الخميس 19 سبتمبر 2024 / 16-ربيع الأول-1446

الوقاية خير من العلاج



الوقاية خير من العلاج
كلمة دارجة على لسان العامة يحفظها الصغير ويشب عليها الكبير، وينظر معناها المثقف، وهي كلمة حق لكن اختزالها في المطعوم والمشروب قزمها وجعلها قعيدة البطن دون الفكر،

فهل الوقاية خير من العلاج في الطعام والشراب والصحة البدنية أم هي عام في حياة الإنسان وآخرته؟ هذا ما سيجيب عنه هذا المقال إن شاء الله .

الوقاية في اللغة مصدر قولهم: وقى يقي وهو مأخوذ من مادّة (وق ى) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره.

وفي الاصطلاح كما يرى الإمام المناويّ- رحمه اللّه تعالى-: حفظ الشّيء عمّا يؤذيه ويضرّه، والتوقّي: جعل الشّيء وقاية ممّا يخاف.

وعليه فالوقاية تجنب الضر بالاحتماء بالنافع، وهي بهذا المعنى لا تقتصر على الأبدان، بل تكون عامة لتشمل القلوب والعقول، إذ لا فائدة ترجى من بدن صحيح وعقل خاو، أو بدن سليم وقلب سقيم .

وإذا أخذنا هذا المفهوم ورحلنا إلى الكتاب والسنة؛ لوجدنا صورا واضحة وأمثلة ناصعة على الوقاية العقدية والأخلاقية والاجتماعية.

ففي الوقاية العقدية تظهر لنا: تقوية وإقامة للحجة وإظهار للبرهان على وحدانية الله سبحانه وتعالى، وعلى ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وعلى قضايا الإيمان كلها: من الإيمان بالرسل والأنبياء والكتب والصحف وما يكون في اليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

وعند الانتقال إلى الوقاية النفسية كشح النفس وأمراض القلب؛ نجد القرآن يعلمنا لقوله : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].

وهو بتحذيره يسعى إلى قلب سليم صحيح في يوم لا ينفع فيه المال ولا الأولاد ولا الحسب والجاه ، ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”.

وعند الحديث عن الوقاية الأخلاقية نجد القرآن يحذرنا من الاقتراب من الفواحش والفتن، قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151]،

وقال جل في علاه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]،

والتعبير القرآني بقوله: (وَلا تَقْرَبُوا) يعني: لا تفعلوه ولا تقتربوا منه،

فالنهي أعظم وأشمل، والوقاية أتم وأكمل، ونرى في ذلك كثيراً وكثيراً من الآيات التي تبين لنا هذا الوجه وتحثنا عليه.

ولم يكتف القرآن بالوقاية الأخلاقية كسياج آمن للمجتمع بل تحدث عن الوقاية المجتمعية التي تسلم المجتمع من الأمراض التي تفتك به، والتي تجلب الشحناء والبغضاء في القلوب والنفوس والسلوك،

فجعل من الأمور الوقائية اجتناب الظن بالمسلم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]

وحذر المجتمع من قول الزور لأنه مقدمة طبيعية لضياع الحقوق فيه قال تعالى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]،

ولما كانت الوحدة أهم عامل من عوامل تماسك المجتمع قال الله : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]،

وقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]،

فأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة حماية من الفرقة حتى يبقى المجتمع متماسكاً مترابطاً.

والأمر لا يتوقف على العقيدة والاجتماع والنفس بل تجاوز المنهج الوقائي ذلك حتى تحدث عن الوقاية الاقتصادية، مبينا طرق الكسب التي لا تفضى إلى ظلم الناس ولا استغلال حاجاتهم،

ومن ذلك تحريه للربا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم