الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

الهواتف الذكية.. نعمة أم نقمة؟



شائعات لا حصر لها، أكاذيب لا أساس لها من الصحة، أخبار لا قيمة لها، هذا غيض من فيض من المواد التي يتبادلها كثير من الناس عبر الهواتف الذكية، التي يبدو أنها تحولت من تقنية حديثة للاتصال وتبادل المعلومات إلى تقنية حديثة للإزعاج وإثارة المشكلات.

الأستاذ داخل الصف في المرحلة الابتدائية منهمك في الشرح، بينما عقول الطلاب وعيونهم معلقة بشاشات هواتفهم الذكية التي يخفونها داخل الأدراج. أما الموضوع المصيري المشترك الذي شغلهم فهو “ماذا أفطرت اليوم؟”. مشهد ثانٍ داخل قاعة المحاضرات في إحدى الجامعات: الدكتور في وادٍ والطالبات في وادٍ آخر يتبادلن صور أحدث نقوش الحناء. وفي مشهد ثالث موظفة يكاد قلبها ينخلع بعد أن وصل إليها خبر وقوع حريق هائل في البناية التي تقطن فيها، لتكتشف لاحقاً أنّ الخبر كاذب وأن أحد المصابين بهوس نشر الأخبار بادر إلى عمل “برود كاست” له حتى يحتفظ لنفسه بشرف أسبقية نشر الخبر.. ومشاهد أخرى كثيرة أكثر إزعاجاً وخطورة فيها ما يمس الشرف والعرض والأمن، في حين أن بطل تلك المشاهد واحد وهو الهاتف الذكي. فهل المشكلة تكمن في هذه الأجهزة وتقنياتها؟ أم في الأفراد الذين لم يحسنوا التعامل مع هذا المنتج التكنولوجي؟ وما الحل؟

شائعات:

تحكي سميرة سالم (موظفة) عن تجربة مريرة عاشتها بسبب الأخبار التي اعتاد الناس تداولها عبر الـ”مسنجر” الذي يعمل على الهواتف الذكية من دون التأكد من صحتها. تقول: “وصلتني رسالة من إحدى صديقاتي تتضمن خبراً عن حادث مروري خطير وقع في أحد الشوارع، ونجم عن الحادث وفاة سائق المركبة. وعندما قرأت مواصفات المركبة شعرت بصدمة شديدة، إذ كانت مطابقة لمواصفات سيارة أخي. وعندما سارعت إلى الاتصال بأخي لم يجب، الأمر الذي دفعني إلى إبلاغ والدي بالأمر. وقت عصيب مرت به سميرة ووالدها حتى أجاب شقيقها على هاتفه معتذراً بأنّه لم يستطِع الرد بسبب انشغاله مع أصدقائه”. تختم بقولها: “لا يمكنني أن أصف حالة الرعب والقلق التي عشتها أنا ووالدي، لكنني اتخذت بعدها قراراً بقطع علاقتي بالهاتف الذكي نهائياً. وهو القرار الذي لم أندم عليه”.

مركز الشرطة:

واقعة من نوع مختلف تلك التي تعرّض لها محمد سعيد (موظف) بسبب الهاتف الذكي، يقول محمد: “تلقيت من أحد أصدقائي رابطاً إلكترونياً لـ”فيديو” كتب أنّه “ريف” ويدعوني إلى مشاهدته، وعندما قمت بالضغط على الرابط، تَبيّن لي أن هاتفي يقوم بالاتصال تلقائياً بغرفة العمليات داخل أحد مراكز الشرطة في الدولة، فقمت فوراً بإنهاء المكالمة، واتصلت بصديقي وأبلغته أنني لا أحب هذا النوع من المقالب، عَدَا ما فيه من إزعاج للسلطات”. يتابع محمد موضحاً أنّه علم لاحقاً من أصدقائه أنّ هذا النوع من المقالب، إن صح التعبير، مُتداول وشائع جدّاً عبر الهواتف الذكية، حيث يقوم أحد الأشخاص بعمل روابط إلكترونية تحت عناوين جذابة، لكن بمجرد الضغط عليها يقوم الهاتف بالاتصال أوتوماتيكياً بجهات مختلفة لا علاقة لها بعنوان الرابط.


درس لا ينسى:

من جانبه، يحكي محمد سلطان (موظف) عن مشكلة وقع فيها هو وعدد من أصحابه بسبب صورة لإحدى الفتيات تم تسريبها على الهواتف الذكية من دون علم صاحبتها، ويتابع موضحاً: “تلقّيت صورة عادية لإحدى الفتيات على هاتفي الذكي عبر الـ”ماسنجر”، وقد ظننت أنّ الصورة لإحدى الشهريات، فقمت باستخدامها كصورة رمزية خاصة بي، لكنني اكتشفت بعد فترة أنّ الصورة تخص إحدى الفتيات، وأنها لا تعلم أن صورتها تم تسريبها ونشرها بين حاملي الهواتف الذكية. يُتابع محمد موضحاً “وصل الأمر إلى شقيق الفتاة التي قام بالتحرّي عن كيفيّة وصول الصورة إلى الـ”ماسنجر”، فاكتشف أنها قامت بوضعها كصورة رمزية لها عن طريق الخطأ، وأنّ الأمر لم يستمر لأكثر من ثوانٍ معدودة قامت بعدها برفعها، لكن تلك الثواني كانت كافية لأن تقوم إحدى الفتيات بأخذ الصورة وتوزيعها على قائمة الاتصال الخاصة بها. أما الدرس الذي تعلمه محمد، فهو: “لم أعد أستخدم سوى صور الشخصيات المعروفة، والمشاهد الطبيعية كصور رمزية خاصة بي”.

لمن يعرف كيف يستفيد بها:

أما ناصر محمد (موظف) فقد اتّخذ قراره بعدم استخدام الهاتف الذكي. ولديه ما يبرز ذلك: “استخدمت هذا النوع من الهواتف الذكية لفترة من الزمن، ثمّ توقفت عن استخدامه بسبب الكم الهائل من الشائعات والأخبار المغلوطة التي يتم تناقلها عبره، إضافة إلى المشاكل التي عاناها الأشخاص كثيرون داخل دائرة معارفي بسبب سوء استخدامه”. من ناحية أخرى، يؤكد ناصر أنّ الهاتف الذكي يعمل بتقنية حديثة بالغة التعقيد والدقة. لذا، يلزم الإلمام بالتفاصيل المتعلقة بها كافة قبل الشروع في استخدامها. ويضيف مُحذراً: “أرى عدداً غير قليل من الأطفال والمراهقين يحملون هذا النوع من الهواتف الذكية، أو أتساءل ما إذا كانوا يستخدمونها بطريقة صحيحة لا تُعرّضهم للمشاكل أم لا؟ وإن كنت أرى أنّه يجب عدم السماح للصغار بالتعامل مع هذا النوع من التقنيات، حفاظاً عليهم ولتجنيبهم متاعب كثيرة يمكن أن يتعرضوا لها”.

عافتهُ نفسي:

تجربة أنطوني شرابيا (موظف) مع الهاتف الذكي لا تختلف كثيراً عن سابقه، يقول: “لقد تسبب الهاتف الذكي في حدوث مشاكل كثيرة بين الناس وحساسية حتى بين الأصدقاء، بسبب الشائعات والأخبار غير الصحيحة والمعلومات الخاطئة التي تم تداولها في ما بينهم. الأمر الذي جعلني أبتعد عنه بعد فترة من استخدامه، وذلك حفاظاً على علاقاتي بأصدقائي وحرصاً منّي على إبقائها في منأى عن أجواء شائعات الهاتف الذكي ومشكلاته التي لا تنتهي والذي عافته نفسي”.

