السبت 23 نوفمبر 2024 / 21-جمادى الأولى-1446

المصارحة بين الأزواج.. الوجه الحقيقي للتفاهم



 

◄العلاقة بين الزوجين تعتمد على التفاهم، وذلك لا يتأتى إلّا من خلال المصارحة التي تسمح لكلّ طرف بالتعرّف على أسلوب وطريقة الطرف الآخر في الحياة، فضلاً عن أنّها تخلق جوّاً من المشاركة النفسية بينهما، فكيف ينظر الأزواج للمصارحة، هل هي مبدأ ضروري لا غنى عنه أمام متطلّبات الحياة، أم أنّها لا تجرّ إلّا المشاكل والخلافات، تحدّث العديد من الأزواج والزوجات والمختصين للتعرّف على موقف كلّ طرف من هذه المسألة من خلال هذا التحقيق.

في البداية تقول “أُم هند” إنّه مَن يعيش على مبدأ المصارحة يعيش سعيداً طول عمره، والمصارحة ليست بكلّ أشكالها جميلة؛ فهناك مصارحة بناءة وأخرى هدامة؛ فعلى سبيل المثال المصارحة البناءة تكون بشكل عام في أمور البيت والأولاد.

وحول ما إذا كانت عصبية الزوج تمنع الزوجة من مصارحة زوجها خشية من غضبه؛ إذاً لماذا تخاف الزوجة من مصارحة زوجها إذا كانا متفقين بالأساس على المصارحة، إلّا أنّه يتوجب عليها اختيار الوقت المناسب للمصارحة، وسواء كانت المشكلة صغيرة أو كبيرة؛ فإنّ حلها بسيط، ولكن على الزوجة أن تتحلى بالحكمة، فتعرف ما يسعد زوجها وما يغضبه، وكيف تصارحه وفي أي وقت؛ فعلى سبيل المثال: لا يعقل أن تقابل الزوجة زوجها بعد عنائه من العمل وبمجرد دخوله إلى المنزل وبدون مقدمات بحديث جاف، وتسمي ذلك مصارحة؛ لأنّ ذلك سيؤدي إلى غضبه بلا شك، بل يجب عليها أن تختار الوقت والمكان المناسبين. وأوضحت.. لا أغضب من زوجي عندما أعلم أنّه أخفى عني أمراً أبداً، لأنّه يكون حريصاً على مشاعري، وفي كثير من الأحيان يعترف لي بذلك بعد مدة من الوقت، وأسامحه؛ لأنّي متأكدة من إخلاصه لي، فهو أحن عليّ من نفسي.  أما “أُم ريم” فقالت: إنّ المصارحة تساعد على استمرار التفاهم بين الزوجين، لكن هذه المصارحة ليست مطلقة، بمعنى أنّها ليست في كلّ شيء؛ فلزوجي خصوصيات لا يصارحني بها لسبب ما، وأنا كذلك لا أصارح زوجي في كلّ شيء خشية أن يغضب؛ لأنّ المصارحة في بعض الأحيان تؤدي إلى نتائج عكسية قد تعكر صفو الحياة، فلكلّ منا خصوصياته التي يحتفظ بها لنفسه، ومع ذلك فأحياناً أجد أنّه من الضروري مصارحة زوجي مع علمي التام أنّ ذلك سوف يغضبه مني، ولكني أجد نفسي مضطرة لذلك لأحافظ على استمرار حياتي، وإذا علمت أنّ زوجي لا يصارحني؛ فهذا سيحزنني كثيراً لأنّ ذلك يعني أنّني لا أُمثل شيئاً في حياته، ولا أعني له شيئاً. أُم عمر (22عاماً) قالت: إنّ زوجي لا يعطيني مساحة كبيرة للمصارحة والحوار.. صحيح أنّه يصارحني في بعض القضايا التي تخصنا، إلّا أنّني أشعر أحياناً أنّه يخفي عني الكثير، وذلك يتمثل عندما ألاحظ استغراقه في التفكير، وعندما أسأله عن سبب ذلك، وألح عليه ليخبرني، حتى أنّي أكاد أسحب الكلام من بين فكيه، فيتهرّب من الإجابة، الأمر الذي يضايقني كثيراً، حيث أشعر بأنّ بيننا فجوة كبيرة، ثم أحاول بعد ذلك أن أجد له مبرراً، فلا أشعره بغضبي. أضافت أُم عمر.. إنّني لا أريد أن يخبرني زوجي بكلّ شيء، ولكني أريد أن أعرف ما يخصنا نحن الاثنين، وكذلك ما يسرق تفكيره حتى اتمكن من مساعدته، أو على الأقل مشاركته همومه وآلامه.

الأزواج: لا تصارح في كلّ شيء

ويشير “أبو فهد” أحد الأزواج إلى أنّ المصارحة بين الزوجين عنصر أساسي من عناصر الحياة الزوجية، وإن لم يكن موجوداً أدى ذلك إلى هدم الأسرة؛ لأنّ الحياة الزوجية عبارة عن أُسس، وإذا ذهب أي أساس منها، كان سبباً في تدمير هذه الحياة.

وأضاف أنّ المصارحة ضرورية من ناحية الزوجة في كلّ شيء حتى تستمر الحياة بين الرجل والمرأة؛ لأنّ الرجل هو الذي يمتلك زوجته، أمّا المرأة فلا تمتلك زوجها، وهي من ناحية الزوج ليست ضرورية في كلّ شيء، فهناك بعض الأمور لا تُحسن فيها المصارحة، وأوضح أنّه إذا كانت نسبة الضرر جراء المصارحة بسيطة ويستطيع تحمّلها فعليه أن يصارح، لأنّه لا شيء أفضل منها، أما إذا علم أنّ الضرر سيكون كبيراً وسيؤدي إلى متاعب كبيرة فعليه ألا يصارح.  وحول شعور الزوج إذا علم أنّ زوجته تخفي عنه بعض الأمور؛ قال: إنّه إذا كان الرجل عاقلاً فإنّه يستطيع أن يستدرج زوجته، ويعلم ما هو سبب عدم مصارحتها له، ويحاول أن يعالج ذلك بحكمة، أمّا إذا كان متهوراً فإنّه سيتهمها بالخيانة. موضحاً أنّه على سبيل المثال لو علم أنّ زوجته تخفي بعض النقود؛ فقد يتهم زوجته بسرقة ماله لأنّ وساوس الشيطان كثيرة، وقد تكون الزوجة ادّخرت هذا المال بحُسن نية، لذلك لابدّ للزوجة أن تصارح زوجها في كلّ صغيرة وكبيرة.

أمّا “وليد الدوسري” فقال: إنّ المصارحة مبدأ لابدّ منه؛ إلّا أنّ المصارحة لا تجب في كلّ أمر؛ فهناك الكثير من الأمور التي تخص الزوج وحده مثل علاقته بأصدقائه، موضحاً أنّ الزوج لو علم بأنّ زوجته تخفي عنه بعض الأمور؛ فعليه أن يعلم هذه الأمور، وما سبب إخفائها لها، فإن كان الأمر الذي أخفته الزوجة مهمّاً، ومن الضروري أن يعلمه الزوج، فإنّه من الممكن أن يترتب على صنيعها هذا مقاطعة الزوج لزوجته.

وقدم “الدوسري”  نصيحة لكلّ اثنين يقبلان على الزواج أن يبادرا إلى مصارحة بعضهما البعض منذ فترة الخطوبة؛ لأنّ المصارحة تبدأ من خلال تعويد النفس عليها، وقد تكون ثقيلة في البداية؛ إلّا أنّها سرعان ما تصبح بعد ذلك أسلوب حياة. مشيراً إلى أنّه لو تعوّد كلّ شخص إخفاء بعض الأمور عن الآخر فسيؤدي ذلك إلى المشاكل والخلافات، وخاصّة إذا كان هناك تدخّل من الأهل وغيرهم.

القرآن الكريم عرض العلاقة بين الزوجين بطريقة واضحة

وأوضح الشيخ الدكتور محمّد الماجد إمام مسجد النور: إنّ القرآن الكريم عرض العلاقة بين الزوجين بطريقة واضحة وصريحة، فعندما وصف الله – عزّوجلّ – العلاقة بين الزوجين وصفها في آيتين كريمتين؛ فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم/ 21)، وقال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187)، من هنا فإنّ الإسلام في هذه الآيات يوجب الصراحة بين الزوجين لدواع عدة وهي: أوّلاً: إنّ الله سبحانه وتعالى وصف الزوجين بأنّهما نفس واحدة، والإنسان أصرح ما يكون مع نفسه. ثانياً: إنّ مهمّة الزواج تحقيق السكن النفسي والاجتماعي، والسكن النفسي والاجتماعي يقتضى نوعاً من عدم التكلّف والصراحة والتلقائية، كما أنّ المودة والرحمة جاء وصفها في القرآن الكريم (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)؛ فالرحمة هي جانب وجداني وانفعالي في الإنسان، والمودة هي جانب وجداني كذلك؛ ولكن لابدّ أن يظهر على شكل ممارسة في حياة الإنسان توحي بهذا الشيء وتدلل على الرحمة الموجودة في النفس.

وحول فوائد المصارحة؛ قال: للمصارحة فوائد عديدة منها: إخراج مكنونات النفس وعدم تراكمها، والتقريب بين وجهات النظر وأنماط السلوك، والشعور بالثقة المتبادلة، والوقاية من كثير من المشكلات وحلها في مهدها قبل تفاقمها، بالإضافة إلى أنّ فيها إشعاراً لكلّ طرف بأهميته عند الطرف الآخر.

تجعل الثقة متبادلة بين الزوجين

“أبو محمد العتيبي (28عاماً)” قال: إنّني متفاهم مع زوجتي إلى أبعد الحدود، وأشاركها أفراحي وأحزاني، وقد تعوّدنا ألا نخفي عن بعضنا أي أمر يخصنا نحن الاثنين، أو يخص أحدنا؛ لأنّني أعلم أنّ الزوجة سكن لزوجها وهي سكن له، موضحاً أنّه مع ذلك لا يخبر زوجته ببعض خصوصياته مع أصدقائه. وأوضح “العتيبي” أنّه يضع مصروف البيت مع زوجته، وكانت زوجته تدّخر منه دون علمه، وحدث أن مر بضائقة مالية واحتاج لبعض النقود لتأمين بعض الحاجيات الأساسية للمنزل؛ فلم يكن معه شيء، إلّا أنّ زوجته قدمت له ما ادّخرته. مشيراً إلى أنّه تصرّف جيِّد يجعلك تقدر زوجتك، مع أنّها لم تصارحك بذلك. وقال: إنّه ينبغي أن يصارح الزوج زوجته من بداية الطريق: ماذا يحبّ، ماذا يكره، علاقاته، وضعه المالي، حتى لا يحدث الخلاف والشقاق. أمّا “أبو محمد (43عاماً)” فقال: إنّ المصارحة أمر سليم جدّاً وهو ما يساعد على بناء روابط الثقة والتفاهم بيني وبين زوجتي؛ فهو يجعل الثقة متبادلة بين الزوجين، ولكن في بعض الأحيان يحدث أن تكون المصارحة سبباً في تعاسة الزوجين، وتعطي نتائج سلبية إذا كانت هذه المصارحة لا ترضي أحد الزوجين.

أخصائي: يجب ألا تؤذي شريك الحياة

وعن آداب المصارحة الزوجية أوضح “عثمان الإبراهيم” أخصائي اجتماعي أنّ للمصارحة آداباً منها: أن تكون المصارحة لينة رقيقة، لا تؤذي شريك الحياة؛ كالمصارحة بعدم حبّ أحد الزوجين للآخر، فهذه مصارحة من النوع المؤذي، ولكن كيف يحوّلها الزوج إلى مصارحة إيجابية؟ من الممكن أن يقول مثلاً: “نريد أن نذكر بعض الوسائل التي من خلالها يمكن أن يزداد الحبّ بيننا”، بمعنى أنّه يقول إنّ الحبّ موجود ولكنّنا نريد أن نزيده. ويجب اختيار الظرف المناسب للمصارحة، فليس من المعقول أن تتم المصارحة في حال الغضب أو بعد مشكلة معينة، وأن تحمل المصارحة معنى النصيحة الصادقة لا التعيير أو التشنيع أو التوبيخ أو التشفي، وأن يكون أسلوبها هادئاً ولا تتحوّل إلى مجادلات.

وأشار إلى أنّ هناك جملة من الضوابط والحدود للمصارحة وهي، أن تكون المصارحة فيما يمكن تداركه مثل الطعام والشراب، وليس في ما لا يمكن تداركه مثل الأمور التي جبل عليها المرء مثل شكله أو غير ذلك، وألا تتناول المصارحة الذنوب والمعاصي التي سترها الله على أحد الزوجين، وألا تتناول أسرار الزوج مع أصدقائه أو العكس.►

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم