بسم الله ، وبعد :
ما أجمل السعادة الزوجية المتبادلة بين الطرفين ، يعلوها الحب والصفاء ..
وما أروع السنوات الماضية التي زرعت في القلوب وداً وسلاماً وأمان ..
إن الإنسان بطبعه يتغير .. فهو يتغير في عمره ، وفي فكره ، وسلوكه ، بل كل ما هو حوله يتغير ، لذلك حتماً سيتغير !!
لكنّ مع هذه المتغيرات تبقى القلوب الأصيلة ، والذكريات الجميلة ، والتضحيات والعطاءات السابقة رصيداً يحي المشاعر النبيلة التي تدرك معنى الوفاء المستمر الذي لا يتغير ..
إنّ ما يحل بالزوج من ترك وظيفته ونقص موارده المالية أو حدوث عائق مرضي أو أي طارئ يطرق حياته ، لا يكون وفاؤه التخلي والأنانية بهذه السرعة والسهولة ..
ومثله الزوجة فقد يصيبها ما أصاب زوجها ، ويعتريها ما اعتراه من متغيرات ، منها ما هو إرادي ومنها ما ليس إرادي ، وكله بتقدير العليم الخبير جل شأنه .
فهل بمجرد العجز الحاضر ينسى العطاء الماضي والذي لو بقي مستقراً لاستمر الى المستقبل ؟
وهل بسبب العي والنصب نفقد تلك المشاعر وننسى قصصها الجميلة ؟
وهل المال هو كل شيء في حياة الزوجين ؟
فإذا نقص لأي سبب جلب العداوة والشقاق ، وأذاب المودة المنقوشة في الأعماق ..
والله سبحانه يقول : { .. وجعل بينكم مودة ورحمة .. } ( الروم 21 ) .
أيها الزوج تنبه !!!
ويأيتها الزوجة استيقظي !!!
إن الحياة الزوجية شراكة عظيمة عميقة ، فيها البناء المستمر الذي يبدأ بكما وينتهي بالأبناء ..
فهل من السهل عليكما هدم البناء لمجرد الشهوات المادية ، والبحث عن البدائل ؟
فماذا لو تكرر المصير المهروب منه ، وتغير حال الجديد وأصبح أسوأ من القديم ؟
وهل يسعدكما ويرضيكما أن تتفتت لحمة الأسرة ويضيع ويتيه بينكما الأبناء بسبب اللهث المزعوم ، وهو أيضاً غير مضمون ؟ فسبحان الذي يغير ولا يتغير ..
إنّ ما يحدث من متغيرات هو يحصل لغيركما كما يحصل لكما ، فانظرا وتأملا بصدق ووعي ما يحدث في الناس من حولكما ، لتدركا نعم الله عليكما ، والبلاء يقسم بين الناس كما تقسم الأرزاق .
فلا يظنّ بهذه السهولة التخلي عن العلاقة لأجل ظرف طارئ هو بقدر الله تعالى ، ويمكن تجاوزه بأمور منها :
{ مالكم كيف تحكمون } ( الصافات 154 )
{ أفلا تعقلون } ( الصافات 138 )
هل تناسيتما الحق الواجب عليكما في العشرة بالمعروف ؟
كما قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه : { .. وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } ( النساء 19 ) ، وإن كان الموجه بالخطاب الأولياء والأزواج إلا أن المرأة مطالبة أن تفعل بزوجها من حسن العشرة كما هو مطالب بذلك أيضاً .
وهذا النهج القرآني أن يذكر السياق بلفظ الرجل في الحكم وتدخل المرأة معه أو العكس إلا ما يخص كل منهما باختصاصه .
فالمقصد أن نحسن العشرة بالمعروف من ابتداء العلاقة الزوجية الى انتهاءها بعد عمر طويل ،
فهل اقتصرت العشرة الحسنة بالمعروف أثناء الرخاء ، وذهبت أدراجها وقت الشدة ؟ !!!
زعماً منهما أو من أحدهما أنه ينقد نفسه وينفذ بجلده ويؤثرها على غيره ولا يبالي بمستقبله الذي سيضره وهو لا يعلم عواقبه ، ويضر به أبناءه .
لم الأنانية وسرعة التخلي ؟
أين البصر والبصيرة ؟
هل العلاقة الزوجية سهلة لهذه الدرجة ولا قيمة لها في عصرنا الحاضر أم ماذا ؟
تساؤلات كثيرة تدهش العاقل ، وتجعل الحليم حيراناً !!!
إن سرعة الزوجين أو أحدهما الى الطلاق وحل عقد الزوجية والروابط الأسرية في الآونة الأخيرة لأسباب أحياناً تبعث الى الضحك والاستغراب من قلة أهميتها ؟
بل كثير منها أوهام وأكاذيب يكثر صاحبها وضع المبررات حتى يقنع نفسه بأن قرار الانفصال وهدم العلاقة هو الأفضل بالنسبة له ، وبعد ما تتحقق الرغبة وتهدم الأسرة يندم الإنسان أيما ندم وقد لا يستطيع تصحيح ما كسر أبداً .
واعلما ايها الزوجين أن الحياة لم ولن تتوقف أبداً طالما أن المرء يتنفس بعافية وأبواب الرزق مفتوحة ، ولن يديم الله على عبد البلاء ، وإنما يمر عليه ليطهره ويميز الله الخبيث من الطيب .
فالصبر كل الصبر على الوفاء والعطاء ، قال تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ( الزمر 10 ) ، والجزاء بالمثل من جنس العمل .
أسعد الله القلوب المؤمنة الصابرة الراضية الكريمة بعطائها ، المتأنية في قراراتها ، والناظرة بشمولية في حياتها ، والمؤثرة لغيرها والمحبة لقيمة حياتها وقيمها .
———————————————————-
بقلم المستشار : أ. وليد بن علي بن محمد خـزام