نصب واحتيال:

نوع آخر من المشاكل يتعرض له المشتركون في خدمات الهواتف الذكية، إذ تقول رشا مصطفى (ربة بيت): “إن هناك كَمّاً هائلاً من الرسائل الترويجية التي تصل إلينا من سيدات يعملن في التجارة عبر هذه الهواتف، وتلك الرسائل تتضمن أسعاراً وصوراً لبضائع يتم تداولها بين عدد كبير جدّاً من الناس”. وتتابع رشا موضحة: “إنّ المشكلة في تلك الرسائل أنّ بعضها يقدم عروضاً خيالية ومُغرية جدّاً لجذب السيدات والفتيات للشراء، ولكن بعد إرسال المبالغ المطلوبة عبر الحساب المصرفي، يتضح أنّ المسألة نصب واحتيال وأنّه لا وجود لهؤلاء التاجرات من الأساس”. وتُعقّب رشا قائلة إنّه “على الرغم من مشاكله المتزايدة يوماً بعد يوم، إلا أنني لم أفكر يوماً في الاستغناء عن الهاتف الذكي، ما دمتُ أرى أنّ التعامُل الحذر معه يكفي لجعلي في مأمَن من الوقوع في المشاكل”.

.. وتنعدم الخصوصية:

من ناحيتها، تصف أروى نعيم (39 عاماً، ربة بيت) الهاتف الذكي بأنّه مُحرّض على انتهاك الخصوصية. وتقول: “أعتقد أن خدمة الـ”ماسنجر” على الهواتف الذكية، تُحرّض الناس على انتهاك خصوصية بعضهم بعضاً، عدا أنها تُحرّض الإنسان على انتهاك خصوصية نفسه. فهناك أشخاص يقومون بعرض تحركاتهم على مدار النهار على الـ”ماسنجر”، ومنهم مَن يُرفق تلك المعلومات بالصور، حيث يقوم بتسجيل مكان وجوده والأحداث التي تدور من حوله وغير ذلك من معلومات وأخبار شخصية”. تضيف أروى: “أنّ إدمان نشر الأخبار الشخصية على الهاتف الذكي، يُصيب الرقابة الذاتية لدى الإنسان بنوع من التشوش حتى تختلط عليه الأمور، فلا يستطيع التمييز بين ما هو صالح للنشر وما هو غير صالح”.

براءة أطفال:

حتى الأطفال لم يَسلَمُوا من الهواتف الذكية ومشاكلها، ذلك أنّ هناك عدداً كبيراً من الأطفال الذين يحملون هذا النوع من الهواتف، من باب محاولة تقليد الكبار، من دون إدراك حقيقي من جانب هؤلاء الأطفال لطبيعة الإمكانات فائقة التطور التي تُتيحها تقنياتها. فالمسألة بالنسبة إليهم، كما يرد على لسان سلطان راشد (11 عاماً، طالب)، “مُجرّد تقنية حديثة ومتطورة”. ويتابع سلطان موضحاً: “أقتني الهاتف الذكي منذ كان عمري 8 سنوات ونصف السنة تقريباً، وأنا أستخدمه في الأغلب في تبادل المعلومات والأخبار والطرائف مع أصدقائي وزملائي”. سلطان يعترف بأنّه لا يقرأ بدقة جميع الرسائل التي تصل إليه، لكنه على الرغم من ذلك يقوم بإعادة إرسالها إلى جهات الاتصال الخاصة به، الأمر الذي أوقعه في مطبّات كثيرة، يقول: “أكثر من مَرّة تلقيت استفسارات من أهالي أصدقائي بشأن محتوى غير مناسب لبعض الرسائل التي أقوم بإعادة إرسالها إلى أبنائهم. وفي كل مرة أوضح لهم أني لا علم لي بتفاصيل الرسالة، وأن كل ما فعلته هو أنني قمت بإعادة توجيهها”.

