إن الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبِعه بإحسان إلى يوم الدين
توطئة: قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
فالزواج من أعظم آيات الله الدالة على قدرته، وهي من الآيات التي تستدعي التفكير والتدبير، فبالزواج حفظ الله تعالى النسل البشري، وحقَّق به الإعمار في الأرض، وفي الزواج مصالح عائدة على الأفراد والمجتمعات لا تُعد ولا تُحصى.
وما دام للزواج هذه الخاصية في حياتنا، فينبغي التفكير والبحث في هذه الآية؛ حتى نهتدي بها لمراد الله فيها، وهو تحقيق السكينة النفسية، وهي عامل رئيسي في تحرير الإنسان من قيود قد تضر بدينه ودنياه، ومن جملة هذه القيود الوحدة والانطواء على النفس، وغيرها من المشاكل الخطيرة التي قد يفقد من جرائها الإنسان توازنَه في الحياة، ويصبح ضرره أكبر من نفعه.
من جهة أخرى خلق الله البشر من ذكر وأنثى، وركَّب فيهم شهوة غريزية، وأمر بترشيد هذه الشهوة عن طريق الاتصال والاقتران بزواج شرعي، وقد يسبب العزوف عن الزواج مشاكل فردية واجتماعية خطيرة تهلك الحرث والنسل.
ما بعد الزواج: فالزواج يجب أن يلعب دورًا في توفير الحياة الطيبة التي يتربى في ظلها أبناء، وتنشأ أسرة تكون لبنة من لبنات المجتمع وعمودًا يشد أزرَه.
ومن أكبر العوائق التي تحول بين الأزواج وبين تحقيقهم لهذه الحياة الطيبة، هو الجهل بسنن الله في هذه الحياة؛ قال الله تعالى بعد ذكره للسكينة: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، فالزواج يجب أن يبنى عن الحب الغريزي الذي أودعه الله في قلوب الزوجين – الذكر والأنثى – ثم الرحمة، وهي اللطف والرفق في المعاملة بين الطرفين، فإذا غاب الحب حلَّت محله الرحمة.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرًا، أدخل عليهم الرفق”؛ أخرجه الألباني رحمه الله في “السلسلة الصحيحة”.
والذي يهمل هذا الأساس في الحياة الزوجية، قد يصاب بالشقاء في حياته وقد يهدم حياته بيده، ومن جملة ما تفشى في مجتمعاتنا من جراء الجهل والابتعاد عن الجادة والهدي النبوي في حياتنا، ما يسمى بالفراغ العاطفي.
الفراغ العاطفي (بالإنجليزية: Emptiness): هي حالة إنسانية يتخللها تغير في المزاج، وشعور بالملل المعمم والاغتراب الاجتماعي واللامبالاة.
اللامبالاة: هي حالة وجدانية سلوكية، معناها أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته، فقد يصاب بها أحد الزوجين أو كلاهما، وغالبا ما تصاب الزوجة حالة من هذا الفراغ لأسباب؛ منها:
♦ اغتراب الزوج وبُعده عنها، قد تجد الزوج يعمل بعيدًا ولا يدخل بيته أيامًا أو شهورًا.
♦ قد تجد الزوج لا يهتم بالجانب العاطفي والغريزي، وليس له إرادة وإن كانت فهي ضعيفة.
♦ قد تجد الزوج متعدد الزوجات ولا يعدل بينهنَّ.
♦ وقد يكون الوضع الاجتماعي المفروض سببًا في هذا الشعور.
ومن جانب الزوج قد يكون هذا الفراغ بسبب:
♦ ضعف المرأة وعدم قدرتها على المعاشرة.
♦ إهمال المرأة لزوجها وعدم إشباع رغباته.
♦ عدم اهتمام المرأة بنفسها مما يجعل زوجها غير راغب فيها.
من النتائج السلبية الناجمة عن هذا الفراغ:
♦ تغير المزاج: تقلُّب المزاج هو تأرجح المزاج بين عاطفة وأخرى في مدة زمنية قصيرة.
♦ الشعور بالملل والاضطرابات النفسية، ثم كراهية الحياة.
♦ الإهمال وعدم القدرة على تسيير شؤون الحياة.
♦ لا اهتمام بالنتائج حتى ولو كانت خطيرة.
♦ الشعور بالوحدة والغربة وعدم الانتماء للمجتمع.
♦ التخلي عن القيام بالدور المنوط لكل من الزوجين في هذه الحياة.
♦ قد يؤدي هذا الشعور إلى الطلاق وتشتيت الأسرة.
♦ قد يتسبب في الجرائم.
الحلول:
1– بالنسبة للزوج:
♦ عليه بالاتصال الدائم مع زوجته حتى ولو في سفره، والحمد لله قد منَّ الله علينا بوسائل الاتصال الحديثة، فليُسخرها العبد فيما يصلح حاله في الدارين.
♦ عليه أن يحرك مشاعر الحب في زوجته بكل الطرق الشرعية؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: “إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ, كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْطِفَ حَقِّي عَلَيْهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾”. أخرجه ابن أبي شيبة (5 /272 )، وعبدالرزاق (4/ 196)، بإسناد حسن.
