بقلم منى ثابت.
تبرج النساء في زماننا قد محا فضيلة الحياء من قلوب كثير من الناس, وشجع علي عدم غض البصر, وأدي إلي الوقوع في كثير من الرذائل والموبقات, وإلي شيوع الفساد في المجتمعات, وإلي انتشار العديد من الأمراض النفسية والبدنية.
العلامة الدكتور زغلول النجار يؤكد أن مواجهة ذلك كله لا يكون إلا بغض البصر عن كل ما لا يحل للإنسان, وأمر النساء بستر الأبدان, والالتزام بالحجاب الشرعي, انصياعا لأوامر الله تعالي ولأوامر رسوله صلي الله عليه وسلم, وحفاظا علي طهارة المجتمعات المسلمة من الوقوع فيما حرم الله.
والأمر هنا بغض البصر هو لكل من المؤمنين والمؤمنات علي حد سواء, فكلاهما مطالب بغض بصره عن كل ما لا يحل له, ومطالب بصون عفافه عن محارم الله, ومنها الأعراض وكل ما يخدشها من علاقات غير مشروعة بين الجنسين.
ويقول: المؤمنات البالغات مطالبات فوق غض البصر بالاحتشام في الزي, وبعدم إظهار زينتهن لمن ليس لهن بمحرم( إلا في حالات الضرورة القصوي كحالات المرض). وزينة الأنثي البالغة منها الظاهر ومنها المخفي, فالزينة الظاهرة هي الثياب الساترة والتي حددها رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله الشريف لأسماء بنت أبي بكر: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا, وأشار إلي وجهه الكريم وكفيه الشريفين.
وهذا الحديث يقرر أن المرأة بجميع بدنها عورة ما عدا الوجه والكفين, وإبراز ما زاد عن ذلك يعتبر في دين الإسلام تبرجا نهي الله عنه. وزاد رسول الله صلي الله عليه وسلم في تحديد زي المرأة المسلمة أنه لا يشف ولا يصف, وألا يكون زينة في ذاته, أو مبخرا, أو مطيبا, أو معطرا, وألا يشبه زي الرجال, وألا يكون ثياب شهرة.
وفي ذلك يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: ثلاثة لا تري أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله, وعين بكت من خشية الله, وعين كفت عن محارم الله ويقول: إضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: أصدقوا إذا حدثتم, وأوفوا إذا عاهدتم, وأدوا إذا إئتمنتم, واحفظوا فروجكم, وغضوا أبصاركم, وكفوا أيديكم.
وفي الحديث القدسي يروي رسول الله عن رب العزة قوله: “إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس, من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه”.
وأشار د. زغلول النجار إلى أن البصر هو بوابة القلب, والقلب إذا اشتهي الحرام ضل ضلالا بعيدا, وقديما قالوا: رب شهوة أورثت حزنا طويلا.
وأضاف: في زماننا الراهن كثر السقوط في الحرام من وراء النظرات الخائنة, فوجب التحذير منها درءا للوقوع في الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها, ولذلك قال تعالي: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن…( النور:30,31).
ومن أوجه الإعجاز التشريعي: أن نعمة البصر هي من أجل نعم الله علي عباده, ومن قبيل الشكر علي هذه النعمة والمحافظة عليها استخدامها في طاعة واهبها, وحجبها عن معاصيه. وأن غض البصر يفرغ القلب من كل حرام, ويشغله بكل حلال, ويملأه بحب الله وبالإحساس برضاه, ويسد عن الإنسان كل مداخل الشيطان, ويصرف مكائده, وفيه مخالفة لأهواء النفس البشرية: “وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي. فإن الجنة هي المأوي”( النازعات:39,40).
كما يحفظ علي الفرد استقامته, وعلي الأسرة سلامتها, وعلي المجتمع طهره من كثير من السلوكيات الخاطئة, التي ممكن أن تنتج عن الاطلاع علي المحرمات, ويحمي العبد من الوقوع في المعاصي, ومن الانزلاق وراء إغراءات شياطين الإنس والجن, ويعد ضربا من العبادة التي يؤجر العبد عليها لما فيه من طاعة لأوامر الله ورسوله, وفيه ما يثبت القلب علي الإيمان, ويملأه بالسكينة, لذلك ختمت الآية الكريمة بقول الحق( تبارك وتعالي)… ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون( النور:30). أي أن في ذلك عفة للنفس, وطهرا للقلب, وحصنا من الوقوع في المعاصي, وثباتا للدين, وتمكينا لارتباط العبد بخالقه, والله( تعالي) رقيب علي عبادة, مطلع علي جميع أعمالهم فلا تخفي منهم خافية, فعليهم أن يتقوه في السر والعلن.