لمن يُجيد استخدامه:

في المقابل، ثمة مَن يرى في الهواتف الذكية وسيلة تكنولوجية حديثة ومتطورة وإيجابية. ومن بين الذين يتبنون هذا الرأي، محمد عدوان (موظف)، الذي يرى في هذه التكنولوجيا مُميزات عديدة يوضحها بقوله: “لقد أسهم الهاتف الذكي إلى حد بعيد في تعزيز مبدأ التواصل الاجتماعي بين الناس، وإليه يعود الفضل في توثيق علاقاتي الاجتماعية مع الآخرين، فضلاً عن إسهامه في بناء صداقات جديدة، إذ إنّ الهاتف الذكي يفرض على الإنسان التواصل مع الآخرين بشكل أو بآخر، وأعتقد أنّ هذا الأمر يقف وراء عدم قدرة البعض على الاستغناء عنه”. غير أنّ محمد يربط بين الحصول على مَزَايَا الهاتف الذكي وبين حُسن استخدامه والإلمام الجيِّد بضوابط الاستخدام الآمن والسليم لتلك التكنولوجيا المتطورة، مؤكداً “أنّ هذا هو الشرط الوحيد لضمان ألا يُعرّض الإنسان نفسه للمشاكل بغير قصد”.

“برودكاست”

سبب آخر يدعو أحمد محمد (موظف) إلى عدم الاستغناء عن الهاف الذكي، الذي يوضح “إنّ تكنولوجيا الهواتف الذكية مفيدة وهي تعمل بتقنية حديثة تخدمني في مجال عملي، عَدَا عن كونها وسيلة تواصُل فائقة السرعة تربطني بزملائي في العمل”. أما بالنسبة إلى الشائعات والأخبار التي تُنشر عبر الهواتف الذكية، فإنّ أحمد لديه أسلوب خاص في التعامل معها، يتحدث عنه قائلاً: “لا أطّلع أبداً على الـ”برودكاست” الذي يَرِد إليَّ عبر هاتفي، لأنّها في معظم الأحوال إمّا معلومات غير صحيحة أو غير مُهمّة. لذا أرى أنّه من الأفضل تجاهُل قراءتها توفيراً للوقت وتجنّباً للمشاكل”.

معلومات سائبة:

أما على الصعيد النفسي، فيلفت الدكتور طارق خَمّاس (استشاري الطب النفسي) إلى “أن هناك أشخاصاً يحاولون بشتى الطرق جذب انتباه الآخرين بطرق إيجابية أو سلبية، ويعتبر نشر الشائعات والأخبار المغلوطة عبر الهواتف الذكية إحدى الممارسات السلبية التي ينتهجها هؤلاء الأشخاص”. ويضيف: “كما أعتقد أن أغلبية الشائعات التي يتم نشرها عبر الهواتف الذكية مصدرها أشخاص يعانون إحساساً بالفراغ، حيث يعمدون إلى اختلاق إشاعة ما ونشرها ليتلقاها آخرون ويقدموا بتداولها في ما بينهم من غير أن يفطنوا إلى كذبها وعدم مصداقيتها”.

ويصف د. خماس تلك الشائعات بـ”المعلومات السائبة”. وإذ يتحدث عن الطريقة المثلى للتعامل معها، يقول: “يجب عدم تصديق هذا النوع من المعلومات والأخبار التي لا تعدو كونها مقالب مراهقين وأكاذيب يختلقها أشخاص لا يجدون ما يشغلون وقتهم به. فالأخبار الدقيقة لها مصادرها الموثوقة، وهي ثقة لا تأتي بين يوم وليلة بل تقوم على معايير قوية”. أما بالنسبة إلى تعامل الأطفال مع هذا النوع من التكنولوجيا الذكية، فيرى د. طارق خماس “أنّ الهاتف الذكي يجب ألا يكون متاحاً للأطفال نظراً إلى كونه عبارة عن تكنولوجيا لا تتفق مع أعمارهم وتجعلهم عرضة للوقوع في مشكلات عديدة بسبب عدم قدرتهم على تقييم المعلومات التي تصل إليهم من خلاله، ففي أحيان كثيرة لا يفهم الطفل حقيقة مضمون الرسالة التي تلقاها، لكن وعلى الرغم من ذلك يقوم بإرسالها إلى أكبر عدد من أصدقائه من دون أن يعي حجم الضرر الذي يمكن أن ينجم جراء ذلك”.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم