فبكى الديك وصاح ونظر للسماء، وأذَّن للرحمن في صوتٍ مكتومٍ مظلوم، فانفتحت السماء وأصغى حراسها السمع، فغنّى الديك: “إلهى: لا أشكو إليك قاتل صغيري، إنما يا مولاي أشكو إليك من قَلَبَ الحقيقة، وزوّر الصورة، وفرح بما اقترفه الفاسدون، وشد على أياديهم..اللهم إني طير مهيض الجناح، مكسور القلب، فانتصر وانتصر وانتصر يا رب..”.
الديك الصغير، وبفطرة فطره الله عليها، حبَا خارجا من عشه، ووقف على هضبة مربعة، وبملء فِيِه، ومَدَى منقاره، شدَّ قوس حباله الصوتية، وصدح بما هو مأمور به، وأذّن للرحمن، فضجّت الغابة وعادتُها النوم، وضاق سكانها وديدنهم العيش كالعبيد، وراحت القردة تغري الأسد بالصغير، فأطلق ثعالبه، فانطلقت وحامت حول ديك لم يبلغ الحلم، لكن قلبه حديد، وعزمه صخر، وصوته مِزْمَارٌ أغنّ، وفي ساعة زمن، قتلت الثعالب الديك، وأمر القرد العجوز صبيانه، بأن يثيروها حربا على بني الدَّيكة، وكيف أن الديك الكبير لم يمنع صغيره من الخروج، فكان سببا لهلاكه، وأن قاتله هو من أخرجه، لا الأسد ولا ثعالبه الجبابرة. وكان بالجوار قرد مسنٌ حقود حسود، عاش أزمان ملوك الغابة الغابرين، حتى صار “هيكلا”، واعتبرته الحيوانات مؤرخها، وراح القرد يربي قرودا، امتلأت بهم الغابة ضجيجا، ولم يرُعْهم غير صوت صياح الديك، فتربصوا به كل ساعة فجر، ليقتلوه أو يثبتوه. فلَمَّ الديك نفسه، ورتب سرا عُشّه، وأحاط بصغيره خائفا عليه، فكان كل فجر يصيح في سره، ويؤذن همهمة. ومرت الأيام ثقيلة، حتى كانت ليلة باردة، وغطَّ الديك في سنة من النوم، واقترب الفجر، والشر ينسج خيوط الليل ذي السدف. فهب الصغير ..
“فرح الديك بصغيره، صُنع أمام عينه، به تاه منذ نقْرِه البيضة، رقص قلبه وهو يرى فرخته تربي الصغير على لقط الحب، وبناء العش، حلم باليوم الذي يصحبه فيه للآذان وإيقاظ حيوانات غابتنا أو غابتهم، لا فرق .. علمه أحكام الصياح العذب، أوصاه بمدّ الصوت والخشوع، ونسِيَ أن يعلمه حكاية الديك مع الثعلب الذي لا دين له. شب الديك الصغير نشيطا مرحا عفيا، قفز حتى كاد يطير.ختام الحكاية أن ليل الثعالب قصير، والفجر ملكٌ خالص وحصري للديكة، أما بدايتها ـ كما يقصها القاص الأستاذ محمد موافي ـ فهي: