أحاديث:

-قوله صلى الله عليه وسلم”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيلقل خيرًا أو ليصمت”(أخرجه مسلم)

-قوله صلى الله عليه وسلم”من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه”(أخرجه بن ماجه )

-قوله صلى الله عليه وسلم”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”(أخرجه مسلم)

-قوله صلى الله عليه وسلم”لا تغضب”(أخرجه البخاري )

كيل الاتهامات:

إن المشكلة في الحياة الزوجية تكون في كثير من الأحيان في جهل كل من الزوجين بما ينفر الزوج الآخر منه، أو بما هو سبب الغل والعداوة لدى الطرف الآخر نحوه, وهذا يعني أنه وقبل كل شيء لا بد من جلسة أو أكثر بين الزوجين يستمع فيها كل منهما إلى الآخر استماع من يريد أن يفهم وجهة نظر الآخر ليرى لعل الحق معه فيها , وليس استماع من يريد الدفاع عن نفسه، ورد التهم عنها, وإثبات أنه ليس مخطئًا، وأن كل الخطأ هو خطأ الطرف الآخر, إذ في هذه الحالة تنعدم المحاولة لفهم الطرف الآخر, وبالتالي يستحيل أن يفهم كل منهما الآخر.

لوم الآخر:

و بالمقابل فإن على كل من الزوجين عندما يحكي للآخر شكواه أن يتجنب لوم الآخر, وأن يتجنب اتهام الآخر, إذ الهدف من بث الشكوى إنما هو جعل الآخر يفهم معاناة الأول, ويدرك دوره فيها, كي يغير من نفسه أو من سلوكه حتى تنتهي هذه المعاناة, وليس الهدف محاكمة الطرف الآخر, ومعاقبته على ما ارتكبه في حق صاحب المعاناة.

كيف أفعل ذلك؟

يتم ذلك بأن يقول صاحب الشكوى للآخر: عندما فعلت كذا وكذا شعرت أنا بكذا و كذا , وهذا أسلوب يحقق التعبير عن المشكلة دون الاتهام واللوم للآخر، إذ الاتهام واللوم يجعل الآخر دفاعيًا وليس مستمعا يريد الفهم.

غلفها بالرحمة:

إن هذه المصارحة في إطار من الرحمة, كثيرا ما تحقق التغيير, فيقوم الطرف الآخر بتغيير ما يستطيع تغييره في نفسه كي يستعيد بعض اعجاب الزوج الآخر به، ويقوم بتغيير سلوكه الذي كان يسيء فيه للطرف الآخر بوعي أو دون وعي.

أما ما لا يستطيع الطرف الآخر تغييره في نفسه من طباع, فلا بد فيه للطرف الأول من التقبل لهذه الطباع التي لا يحبها في زوجه, ولا بد له من تقبل العيوب التي من العسير أو المستحيل تغييرها, فالتقبل يمهد الطريق للحب, والحب يؤدي إلى مزيد من التقبل.

كيف نمحو آثار الإساءة ؟

وتبقى لدينا مشاعر الغيظ المتراكم في النفس بسبب إساءات سبقت ومضت, فتحولت إلى غل وعداوة, وبخاصة أن الإنسان تجنب في عملية المصارحة توجيه اللوم والاتهام للطرف الآخر.

إن هذه المشاعر الدفينة في النفس لا تذهب و لا تزول وحدها, ولا يستطيع الزمن وحده أن يمحوها من النفس, قد تتمكن النفس من إزاحتها عن دائرة الشعور و الوعي, لكنها لن تتمكن من النجاة من تأثيرها في مشاعرها وعواطفها، ومهما خبأها الإنسان فستبقى ستارًا يحول بين المرء وحب الزوج الآخر, ولن يحدث ذلك إلا إذا تحولت تلك المشاعر إلى مشاعر حب وهذا يحتاج إلى ما يسمى بالصفح والتسامح.

ماذا بعد:

-تحاور مع شريك حياتك حوارًا بناءًا.

-أفصح عن مشاعرك بدون تجريح.

-استمع بانصات إلى الطرف الآخر.

-تقبل الرأي الآخر عند الحوار.

-لا تجعل الهدف من جلسة الحوار هي اللوم وكيل الاتهامات لشريك حياتك, ولكن لبث المشاعر وتفهم الطرف الآخر.

-تكون هذه المصارحة في إطار من الرحمة والسعي إلى التغيير وتحويل مشاعر الغضب والعداوة إلى الحب والفهم هذا هو مانهدف إليه من”حوار حب بناء”.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم