صمّم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مؤخراً أحدث حقيبة تدريبية للحوار مع الطفل، بعنوان:”حاورني”، وهذه الحقيبة التدريبية تأتي إدراكاً من المركز لأهمية هذه المرحلة، وإسهاماً في بناء ثقافة الحوار مع الطفل، حيث تهدف إلى تنمية قدرات المُربية (المعلمة، الأم) على تدريب الأطفال على الحوار بما يحقق النمو المتوازن عقليا ونفسياً.
ويحتاج الحوار مع الأطفال إلى السير به في طريقين، أولهما الحوار الأسري، عبر الاستماع لهم والتحدث معهم بقدر عقولهم وقدراتهم التفكيرية، وثانيهما تأسيس ثقافة الحوار مع الأبناء من خلال مركز متخصص يقدم للآباء والأمهات فن ومهارات الحوار، ولعل في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ما يُحقق هذا الهدف، من خلال ما يعقده من برامج حوارية على أعلى المستويات العلمية.
إن إعطاء الأبناء الحرية في التحدث بما يجول في أنفسهم دون ردع لأفكارهم، حتى لو كانت تخالف العادات والتقاليد، يجعل لديهم قابلية أكبر للإنصات إلى توجيهات وإرشادات الآباء والأمهات حول خطأ الفكرة التي تحدثوا بها، ومن ثم إعطاؤهم المعلومة الصحيحة، وهنا تكون النتيجة أكثر فائدة لتحقيق القناعة الذاتية لدى الطفل بتفكيره السابق والفكرة الجديدة التي استوحاها من والديه.
أُلفة ومحبة
وقالت “حياة الدهيم” -مدربة ومستشارة في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني-: إنه من خلال برامج الحوار مع الطفل الذي يعقدها المركز مع القطاعات الأخرى كوزارة التربية والتعليم، من خلال ورش تدريبية، فإنه يتم التركيز على الاهتمام أن تكون منصبة على صاحب العلاقة مع الطفل بشكل مباشر وهي المعلمة، وتهيئتها للتعامل مع هذه المرحلة العمرية بشكل يساعدها على تلافي العوائق والصعوبات التي قد تواجهها، مضيفةً أنه لا أحد ينكر أهمية الحوار مع الأطفال، ففوائده كثيرة من أهمها؛ أنه يصنع ألفة بين الطفل والمُربين سواء كانوا والديه أو معلميه، إضافةً إلى اكتشاف المشكلات التي يعاني منها؛ لأنها تظهر من خلال الحوار القائم معه، مبينةً أن الحوار يُقوي أواصر العلاقة بينه ومن يديرون معه الحديث، مما يساعد على منحه مزيد من الثقة في النفس، إضافةً إلى نشر “جو” من المتعة أثناء الحوار، وكذلك تنامي الحصيلة اللغوية والإدراكية لدى الطفل المحاور.
أساليب التواصل
وأوضحت “ميسون شهاب” -مستشارة ومدربة من مكتب اليونسكو- أن الحقيبة التدريبية التي يعدها مركز الملك عبدالعزيز للحوار عن الحوار مع الأطفال، تُعد أول إصدار عربي يعنى بموضوع الحوار مع الصغار، وأنها تأتي إيماناً بأهمية الحاجة لتأصيل لغة الحوار مع الطفل بشكل سليم، لاسيما مع تزايد حالات العنف الأسري وفقدان أساليب التواصل السليم داخل الأسرة، مضيفةً أن هذه الحقيبة جاءت لسد فجوة تتصل بسنوات التشكيل الأساسي لشخصية الإنسان التي يتم رسمها وتحديد معالمها في سنوات الطفولة الأولى، وبناء على ذلك كان الاهتمام في التدريب بنوعية المشاركات في البرنامج التدريبي على مفاهيم الطفولة والخصائص المتعلقة بمرحلتها ومتطلباتها الحوارية والتدريب على المهارات.