وقد قال ابن كثير في تفسيره (ج 2 / ص 242): ” قوله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ أي: طيِّبُوا أقوالكم لهنَّ، وحَسِّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعَل أنت بها مثله”.
♦ عليه ألا يهمل زوجته، وعليه أن يُحيي مشاعرها بالمدح والثناء على ما تقدِّمه من خدمة.
♦ لا ينطق بكلمة الطلاق في حضرتها، حتى ولو بالمزاح؛ لأنها كلمة تكسر المشاعر.
♦ الهدايا تشرح الصدور وتقوِّي الروابط، فحبَّذا من الحين إلى الآخر يهدي ويشتري لها ما تهواه.
♦ السفر بصحبة زوجته بين الحين والآخر؛ مما يجدد الحيوية والنشاط ونسيان متاعب وهموم البيت.
♦ مشورتها في أمور الحياة وعدم إهمالها، خاصة فيما يتعلق بشؤون الأسرة.
♦ التغافل عن بعض ما ترتكبه من أخطاء.
وصية النبي صلى الله عليه وسلم: عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المرأة خلِقَتْ مِن ضلع، وإنك إنْ ترد إقامة الضلَع تكسرها، فدارها تعشْ بها)؛ رواه أحمد وصححه الألباني رحمهما الله.
فدارها: دَارَى صَاحِبَهُ: لاَطَفَهُ، لايَنَهُ، وروى الترمذي وابن ماجه رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
فليكن الزوج خيرَ معينٍ وخير صاحب وحبيب لزوجته؛ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: “بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ وَحَادٍ يَحْدُو بِنِسَائِهِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ قَدْ تَنَحَّى بِهِنَّ، قَالَ: فَقَالَ: يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ”.
من معاني الرفق: اللطف، اللين، السهولة، الاستعانة، التمهل والأناة.
الرفق في الكلمة، في النظرة، في اللمسة، في الحركة، في الموقف، حتى في العتاب الجميل.
رقة الانوثة وجمال الإنسانية وعذوبة الروح، وتألق النفس التي تجدها في الأنثى، يتطلب التلطف والرحمة في المعاملة، كالتلطف مع الزجاج سريع الكسر، وهو خُلق كريم من النبي صلى الله عليه وسلم تجاه نسائه، فقد كان يلاعبهنَّ ويتسابق معهنَّ.
2– من جانب الزوجة:
♦ أولًا عليها تقوية العلاقة بينها وبين الله، من خلال المحافظة على الصلاة وتلاوة القرآن، وملازمة الذكر، وغيرها من أعمال البر والتقوى.
♦ تقوية العلاقة بينها وبين زوجها بحُسن التبعل له.
♦ التودد لزوجها من خلال الابتسامة والحركة اللطيفة، وكل ما من شأنه يثير ميوله ورغبته ويحرِّك وِجدانه.
♦ التأنق في المظهر والملبس والشعر والروائح المختلفة.
♦ الهدية لزوجها من أكبر العوامل المنشطة لعاطفة الحب والمودة.
♦ الاهتمام بنفسها؛ من حيث المأكل والمشرب والملبس والنظافة.
♦ تنظيم البيت وتطييبه، وبين الفينة والأخرى تغيير شكل الأثاث.
♦ الابتعاد عن كل ما يسبب لها الإرهاق أو القلق والغضب.
♦ التظاهر دومًا بالفرح والسرور.
♦ تجنُّب الندم والحزن على أخطاء الماضي، وتذكُّر أقضية الله تعالى، وأن هذه الحياة متاع زائل؛ لأن الحزن قد يؤثر حتى على جنينها.
وصية للزوجة: كوني ودودة متحببة لزوجك؛ كما جاء في الحديث الشريف عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أُخبركم بنســائكم من أهــل الجنــة؟ كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا، قَالَت: هَذِه يَدِي فِي يَدِكَ، لَاْ أَكْتَحِلُ بِغُمضٍ َحتَّى تَرضَى”؛ صححه الألباني رحمه الله.
الودود: المرأة اللطيفة في كلامها ومعاملتها، وهي المتفانية في حبِّ زوجها وخدمته، وجميل عشرته.
الخاتمة:
يجب على الزوجين أن يكون جلُّ اهتمامها فيما يسعد حياتهما، وما يجلب لهما الفرح والسرور والمتاع الحسن، ويكون كل واحد منهما عونًا للآخر، متسلحين بسلاح الصبر والتوكل على الله، فالله خلقنا للحياة الآمنة المطمئنة؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
هذه الحياة عاشها سلفنا الصالح رضي الله عنهم رغم قلة ما يملكون من وسائل الحضارة والرفاهية، وبالتالي يجب اقتفاء أثرهم في التحلي بالإيمان والمحبة والإحسان.
للعلم فإن معظم هذه الأمراض في عصرنا ناجمة عن ابتعادنا عن نهْجهم، واتباعنا لنهج دعاة الحضارة الغربية الزائفة؛ نسأل الله العفو والعافية والسداد والرشاد، اللهم ألِّف بين قلوب الأزواج، وأدِم ودَّهما وعشرتهما في طاعتك، وانشُر الرحمة في بيوت المسلمين، وارزُقنا الحياة الطيبة الآمنة المطمئنة، ونسألك خير المنقلب في المال والأهل والولد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
___________________
عبدالله لعريط