أطفالنا والحوار منذ ولادتهم
من منّا لا يريد أن يكون طفله محاوراً جيِّداً؟ ومن منا يريد أن تكون لغة حواره مع طفله الصراخ واستخدام العنف؟.. الكثير يريد أطفالاً لا يقولون سوى: حاضر، نعم، وأحياناً سمعاً وطاعة، ولكن كيف يتحقق ذلك دون خلق حوار معهم أوّلاً؟! الحوار مع الطفل يبدأ منذ أن يكون جنيناً! قصة ننسج خيوطها لنرى في النهاية أسرة تمتلك لغة حوار مع أطفالها، وأطفال يعرفون كيف يحاورون الكبار.
– يرى د. حسن عيدي استشاري نفسي: انّ الحوار هو الوسيلة الرئيسية للتواصل مع الأبناء، وانّ اللغة هي الوسيلة التي تجعلنا نتواصل مع بعضنا، وتمكّنا من تخطي الفجوة بين ما يجول في أنفسنا والعالم الخارجي، حيث اننا بدون الكلام نشعر بالعزلة، والوحدة والإحباط.
– هل الحوار بين الوالدين والطفل متاح؟ وكيف يمكننا تحقيق ذلك؟
يقول د. عيدي: انّ للحوار قصة، وهذه القصة تبدأ بين الأُم وابنها قبل أن يكون جنيناً، تتخيله، وتحاوره وتحاور نفسها، انني منتظرة هذا الجنين، سأقرأ وأكتسب معرفة عن عالم الأمومة وصحة الطفل، أحاور زوجي وأغيّر من نفسي، وسأصبح هادئة وصبورة من أجلي ومن أجل طفلي، وتستمر الأُم في تجربتها وتصبح متميزة في الحوار والتواصل، تحاور جنينها، صباحاً ومساء، تسلم عليه، وكأنّها تستمع إلى حواره وكلماته قائلاً لها: يا أمي ضروري – لنا كصغار – الاستماع إلى لغة صحيحة وتكون ملفوظة بشكل واضح ونحن كصغار نتعلم منذ ولادتنا.
ويضيف د. حسن عيدي قائلا: إنّ الأُم عندما تتكلم وتتفاعل مع وليدها يبدأ بالنطق مبكرا، ويتعلم المفردات، فإنّ هذا يجعل منه طفلاً سعيداً، والأطفال الذين يتناولون وجباتهم مع ذويهم ويقضون وقتاً يتحدثون إليهم يظهرون تقدماً كبيراً في تطورهم اللغوي، حيث أنّ الطفل يتعلم اللغة بالحديث معه والاستماع إليه من قِبل الكبار والذين يعطونه الإحساس.
يؤكد د. حسن عيدي انّ بكاء الطفل هو حوار مع الأُم والأب، فعندما يبكي يعلم جيِّداً انّ بكاءه هذا سيستجيب له الآخرون ويتواصلون معهم، وهو يتعلم أنّ بكاءه بطريقة معينة يعني أنه بحاجة إلى الطعام، وبكاؤه بطريقة خاصة أخرى سيجلب له الراحة والأمان بالانتباه إليه أو حمله.
ويواصل د. حسن عيدي: الطفل في الأيام الأولى من حياته يصدر أصواتاً ويتعلم الطفل أنّ تلك الأصوات ستجلب انتباه البالغين، وبالتالي فإنّه سيزيد من هذا التصرف، فعندما ينتبه الوالدان لطفلهم ويمتعهم برؤيته وهو يبتسم سيحاولون انتزاع المزيد من الضحكات من الطفل هذا بدوره يشجعه على اللعب مع الأصوات التي يسمعها، ومن خلال إصدار أصوات معينة يتعلم الطفل استخدام الرموز ويتعلم أنّ هناك أصواتاً معينة لها معان محددة، فعندما يصدر صوتاً مثل ماما، فإنّ الأُم ستستجيب له بابتسامة وسعادة واستجابة الأُم بنبرة صوت هادئة وسمحة تسعد الطفل وتشجعه، واستجابتها بنبرة صوت عصبية أو مزعجة تجعل الطفل يتوقف عن الحوار.
ويؤكد د. حسن عيدي انّ الحوار مع الطفل يأتي من خلال خطوات عدة:
1- التحدث إليه خلال اليوم: فليس مهماً أن يفهم الوليد ما نقوله، لكن الأهم من ذلك أن يستمع إلى اللغة، أحياناً تشعر الأُم بأنها تتحدث إلى نفسها – لكنها هذا ليس مهماً – ما يهم هنا من المحادثة هو تواصل الطفل مع من حوله وهذا يشعره بأهميته، وانّ العالم مكان محبب له.
2- تشجيع الطفل على إصدار الأصوات والتمتمة.
3- عندما يبدأ طفلك بالمشي شجعيه على طلب ما يريد، فأي صوت يصدره الطفل يعتبر علامة جيِّدة، مع تطور لغته اعملي على تشجيعه لقول كلمة “حليب” قبل أن تعطيه إياه، وسيقوم بتكرار الكلمة كاملة.
مثال: عندما تقومي بإعطاء طفلك الحليب، قولي:
هل يريد أحمد الحليب؟
هل تستطيع أن تقول حليب؟
4- قومي أنتِ وطفلك بعمل نزهة وقوما باستطلاع العالم الخارجي، فإنّ من أكثر التجارب التي تثير الدهشة هي رؤية العالم الخارجي من خلال عيني طفلك، حيث يمكنك أن نقول له:
– انظر إلى الماء يا أحمد انّه شديد الزرقة.
– المياه تتحرك.. الأشجار خضراء.
– هل تستطيع أن ترى الماء.
يقول د. حسن عيدي: إنّ على الأُم والأب أن يساعدا الطفل في التعبير عن المشاعر الإنسانية:
1- عندما ترينه سعيداً (مبتسماً) قولي له: أنا مسرورة لذلك، أحب أن أراك سعيداً.
2- ربّما في وقت آخر عندما ترينه مستاء قولي له: أنت غير سعيد، أنا أعرف أنك تشعر بالحزن، إنّه طبيعي أن تحزن أحياناً، وهذا النوع من المحادثة يجعل الطفل يتعرف على المشاعر ويساعده على التعبير عما يشعر به.
ويضيف د. عيدي: انّ من المهم أن يكون الكتاب مصدراً للحوار عندما يكون الطفل حديث الولادة:
– أريه كتاباً في البداية اختاري كتاباً ذا ألوان ساطعة وصور.
– اجلسي معه واعرضي عليه تلك الصور.
– واحكي له القصة وأنتِ تقلبين الصفحات.
– يمكنك أن تجعليه يرى شخصيات عدة، قائلة: هل ترى القطة؟، هل توجد القطة الأُم مع صغارها؟. هل تستطيع أن تشير إلى القطة؟.
– اختاري من الكتب ما تجدينه مناسباً لسن طفلك.
– كل يوم اقضي وقتاً ممتعاً في القراءة لطفلك.
– القراءة قبل النوم رائعة، فهي وسيلة لاسترخاء الطفل قبل النوم.
– وقد تكون فرصة للأُم للاسترخاء وقضاء وقت ذي فائدة مع طفلك.
– القراءة مبكراً وبشكل يومي وباستمرار تحفز ملكة اللغة وتنميها وتنمي الذكاء لدى الطفل.
– انّ تشجيع وتعليم مهارة الاتصال والحوار تؤهله للمدرسة والنجاح في حياته، إنّ أهم سنوات العمر في ذلك قبل بلوغ الطفل عامه الثاني والنصف وبعد هذا العمر يكون من الصعب فعل ذلك.
ويقول د. حسن عيدي عن أساليب وأدوات الحوار: اننا نركز على الكلمات الهادئة والسمحة، وبفاعلية ولباقة، نبرات الصوت تكون هادئة مراعاة حركة الجسد، حركات العينين، الإيماءات واختيار القصة.
ويضيف د. عيدي: انّ هناك خطوات لابدّ أن نخطوها لنجعل الطفل يستمع إلى حوارنا معه وهي:
1- صياغة أفكار الوالدين بلغة ومصطلحات الطفل.
2- لا تكن متشدداً ومتحيزاً لوجهة نظرك.
3- لا تعطِ محاضرة، بل رسالة قصيرة جدّاً، مختصرة ومعبرة.
4- لابدّ أن تستمع الأُم إلى طفلها استماعاً تحليلياً وواعياً حيث تبذل الأُم جهداً لإدراك تفسير وفهم ما يتم استماعه.
5- فأحياناً تأخذ الأُم دور:
– الدعم: تقول للطفل: الأمور ستسير على ما يرام، ستتمكن من إنهاء الأمر بالصورة التي ترغبها (هذا لتشجيع الطفل ورفع معنوياته).
– المحلل: أتصور أنّ مشكلتك تبدو… (للتأكد من المعلومات).
– المتسائل: ماذا تعتقد؟ ماذا تقصد؟… (لكي تتأكّد من بعض التفاصيل).
– المحفز: انني أستمع إليك.. استمر.
وممكن بدون كلام ولكن بالإيماءات (لتشجيع الطفل على الاستمرار في الحديث).
ينصح د. حسن عيدي كلّ من الوالدين بأنّه عند الحوار مع الطفل نحاول عدم انتقاده ولا نضعه في موضع مقارنة مع أحد، ولا نتعمد التحكم والسيطرة على تصرفاته، حيث أننا لابدّ أن نترك الطفل يعبر عن أفكاره وعن آرائه بشكل واضح.
يقول د. حسن عيدي: إنّه من الخطأ أن نقول للطفل أنت عنيد، أنت غير نافع، عندما يظهر الطفل سلوكاً سلبياً، حيث إننا بذلك نغلق باب التأثير والتغير على الرغم من أنّ هذا السلوك قابل للتغير، فإذا رأينا فوضى في غرفته نخبره ونجعله يرى شيئاً قام بتنظيمه ونقول له: هناك نظام في الغرفة، إذا لم يقل كلام صادقاً نقول انّ هناك صدقاً في الحياة، وإذا رأيناه عنيد نقول له: هناك محبة وتراض، وبهدوء نحاور الطفل حيث يمكن أن تقول له الأُم:
إنني أحبك.. ولا أحب هذا السلوك.
أحب أن أساعدك ويجب أن أكتشف طريق أفضل لمساعدتك.
أنت تحب هذا السلوك.. لماذا تجرب هذا السلوك فقط؟