تزايدُ إنشاء الجمعيات والمراكز واللجان الاجتماعية والأسرية ودور القرآن الكريم النسائية، يحتم في المقابل الإسراع في تأهيل الكوادر النسائية الوطنية تأهيلا علميا مهنيا؛ لتكون قادرة على تحقيق الأهداف العليا والسامية من هذه المؤسسات في إطار مؤسسي رصين.
وليست القيادة جديدة على المرأة في مجتمعنا، بل هي تنهض بمراكز قيادية رئيسة في كثير من القطاعات الحكومية والتعليمية منها خصوصا، وهي قائدة في بيتها، تصنع القيادات الرجالية والنسائية، ومن القواعد المقررة: أن «عظماء الرجال يرثون عناصر عظمتهم من أمهاتهم»، بل من العجيب ما قاله المؤرخ الأمريكي دويج وياد مؤلف كتاب: «أمهات الرؤساء» في مقابلة معه: «إن جميع الرؤساء هم أبناء أمهاتهم»، مشيرا إلى أن الأم هي التي تعطي إرشادات القيادة لابنها. ولا شك أن تأهيلها القيادي سوف يعود عليها وعلى المجتمع كله بالتقدم والإنجاز، لا سيما ونحن نجتاز مرحلة مفصلية تستحق أن نحشد كل إمكاناتنا البشرية.
إن المرأة العاملة في القطاع الخيري تستحق أن تقود مؤسساتها بنفسها، وأثبتت ذلك بجدارة، وإن كان لا غنى لها عن إسهام الرجل في مساندة قيادتها بالخبرات، والإجراءات الرسمية التي تتطلب التواصل مع الرجال في الجهات الرسمية، فذلك دوره المحدود، ويبقى مساندا، داعما، وليس قائدا تنفيذيا، فذلك شأنها مع بنات جنسها.
ومن المهم جدا أن تحدد الصلاحيات لكل منهما بمهنية واحترافية عالية، وأن تحدد قنوات التواصل كذلك، وتضبط؛ حتى لا تتسع دوائرها فتضر بالعمل وسمعته.
ولعل من أبرز فرص التأهيل القيادي للمرأة كليات الإدارة في الجامعات، والدبلومات في مراكز خدمة المجتمع فيها، وبرامج التدريب المحكمة في الجهات المعتمدة، وهنا أشير إلى برنامج فريد على المستوى المحلي على الأقل، وهو: دبلوم إعداد قيادات العمل الاجتماعي النسائي، المعتمد لدى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، حيث تقضي فيه المرأة القائدة أربعة فصول دراسية، وفصلا دراسيا على رأس العمل، حيث تُقيَّم وتقوَّم من خلال المختصات في هذا المجال.
في المؤسسات النسائية نجد التنافس الشديد على الإبداع في التخطيط والتجهيزات والتنفيذ، بل وفي التقارير الختامية التي تتوج برامجها بتحديد المخرجات بحسب المؤشرات.
وإذا كانت مشكلة «الصف الثاني» قائمة في كثير من مؤسسات الرجال في القطاع الثالث، فهي أشد في مؤسسات النساء والأقسام النسائية، والبناء الإداري المحكم يحتم وجود أجيال من الإداريات تتعاقب على القيادة، حتى لا تحدث فجوة في أية لحظة، وبخاصة أن ظروف توقف المرأة عن العمل أكثر من الرجل؛ لاحتمال انتقالها خارج منطقتها للزواج أو للعمل، أو لعدم السماح لها بالاستمرار في العمل أحيانا من قبل وليها؛ لحساسية دورها الرئيس في البيت، فليس صحيحا أن تنجح في قيادة مؤسستها في الخارج وتترك الفوضى في بيتها.
وإذا كنا في مرحلة الدعوة إلى التفرغ للعمل الاجتماعي الخيري، فإن بعض القيادات النسائية لا يزال لديها دوامان، صباحا في عملها الرسمي، ومساء في عملها التطوعي، فإن لم تكن زوجة أو أما ولديها طاقة لذلك فهذا أمر حسن؛ لتستثمر قواها وطاقتها في الخير، وإلا فعليها أن تقيس أداءها في واجبها المنزلي، وواجبها في العمل الخيري، وترصد مواطن النجاح والإخفاق؛ لتراجع مسيرتها، حتى لا تخسر ما يجب أن تربحه، وتربح ما يمكن أن تستغني عنه.
والأفضل هو أن تتفرغ المرأة الشغوف بالعمل الاجتماعي لهذا الواجب الشرعي والوطني، وتعمل على تأهيل نفسها بكفاءة عالية للنجاح فيه.
ولتسمح لي النساء بأن أذكرهن بأن الأنثى يجب أن تحتفظ بأنوثتها حتى لو كانت قائدة، وبنعومتها ولطفها ورقتها حتى ولو استثيرت من قبل الأخريات، فالقسوة في التعامل الإداري منقصة، وتدل على ضعف وليس على قوة.
ومن الطبائع الإنسانية المشتركة بين الجنسين، ولكنها في النساء أكثر: الغيرة، والتنافس، وحب التفرد، والرغبة في التقدم على القرينات، وكل هذه السمات يمكن أن تحول إلى رصيد ضخم يُضخ في حساب المؤسسة التي يخدمنها حين تستطيع القائدة أن تحتوي الجميع، ولا تفضل إحداهن على أخرى، ولا تدخل في أتون انشطار نفسي قد يقع في أية لحظة من لحظات الاختلاف الذي لا يخلو منه عمل، وتتفهم طبيعة الصراع الإداري الذي يقع عند توزيع الأدوار، وكلما كانت واعية بدورها، منصفة في تعاملها، قادرة على اجتذاب الاحترام والحب لها من قبل فريق العمل، استطاعت أن تتقدم بمؤسستها، وتجوّدَ خدماتها، وتوسع دوائر نفعها، بعون الله تعالى.