انعدام الغيرة في الحياة الزوجية
أم محمد عياطي
تحفل مواضيع الكتَّاب من مقالات وغيرها بعناوينَ متقاربةِ اللفظ والمضمون عن شدة الغيرة الهدامة في الحياة الزوجية.
هذه الغيرة التي تحوِّل حياة الزوجين إلى جحيم ملتهب المشاعر؛ وذلك بسبب القيود الخانقة التي يعقدها أحدُ الشريكين أو كلاهما على الآخر ليؤول المآل بعدها إلى صراعٍ حامي الوطيس، يضفي مرارة على طعم الحياة الزوجية، ويهزُّ بنيانها من القواعد.
وإن كان هذا بعض غيرة اللامعقول، فإن انعدام الغيرة بين الزوجين لا يقل كارثية عن طغيانها واستبدادها؛ ولهذا فإننا سننحو منحًى مغايرًا ومضادًّا في سرد موضوع الغيرة، ونتحدث عن خلوِّ قلبَي الزوجين من الغيرة، وارتحالها من حياتهما، مخلِّفةً وراءها بلادةَ الإحساس ودمار المشاعر.
فإن كان انعدام الغيرة عند الزوجة غيرَ محمود، فهو مؤشر على مشاعرَ وأحاسيس سلبيةٍ، أدناها اللامبالاة وشحُّ الاهتمام.
فكيف إذا اتصف الزوج بهذه الصفة؟ فهو الهوان، وما أدراك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنةَ ديوث))؟!
وقد لا تنحصر الدياثة عند الزوج في تكشُّف ملابس زوجته، ولكن تمتدُّ هذه الخصلة إلى جوانبَ أخرى، حتى ينسحب الزوج من حياة زوجته بحجة أن لها حياتها الخاصة وحريتَها الشخصية في علاقاتها.
وهذا ما يدعو للغرابة، فكأنه اتفاق بينهما ألا يتدخل أحدهما في حياة الآخر، فينكشف لنا وجه الحياة الزوجية كئيبًا، قد اعتراه المللُ كأنه كتلة جليد متجمد، قد تبلَّدت فيه المشاعر، وغادره الدفء العائليُّ، وتعتَّمَ وهجه، فلا مكانَ للغيرة المحمودة التي تعكس وئام كلا الزوجين.
فالغيرة من غير إفراط هي الملح للحياة الزوجية، فلا تستساغ بدونه، بل يزيدها رونقًا وجمالًا، فإن كان الإفراطُ في الغيرة هو بركانًا ناسفًا للحياة الزوجية، فإن التفريط في الغيرة هو الصقيع القاتل لها.