مهارات تفكير
وحملت الحقيبة التدريبية اسم “حاورني”، وتُعد أحدث حقيبة تدريبية يطلقها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وتقدم ضمن فعاليات المؤتمرات الدولية للطفولة المبكرة، كان آخرها المؤتمر الدولي للطفولة المبكرة الذي عقد بجامعة نورة، بمشاركة وزارة التربية والتعليم.
منحهم الحرية يجعل لديهم قابلية للإنصات إلى الوالدين وتصويب الخطأ
وذكرت “د.وفاء بنت حمد التويجري” -مساعد الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني- أن هذه الحقيبة التدريبية تأتي إدراكاً من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لأهمية هذه المرحلة، وإسهاماً في بناء ثقافة الحوار مع الطفل، كما تهدف هذه الحقيبة إلى تنمية قدرات المربية (المعلمة، الأم) على تدريب الأطفال على الحوار بما يحقق النمو المتوازن للطفل عقليا ونفسياً، مبينةً أنها تتضمن عدداً من الأهداف التمكينية منها؛ تعريف مفهوم الطفولة والحوار بشكل واضح ودقيق، والاسترشاد بالهدي النبوي في الحوار مع الطفل، مع توضيح المبادئ الأساسية التي يُبنى عليها الحوار مع الطفل، وكذلك ذكر الملامح الرئيسة لمساعدة الطفل للتعامل مع مشاعره في الحوار، إضافةً إلى تطبيق خطوات الحوار الفعال مع الطفل، وتشجيع تنمية التفكير في الحوار معه عملياً، إلى جانب تحديد مهارات التفكير الأساسية التي يهدف إلى تنميتها، واقتراح آليات لتنمية مهارات التفكير عند الأطفال في مواقف حوارية يومية.
ردع الابن يؤدي إلى نقص المعلومات الحياتية لديه
تنمية شاملة
وأكدت “د.وفاء التويجري” على أن هذه الحقيبة التدريبية تأتي انطلاقاً من إيمان المركز بأن مرحلة ما قبل الدراسة هي مرحلة للتنمية الشاملة لحواس الطفل، وكذلك قدراته ومهاراته وميوله واتجاهاته، إضافةً إلى الإعداد الشامل والتنمية العقلية والحسية والانفعالية والاجتماعية، وكذلك البيئية للطفل، التي تنبه حواسه وقدراته ومهاراته المختلفة، مع تزويده بالخبرات الأساسية في حدود إمكاناته واستعداده ومستوى نضجه، التي تعد من الأولويات التي يمكن العمل عليها ولها، مبينةً أن الحقيبة تستهدف المدربات لمرحلة رياض الأطفال، والمشرفات التربويات لمرحلة رياض الأطفال، ومنسوبات ومعلمات رياض الأطفال، وأمهات الأطفال.
تطوير الذات
وقالت “منال المنصور” -إدارة الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم-: استطلعت آراء مديرات المدارس حول الفائدة التي يتوقعن الحصول عليها من عقد برامج حوار مع الأطفال، وقد أشارت أغلب المشاركات إلى قدرة مثل هذه البرنامج على تطوير الذات، وتنمية الحوار الفعلي في مجالات العمل والمجالات الأسرية، إضافةً إلى تزويدهن بالعديد من الأفكار والمهارات التي يمكن عن طريقها تطوير الذات أولاً، ثم تطوير الجانب العملي في عدة أساليب ومهارات، مضيفةً أنه أشار البعض منهن إلى مدى فاعلية البرنامج في تعريف المتدربات بطرق وأساليب الحوار مع الأطفال، وحل المشكلات والعوائق التي قد تحول دون ذلك، إضافةً إلى دور البرنامج في تبادل الخبرات، من خلال الأعداد المشاركة من مناطق ومحافظات المملكة المختلفة، مبينةً أنه فيما يتعلق بمدى إضافة هذه التطبيقات العملية بالنسبة للمتدربات، أوضح عدد منهن أنهن استطعن من خلال هذه التطبيقات التعرف على العديد من المهارات الأساسية في الحوار مع هذه المرحلة، بل والوقوف على الأسس الصحيحة والإيجابية للحوار مع الأطفال.
وشدّدت على أهمية تكثيف الدورات والزيارات الميدانية في كافة المناطق وخاصة النائية وتلك الجديدة في مجال رياض الأطفال، وأهمية التواصل مع التدريب التربوي بإدارات التعليم وتزويدهم بالبرامج الممكن تطبيقها وطرحها.
جانب مهم
وأكد مجموعة من المتدربات على هذه البرامج على الفائدة التي ستنعكس على أدائهن في المستقبل من خلال المهارات التي اكتسبنها من برنامج حوار الأطفال المعد لهذا الغرض، حيث لمسن من خلال الآلية والكيفية التي يتم التدريب عليها نظرياً وتطبيقياً، مدى فاعلية البرنامج في إكسابهن مهارات الحوار مع الطفل والتواصل اللمسي والبصري ومهارات الاستماع اليقظ، وكذلك عكس المشاعر، ومهارات التحدث، ولغات التفكير البصرية والحرفية اللفظية، واللغة العددية الرقمية والمنطقية، إضافةً إلى اللغة المتعاقبة المتسلسلة والعاطفية، وكذلك الفكرية واستراتيجيات إثارة التفكير الأساسية، مجمعين على أهمية الحوار مع الأطفال؛ لأنه جانب مهم للنمو المعرفي والإدراكي وصياغة شخصية الطفل؛ ليتحمل المسؤولية ويتخذ القرارات ويفكر منطقياً، موضحين أن الحوار مع الأطفال له فوائد عظيمة في تنمية قدرات الطفل على التفكير وترتيب الأفكار، وهو فرصة أكبر لتدريبه على النقاش المنطقي وإبداء الرأي وأدب الاعتراض والتعديل على الآراء في جو من الأمان الأسري وحرية إبداء الرأي.
لا تقاطعوهم
وشدّد “د.عبدالرحمن بن عبدالله الصبيحي” -أخصائي نفسي- على أهمية حوار الأطفال في كافة شئون حياتهم، مضيفاً أن من أكثر الأخطاء التي يقع فيها الوالدان هي عدم إتقان فن الحوار مع الأبناء، حيث إنه يعد من أهم أسس التربية السليمة، مبيناً أنه من أهم متطلبات الحوار مع الأبناء الإنصات وعدم المقاطعة أثناء حديثهم، ثم يأتي في المرحلة الثانية وهي إعطاؤهم الحرية في التحدث بما يجول في أنفسهم دون ردع لأفكارهم، حتى لو كانت تخالف العادات والتقاليد والعرف العام؛ لأن الطفل بمجرد ما يتحدث عن ما يجول في نفسه يكون لديه قابلية أكبر للإنصات لتوجيهات وإرشادات الأبناء والأمهات حول خطأ الفكرة التي تحدث بها، ومن ثم إعطاؤه المعلومة الصحيحة، وهناك تكون النتيجة أكثر فائدة لتحقيق القناعة الذاتية لدى الطفل بتفكيره السابق والفكرة الجديدة التي استوحاها من والديه.
نقص معلومات
وأشار “د.الصبيحي” إلى أنه من أكبر أخطاء الوالدين أثناء حوارهم مع أبنائهم هو في ردعهم عن كثرة أسئلتهم، وهذا يؤدي إلى نقص المعلومات الحياتية لدى الطفل؛ لعدم وجود من يجيب على أسئلته، بل وتجعله في حيرة وخوف من قضايا يجهلها ويخشى من نتائجها. وعن كيفية إدارة الحوار مع الطفل قال: إن الحوار مع الأطفال يحتاج إلى السير به في طريقين، أولهم الحوار الأسري والاستماع لهم والتحدث معهم بقدر عقولهم وقدراتهم التفكيرية، وثانيهم على مستوى الجهات المعنية حيث تستطيع أن تُؤسس لثقافة الحوار مع الأبناء من خلال مركز متخصص يقدم للآباء والأمهات فن ومهارات الحوار، ولعل في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ما يمكن أن يحقق هذا الهدف.