الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

تكريم المتقاعدين .. الدوسري أنموذجا



من حَرمِ الله تعالى بدأ تكريم المتقاعدين هذا العام، حيث اختار الشيخ الدكتور صالح ابن حميد أن يوصل رسالة شفافة وقوية في الوقت نفسه إلى ألوف المتقاعدين، مبيِّنا أن المتقاعِد في نعمةٍ عظيمةٍ لا بُد أن يستثمرها، وأنه بتركِه للوظيفة لم ينتهِ عملُه ولم يُستغنَ عنه؛ بل عليه أن يتلبس بأعمالٍ أخرى، يخدمُ بها دينَه ومُجتمعَه، مُتوجِّهًا بالنصح إلى المؤسسات بكل أنواعها بضرورة استثمار هذه الجهود والخبرات السابقة في أعمالٍ نافعةٍ للأمة.

وتلك ـ في نظري ـ مسؤولية المتقاعد أولا، ثم المؤسسات، فإن انتظار الفرص من الآخرين مضيعة للعمر، فقد تحدثُ، وقد لا تحدثُ أبدا، وفي الوقت نفسه فإن كثيرا من المؤسسات ـ وبخاصة الأهلية ـ غافلة عن هذه الخبرات التي بُنيت عقودا متتابعة، وأنفقت عليها الملايين، ولا يزال بعضهم يتمتع بصحة طيبة، وقدرات ذهنية وعملية كبيرة.

والمتقاعد أمام خيارين: العمل؛ للتمتع بالصحة والعافية والعطاء المستمر والسعادة بالإنجاز. أو البطالة؛ للتراجع في الصحتين النفسية والجسدية، والانحدار نحو حافة الحياة، والفراغ الممرض المتعس المهلك لا قدر الله تعالى.
وليكن العمل الجديد خفيفا، نوعيا، مناسبا لما كان يقوم به المتقاعد في عمله السابق؛ ليستثمر خبراته، أو فيما يحب ويتقن من أعمال، وإن كانت لا تمتُّ لعمله السابق بصلة.
حفلات التقاعد هي البيئة الصالحة للثناء الصادق، يستطيع كلُّ محبٍّ أن يقول فيها الكلمة التي تسبح في فضاءات قلبه، وهي التي جاءت به، وقد يكون قد ردّدها كثيرا من قبل ومنعه من ذكرها خوف الظن به أنه يتملق رئيسه، أو يجامل من أجل الحصول على منفعة، ولكنه اليوم له أن يلقيها بكل صراحة: (أحبُّك)، (شكرا)، فليس ثمَّة مصالح يترقبها، ولا خير فيمن لا يشكر الناس، كيف إذا كان قد قدم ما يتضاءل شكر البشر للبشر عن إدراك علياء سمائه، وقد تحمَّل أعباءَ المسؤولية دون أن يسمح بروائحِ تعبها أن تصل إلى زميل أو مستفيد، أو ربما مسؤول، أظهر المنجزات، ووارى نصب تذليل العقبات.
ومن حكم عطاء السكندري: “إذا أَرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَهُ فانْظُرْ في ماذا يُقيمُكَ.” ولذلك فإني غبطت مدير عام إذاعة القرآن الكريم الأستاذ عبدالله بن محمد الدوسري، الذي ودَّع موقعا، كان فيه قائدا لعمل جليل، فلا شرفَ يضاهي شرفَ من يحفظُ اللهُ به كتابَه، ويكون سببا في نشره وتدبره، فكيف بمن تجري أنهار الكتاب والسنة من بين يديه ليلَ نهار، بل هو الذي يطلقُ أريجها ليلامس به قلوب المؤمنين في كل مكان، وُضعت مفاتحها بين أنامله عَقْدا من الزمان، يقود رحلة النور كل يوم وليلة .. إلى قصر منيف، وبيت متواضع، وخيمة مضروبة في أعماق بيدٍ دونها بيدُ، أو كوخٍ هرمٍ على رأس جبل شامخ، أو معروشة على شاطئ نهر.
خلف غرف التسجيل كانت المكاتبُ تحتفي بقامة لم تحرص على الظهور، وكان ذلك في يدها لو شاءت بعد مشيئة الله تعالى، صاحبُها لم يبحثْ عن ثناء، فكان ـ اليوم ـ من أحقِّ الناس بالثناء، صحبَ الفقهاء والمحدثين، والمفسرين والقراء، وأصنافا من الدعاة والعلماء، وعشرات الموظفين من إخوة العمل الكرماء، فما ترك في ذكرياتهم غير قصص الود والإخاء، ولا في قلوبهم غير الحب والوفاء، فلا غرو اليوم إن تذاكروا فضله، ونشروا خلقه، ودعوا له على صبره على الثبات في ساحات الكلمة الصادقة.
وكل مسؤول سوف يودع يوما، وسوف تحفه الدعوات؛ وليختر هو أي نوع من هذه الدعوات.

Dr_holybi@ تويتر


تصميم وتطوير شركة  فن المسلم