الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

المرصد الاجتماعي



خلال حديثي عن الأسرة السعودية في برنامج: (في الصميم)، في شهر رمضان المبارك الفائت، ناديت بإنشاء مرصد أسري، يكون مرجعا وطنيا آمنا للإحصاءات والدراسات المتعلقة بالقضايا التي تمس الشأن الأسري على وجه التحديد، لما له من أهمية بالغة في تشخيص الواقع الأسري كما هو، وليس كما نتوقع، فالقاضي والمستشار والمصلح الأسري وحتى العاملون في دوائر الشرط والتحقيق والادعاء العام وإدارات السجون ومكافحة المخدرات ونحوها، ربما أعطوا انطباعات عن المجتمع المحلي من خلال ما يشاهدون، وما يرصدون في سجلاتهم، التي لا توثق إلا الحالات السلبية فقط، نظرا لطبيعة أعمالهم، ولكن الواقع أكبر من ذلك، ملايين البشر أفرادا وأسرا تمارس حياتها بكل أطيافها، وبكل تحولاتها، وبكل أنماطها، فيها الصالح أكثر من الطالح، والأصل هو الاستقامة، وحين نضع نقطة دم في بركة ماء فإنها تذوب فيه بل تختفي.

فهل حجم مشكلاتنا الاجتماعية بحجم هذه النقطة؟ أم أن المشكلات تتفاوت في حجمها، وحدوثها، وفي أعراضها، وآثارها؟.

وهل المطلوب منا فقط أن نواجه المشكلات إذا تفشت، أم علينا أن نرصدها كما ترصد الزلازل، بحيث نتنبأ بها قبل حدوثها، ونحذر منها، لنقلل من آثارها السلبية إذا وقعت، ونطوقها كما يطوق المرض الوبائي؟!

إن كثيرا من الجهات الاجتماعية والأسرية تعمل في ميادين عديدة، في مؤسسات حكومية، ومدنية أهلية، وحتى ربما عسكرية، وغالب هذه المؤسسات تعمل دون دراسة للبيئة التي تخدمها، مما يجعلها تقدم خدماتها بمكاييل غير واقعية، وليس فيها مراعاة للأوليات، وقد تبذل جهود مضاعفة، وأوقات كثيرة، وأموال طائلة في مشروع محدود الأثر، وفي قضية تعد ثانوية في المجتمع الذي قدمت فيه، وإن كانت ذات أهمية بالغة في مجتمع آخر. والمرجع مفقود، وهو الدراسة الموثقة؛ نظرا لعدم وجود مرجعية علمية، علما بأن هناك عددا كبيرا من الدراسات في الجامعات السعودية، وبيوت الخبرة، التي اعتمدت على مسوحات دقيقة، وإشراف علمي من أكاديميين مختصين، ولكن لم تجد الجهة التي تجمعها، وتحولها إلى رصيد ضخم وموثق لصناع القرار، وللجهات العاملة في الاتجاه الأسري.

وقد استبشرت كثيرا حين سمعت بإنشاء «مركز وطني متخصص يكون مخولا بصفة رسمية للوقوف على أية ظاهرة اجتماعية، من شأنها أن تؤثر سلبا على سلوكات المجتمع المحلي، وذلك عبر مسوحات علمية تغطي شرائح المجتمع السعودي كافة، وفق إحصاءات وأرقام حقيقية يجري على ضوئها وضع الحلول والتوصيات ورفعها مباشرة لجهات الاختصاص للوقوف على السلوكات الجانحة قبل تحولها إلى ظاهرة اجتماعية».

إن المتوقع من (المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية)، الذي وافق مجلس الوزراء على إنشائه أن يضم بين جنباته (مرصدا اجتماعيا) يكون مسؤولا مباشرا عن تحديد الأولوية في طرح القضايا المقلقة والحساسة داخل المجتمع المحلي، وذلك عبر لجنة علمية متخصصة تقوم بوضع الإستراتيجيات والخطط المتعلقة بالبحوث والدراسات المسحية اللازمة لكل قضية اجتماعية على حدة، كما أشار المدير العام د.علي الحناكي.

إن الأمل كبير في هذا في المرصد أن يسهم في زيادة قوة النسيج الأسري، من خلال الدراسات البنائية والوقائية والعلاجية، وأن تكون خدماته موزعة بين مؤسسات الدولة صانعة القرار وبين مؤسسات المجتمع المدني التي تحول دراساته إلى نفع عام، يعمل على الحد من الحالات التي قد تتحول إلى ظواهر مع أفراد المجتمع مباشرة، بل وأن يكون مرجعا للباحثين، وللتقييم الدولي للمجتمع المحلي، بدلا من أن ننتظر نتائج الدراسات عن بلادنا من خارج بلادنا.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم