الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

تويتر.. وسلطة الكلمـة



تويتر .. وسلطة الكلمـة
د. خالد بن سعود الحليبي
ليس جديدًا تأثير الكلمة المعلنة في مسار الرأي العام، وقد بقيت الصحافة ـ مع كل المزاحمات المبتكرة ـ صاحبة الجلالة، وبوصلة الحياة، ترفرف بمن تريد، وتضع من لا تريد، صمدت مهابة في أعين الكبراء والوزراء، يخشون أن تكشف مخبوءًا، أو تضخّم تقصيرًا، أو تقدّم منافسًا، ويسعدون إذا أثنت، فكيف إذا صوّرت وكبرت وطوّلت وزوقت؟!
لكن الجديد في الأمر هو أن يتمكّن كل فرد من أن يجمع له قراء فيكون جريدة وحده، ويتمكّن كل موضوع من أن (يتهشتق) فيكون برلمانًا يمهد لقرار ربما كان من المقاس الكبير!!

الجديد أن يتحوّل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب إلى (لُعبة) جميلة مسلية، طأطأت لها الأعناق، وأخذت بلبِّ كبار القوم قبل صغارهم، واستحقت ـ بلا سابق إنذار ـ أن تستحوذ على عقولهم وأوقاتهم، فيرونها جديرة بمبتكرات نتاج عقولهم، ولمحات خواطرهم، ومستهل أيامهم، بل أصبحت حساباتهم سجل أيامهم، وسيرًا ذاتية لحياتهم، وجدولًا لأعمالهم، ومستودعًا لكتبهم وبرامجهم.

أصبح العالِمُ والطبيب والداعية والمبدع والنجم في أي فن، وغيرهم يبدؤون يومهم بتصبيحة تتفتح كما الوردة في كفِّ الندى البكر، ربما قبل أن يلقي كل منهم تحية الصباح على أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه!!

إنه يشعر بأنه يعيش في كوكبة من البشر يرتدون أفكاره، ويسيرون في ضياء نظراته، ويؤمِّنون على دعائه، ويشربون من كأسه، ويناصرون آراءه، يكاد يحسُّ بخفق قلوبهم وهم يسيرون حياله، وربما توّهم أنهم يحيطون به وهو يعاني من مخاض فكرته، وأنهم ينتظرون عند باب غرفته وهم يترقبون ولادة ومضته.

ولا يلام.. فإنه بمجرد أن يطلق تغريدته فإن أرقام المتابعين تتقافز بعبارته؛ حتى تصنع منها جوقة في سدرة، فإذا به يسمعها كما (كورال) النشيد، يضج بأصداء روحه في ردهات أرواح الآخرين. كيف لا يفتنون!! وهم يرون أنهم يطلقون الجملة فتصل إلى مشارق الأرض ومغاربها في لحظات، فتجد مَن يؤيد، ومَن يعارض، ومن يصحّح، ومن يتحمّس، ومن يعلق، ومن يتأثر، ومن يغيّر من حياته، ومن يحوّلها إلى منارة من منارات مستقبله!!

في (تويتر) يمكن لأي إنسان أن يجمع الملايين على رأي أو إرادة، وهنا تكمن خطورة الكلمة فيه، فإن نقت وصفت، بنت وأسعدت، وإلا فقد تكون سببا في الهدم والتفريق، والخذلان. وتزداد قيمة الكلمة بحسب قيمة مَن يقولها، وسعة جمهوره، ومقدار أثره فيهم، وكل يختار ما يناسبه؛ فإن الله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ.(

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم