الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

النبي إذ تجتمع على تقديره وإجلاله إبداعات الأديان.



أثنى شعراء كثيرون يتجاوزون الحصر على النبي (صلى الله عليه وسلم) قديمًا وحديثًا، ومن أهل الكتاب كذلك، وهذه مزية لم ينلها نبي قبله صلى الله عليه وسلم إذ تجتمع على تقديره وإجلاله إبداعات الأديان والمعتقدات البشرية على سواء..
الدكتور مصطفى محمد أبو طاحون أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة المنوفية يقول: المديح النبوي يكتسب خصوصيته من فرادة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فهو خاتم النبيين، أرسل للعالمين كافة بشيرًا ونذيرًا، وانقطع بموته اتصال السماء بالأرض وحيًا يتنزل من رب العالمين على نبي مرسل من البشر، يقول “مايكل هارت” : (إن محمدًا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي).


(وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا، وبعد 13 قرنًا من وفاته، فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويًا متجددًا). ويقول أيضًا (إنه أعظم زعيم سياسي عرفة التاريخ).


ويقول عن الرسول والرسالة: (هذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أومن بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أعظم الشخصيات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلها). وهذا هو عين ما يثبته “فاروق خورشيد” عن أثر النبي غير المسبوق وربما غير القابل للتكرار إلا من طريق أنصاره المخلصين ممن يعتقدون في كونه قدوة وزعيمًا؛ إذ يقول: (لم ينجح بشر في أن يغير من وجه الحياة على مر القرون مثلما نجح محمد في دعوته التي رفضت كل معجزة إلا معجزة الإيمان بالله والإيمان بالنفس والإيمان بالناس.. لهذا كانت معجزة محمد هي محمد نفسه، هي هذه الشخصية البشرية التي حررت النفس الإنسانية من الخرافة، من الجهل، من العبودية، هي هذه الشخصية البشرية التي أعادت للإنسان قيمته كإنسان يحقق بإرادته أهدافه).


هذه الخصوصية وهذا التفرد النبوي وقع الشعراء عليهما، فأثبتوهما في إبداعهم من قديم على نحو ما نفهم من قول حسان بن ثابت:


وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد
ولقد دفع هذا التفرد النبوي بعض الشعراء استجابة لحالة الدهشة والإعجاب بشخص النبي وأثره الإصلاحي إلى المغالاة في مديح النبي على نحو يأباه النبي نفسه، فهذا مالك بن عوف الناصري يقول:


ما إن رأيت ولا سمعت بمثله في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى ومتى تشأ يخبرك عما في غد


فالعجز الأخير لا يتفق وعقيدة المسلم الصحيحة؛ إذ لا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى عن جهل الجن بموت سليمان عليه السلام (فما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته).


ولقد مدح الشعراء النبي (صلى الله عليه وسلم) على قلة في حياته لأنه (لم يكن يشجعهم على مدحه، ولم تكن رسالته لتتلاءم والمظهر الملكي أو الشغف بثناء الشعراء، وإذا كان قد شجع بعض الشعراء على قرض الشعر فإنما كان يريد منهم أن يردوا عن شعراء المشركين، وأن يدافعوا عن الإسلام، ويذودوا عن المسلمين)


وفي مدائح حسان بن ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم إبراز لجوانب العظمة والفرادة والنبوة على نحو يشي بفهم دقيق للرسالة وحب عميق لصاحبها، يقول حسان:


شق له في اسمه ليغيره فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا يلوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا نارًا وبشر جنة وعلمنا الإسلام فالله نحمد


أما الكميت فيضفى صادقًا غير مبالغ كل صفات الكمال والجمال والجلال على النبي محمد فيقول:


خير مسترضع وخير فطيم وحنين أقر في الأرحام
أنقذ الله شلونا من شفا النا ر به نعمة من المنعام
لو فدى الحي ميتًا قلت نفسي وبني الفدا لتلك العظام


فمن قديم وإلى اليوم .. النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مبعث إبداع وملهم فن ومثير خيال، وجد فيه الشعراء معينًا ثرًا لتفجير ملكات شعرية وتشكيل لوحات إبداعية خالدة، وفي خصائص المدحة النبوية أن المادح – وبخلاف ما استقر في الوعي الجمعي – للنبي يقر بأن مدحه يرفع قدره هو، فمدائح الشعراء للنبي مفاخر لهم هم؛ إذ أثنى الله تعالى على نبيه في وحيه المنزل، ومن ثم فلا حاجة للنبي في مدائحهم؛ إذ هي لن ترفع من مقامه فوق ما رفعه الله، وإنما مدائحهم سبيل إلى علو شانهم وغناهم وعصمتهم، يقول عامر بحيري:
لم أقلدك بالمديح، ولكن أنت قلدتني بدر وجوهر


ويقول أيضاً في هذا الإطار نفسه مميزًا بين مدح الرجال ومدح النبي:


ولقد يود أخ المديح تميزًا فضلاً حوته البردة الفيحاء
مدح الرجال تزلف ومهانة أبدًا ومدحك عصمة وغناء


هذا كله مما اختص به المديح النبوي، على أن أهم خصوصيات المديح النبوي – في رأي د. أبو طاحون ـ تتمثل في طلب الشعراء إلى النبي الممدوح (صلى الله عليه وسلم) أن يتدارك الأمة وأن ينهض بها من كبوة لازمتها طويلاً باعتباره مصلحًا مخلصًا، وصانع حضارة وباعث نهضة.


لقد كان الشعراء كما يقول الدكتور حلمي القاعود: (يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره مصلحًا اجتماعيًا ومؤسس دولة قوية، وزعيم أمة موحدة، وفاتح بلاد منيعة، هو أقرب شخصية يمكن استدعاؤها، وبثها الشكوى، لعل وعسى أن يخرج من بين ظهراني الأمة من يقتدي بها، ويعيد أمجادها، ويزرع العدل في أرجائها، ويعمها بفيض الرخاء وعبير الأمل.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم