السبت 23 نوفمبر 2024 / 21-جمادى الأولى-1446

المعلم الاصطناعي



 

الذكاء الاصطناعي هو موضوع اليوم، فكل الناس تتحدث عنه وعن التغيير الذي يتوقّع أن يحدثه في العالم وخاصة في المهن، فهناك من يقول طيارات بلا طيارين ومحلات تسوق بلا بائعين ومؤخراً خرجت علينا أخبار بأن شركة يديرها رئيس تنفيذي CEO هو عبارة عن ذكاء اصطناعي! والسؤال الذي نطلقه هنا هو: إلى أي مدى يمكن أن نرى الذكاء الاصطناعي يزاحم المعلم في لقمة عيشه؟ وأظن أن هذا ممكن في حالة واحدة وهي عندما تتخلى المؤسسة التربوية عن رسالتها التربوية وتعتمر قبعة التعليم فقط، وهو الواقع الذي تعيشه كثير من الدول مع الأسف، حيث لم يعد للتربية بمفهومها الجوهري معنى لدى ممارسي العملية التعليمية ولا لدى من يشرفون عليها ويرسمون سياساتها، وأستثني من ذلك خطبهم الرنانة فقط، حيث لا يمكن للرسالة الإعلامية الاستغناء عن مفهوم التربية في معرض الترويج والتسويق!

المعلم مصدر معرفة للعلم وكذلك للأدب والخلق الطيب والقدوة الحسنة، والمعلم هو وسيط لدمج الطالب بالمجتمع فهو يمارس الدور الذي سيعيشه الطالب لاحقاً مع الكبار، مع السلطة، مع الضيف، مع الجار، مع الزميل الأكبر سناً، وهكذا فإن الطالب «يتدرب» في المدرسة على أيدي معلميه تدريبات كثيرة هم لم يخططوا لتدريبه أو تدريسه إياها وإنما هي نتاج تفاعلاتهم المباشرة معه في مواقف المدرسة اليومية سواء داخل الفصل أو خارجه، ومن هنا فإنه مهما بلغ الذكاء الاصطناعي ما بلغ فلن يقوم مقام المعلم، ولا أقصد هنا أنه لا يستطيع تمثيل هذا الدور فأنا على وعي تام (ولدي ما يكفي من الخبرة في البرمجة المتقدمة) أنه يمكن برمجة الربوت الذي سيقوم مقام المعلم بآلاف من المواقف التي تتكرر يوميا في المدرسة وبالتالي تكون استجاباته لتفاعلات الطالب لا تختلف عن تلك التي سيواجهها الطالب مع معلم بشري، وهذا من حيث الفكرة والمحتوى وربما المشاعر أيضا، ولكن القضية الأساس هنا في الاقتداء، فالطالب عندما يتفاعل مع معلمه ويراقب مواقف المعلم وحديثه وردود أفعاله وتصرفاته فإنه يكتسب كل هذه المعرفة «الحياتية» المهمة، لكنه يكتسبها في نفس الوقت الذي ينطبع في وعيه مبدأ الاقتداء لأن من يقوم هو برصده ومحاولة محاكاته بشر مثله، له ما له من الإمكانات الفكرية والمشاعر الداخلية وعليه ما عليه من العيوب الشخصية، بينما في مثال روبوت الذكاء الاصطناعي الذي يحتل مكان المعلم فإن هذه الحالة الشعورية تفقد تماماً ويصبح الاقتداء عملية ميكانيكية لا روح فيها، وهذا إن حصل شيء من الاقتداء وإلا فإن القناعة بها أصلاً مشكوك فيه.

——————————–

بقلم د. محمد بن إبراهيم الملحم

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم