السبت 28 ديسمبر 2024 / 27-جمادى الآخرة-1446

الوالدية.. ومعركة التربية



في الزمن الذي أصبح فيه الأولاد محطَّ استهداف من تيارات شتى، تصبح (الوالدية) على محك الامتحان الحقيقي، فإما أن تنجح في استقطاب الولد ضمن فلكها الآمن، وإما أن يجتاح أحد تيارات الفساد والإفساد ثمرة فؤادها، ولا تدري بعد ذلك في أي أودية الضياع هام على وجهه، أو ربما تحول إلى خنجر مسموم يبدأ بقلبيهما المشفقين، وروحيهما الكريمتين.

ولن ينفع الخوف، ولا التردد في اتخاذ القرارات، ولا الشدة، ولا حتى التعاطف والدلال في السيطرة على عقل حر، وروح طليقة، وجسد مشبوب، وعاطفة جامحة، بل هما العلم والاستعانة بالله تعالى مقترنين، يمكنان صاحبيهما من الفوز في معركة التربية الحديثة.

والعلم يقول: إن العلاقة الوالدية يجب أن تكون متوازنة مع متطلبات واحتياجات المتربي، فإذا كان الولد يحتاج إلى تربية روحه، فعلى من يربيه أن يعتني بروحه وعلاقته بربها الذي برأها، فهي لا تسكن إلا حين تكون معه، مسبحة عابدة ساجدة، متوكلة عليه لا على سواه، هنا يتنفس الولد عبق الإيمان، ويتأسس في قلبه حب الواحد الديان، ويقبل عليه إقبال الظمآن، وبهذا يمكن وقايته من الخلل العقدي، ولوثة الإلحاد، والانحراف العبادي.

ولأن الولد يحتاج إلى تربية عقله، فعلى من يربيه أن يستزيد من العلم، ويستنير من المعرفة، ويكون شغوفا بالقراءة والاطلاع؛ لتنتقل هذه الصفات السنية العلية إلى من يقتدي به، وإن لم يكن صاحب حرف ولا قلم، فلا أقل من أن يجتهد في صبِّ حب طلب العلم في فؤاد ولده، حتى يكون أحب إليه من نزهة برية، ولعبة ذكية، وأكلة شهية، ويتدرب على أن يسأل أهل الذكر المشهود لهم بسعة العلم والتقوى والنزاهة، حتى يوحد مصدر التلقي؛ فيقونه بذلك من خفافيش النت الذين يتسللون إلى عقله وفكره ويحدثون فيه ما قد يهوي به في ظلمات بعضها فوق بعض، فلا يكاد يفيق إلا وهو في مصيبة كبرى.

وللولد جسد يحمل روحه وعقله، فلذا كان من الأهمية بمكان أن يعتني به المربي بحسن اختيار ما يغذيه، وينشطه وينميه، وما يحميه من الأمراض، نظافة ووقاية، ويمكن عن طريق الرياضة أن يفرغ الطاقة الزائدة التي لو بقيت لآذته، وآذت من حوله.

ومع هذه العناصر الثلاثة: الروح والعقل والبدن، عنصر رابع في غاية الأهمية، وهو عنصر العاطفة، الذي لا تكاد تفرق في قدره بين الأب والأم، وإن كانت الأم أشد عاطفة، هذا أحد الآباء يجتاحه الحنين ـ وهو في دوامه الرسمي الطويل إلى طفلته ذات الربيعين ـ فيصور أشواقه إليها فيقول:

«وعندما يحين موعد اللقاء، أظل في اشتياق، عيناي تحلمان بالعناق، بضمة تبوح للحياة سر لذة الفراق، بطعمه الذي يغور في القلوب كالغريق، لكنه في لحظة اللقاء كالبريق، يفيض بالبهاء، فيروي الظماء، وحينها أراك.. (غالية)، فتشرق الحياة فوق كل لحظة وناحية، وتهرب الهموم يا صغيرتي، مذعورة وطاوية، تهب نسمة كأنها.. أواه ليس في حدائق البيان قافية».

كل هذه المشاعر لرجل يلوك هموم عمله، فكيف بالأم؟ فالوالدان ذوب عاطفة، ودفقة حنان، وأنهار رعاية وتضحية واحتضان.

وهنا لابد من التأكيد على أن التواصل مع الأولاد ليس بالعاطفة فقط، بل هو بقوة حضور الوالدين نفسيا، ومدى تأثيرهما في أطفالهما خلال ذلك، وليس كم الوقت الذي يقضيانه معهم.. فبقدر رغبتهما القوية في إثبات قدرتهما على القيام بالتزاماتهما جميعها سوف تكون قيمة الوقت المؤثر الذي يُقضى مع الأولاد، ليكون وقتا ممتعا ومفيدا يقربهما منهم، ويؤثر في نموهم النفسي والعاطفي والبدني والعقلي والاجتماعي.

جرب أن تتحدث باهتمام مع ولدك أو تشاركه أي نشاط، أو لعب من أي نوع يحبه ومدى تأثير ذلك على علاقتك به.. أعطه في هذا الوقت المخصص له بشكل يومي الاهتمام والتركيز الحقيقي لكل ما يقول أو يفعل… انظر في عينيه واستمع إليه، ولا تقاطعه، ولا تتركه وهو يتحدث إليك لتفعل أي شيء آخر؛ لأن في ذلك إهمالا له يفقده الرغبة في التحدث معك، وقد يشعره بأنه شخص غير مهم، وما يتبع ذلك من أثر سيئ على نفسيته.

استمع إليه وهو يتحدث عن نفسه وعن علاقاته مع الآخرين، عن مخاوفه، وأحلامه، عن رغباته الخاصة التي قد لا تهمك أنت، وعن رفضه بعض أو كثيرا من الأشياء وأسباب رفضه لها، ليتعلم كيف يعبر عن نفسه وعن مشاعره وليتعلم الشجاعة في مواجهة ما يجهله أو يخافه.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم