◄تنتشر ظاهرة الكآبة والقلق في العالم اليوم بسرعة كبيرة، ويصعب القول إن الظاهرة تقلّ أو تكثر في بلد معين أو منطقة جغرافية معينة. إنها تبدأ في المجتمعات الصناعية المعاصرة لتمتد إلى المناطق الريفية الهادئة. ويرى بعض العلماء أن حالة التوتر صارت من مظاهر الحياة اليومية، رغم أنه لا توجد لدى الأطباء معلومات دقيقة عن كيفية حدوثها ولماذا، ولا توجد أي مقاييس لمعرفة الشخص المؤهل والمعد للاصابة بالكآبة والقلق.
ويُرجع علماء النفس والاجتماع والخبراء في الميادين كافة أسباب هذه الحالة إلى ظروف الحياة الصعبة، والضغط النفسي والاقتصادي، ومتطلبات العيش، ويرون أنه من الممكن أن تتحسن الحالة إن تحسن الوضع الاقتصادي على سبيل المثال. ويوماً بعد يوم يظهر أناس يحلمون بعالم أفضل خال من التوتر والقلق، يقول الدكتور (بارتيك ياردي): “إن من يقرأ تاريخ البشرية والتطور الذي مرّ بحياة الإنسان يرى أنه مرّ بتطورات وتغيرات كثيرة رفضها في البداية، لكنه اعتادها وتأقلم معها، وأسباب التوتر والقلق يمكن تغييرها ولو بتغيير الأنظمة سلماً أو حرباً”. ويعترض كثيرون على نظرية الدكتور (ياردي) قائلين إن الإنسان لن يتعود التوتر ويتأقلم معه، بينما هو يصر على إمكانية التغيير بطريق التعود والتأقلم، ويورد الكثير من الأمثلة في حياة الإنسان القديم قائلاً: “إن الطقس لم يكن كما هو اليوم، وإن حدوث الطوفان (وهو ثابت علمياً) خلق للإنسان الكثير من المصاعب، لكنه عاد فتأقلم معها، والأمر كذلك اليوم مع القلق والاكتئاب”.
ويعتقد العلماء أن أسلوب الحياة الجديدة، وما يرافقها من تطور متلاحق ومتسارع هو أحد أهم أسباب القلق، فالإنسان المعاصر يحتاج إلى وقت يستطيع معه هضم واستيعاب التطورات، بشكل يوازي معدل سرعتها ونموها، مما يضعه يوماً بعد يوم إزاء المشاكل والهموم التي تفرضها هذه التطورات، وينشأ نتيجة لعدم التكيف السريع المطلوب نوع من الصراع النفسي، وهو أحد أهم مظاهر القلق والاكتئاب، ففرص العمل على سبيل المثال لم تعد في متناول اليد بسبب انحصار الحاجة إلى خبرات واختصاصات لا تتوفر ظروفها للجميع، مما يؤدي إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية لدى الفرد، ونتيجة لذلك تنشأ ظاهرة الخوف من المستقبل المجهول. والقلق أو الاكتئاب في هذه الحالة مشروع وطبيعي، خصوصاً عندما يطرح مجموعة أسئلة تتعلق بمصير الفرد مثل: هل الدراسة التي أختارها مناسبة؟ هل أستطيع من خلالها إيجاد فرصة عمل تتناسب مع الطموح والظروف المحيطة؟
بينما يرى بعض أطباء النفس أن القلق والاكتئاب (ظرفي) أو (محدود) يراه آخرون ظاهرة عامة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً هناك (13 مليون) أمريكي يعانون من القلق مقابل (9 ملايين ونصف المليون) يعانون من الاكتئاب، وتختلف استجابة الإنسان لحالات القلق والاكتئاب من شخص إلى آخر، ومن فئة اجتماعية إلى أخرى، فقد لوحظ أن معظم المصابين بالقلق نساء تتراوح أعمارهن بين السادسة عشرة والأربعين، وقد أثبت العلماء أن الأشخاص الذين عاشوا طفولة قلقة يسودها جو الخلافات العائلية وعدم الاستقرار، هم الأكثر استعداداً للاستجابة لحالات القلق والاكتئاب، ويقول العلماء إن (محدثي النعمة مثلاً هم أكثر عرضة للقلق من الأغنياء بالوراثة) لأن شبح الفقر لدى الفئة الأولى يظل يخيفهم ليتركهم قلقين.
الطب.. وتفسير جديد لامراض القلق:
لقد توصل الطب الحديث إلى حقائق جديدة، كشفت عن العلاقة بين القلق وبين الكثير من الأمراض المرضية للجسم، بما في ذلك الأمراض الوهمية للقلب. والقلق قد يكون حالة مؤقتة، نتيجة لموقف صعب، كما قد يكون حالة مرضية تستوجب العلاج، فلا يستطيع أي إنسان الهروب من القلق العارض. وهناك نوع آخر من القلق، يصيب عدداً من الناس دون سبب واضح، فهو يظهر فجأة، ويتخذ أعراضاً متعددة منها اختلال نبضات القلب، أو صعوبة التنفس، وآلام الصدر، والاحساس بتنميل أجزاء متفرقة من الجسم، والاحساس بتوهج مفاجىء لحرارة الجسم، وفي أحد المستشفيات العسكرية الأمريكية لاحظ الدكتور (جاكوب داكوستا) الارتباط المتكرر بين آلام الصدر وبين القلق عند الجنود الشبان، الذين أزعجتهم خبراتهم في الحرب، ولاحظ أيضاً أن هؤلاء الشبان كانوا من الناحية الجسمانية في حالة صحية ممتازة، ولا تعاني قلوبهم من أي مشاكل، ويقول الدكتور (داكوستا) إن هذه الظاهرة هي نتيجة للاحساس بالقلق، رغم اختفاء جميع أعراض التوتر النفسي الواضح.. وتعتبر النوبات المتكررة من الصداع المؤلم التي تصيب وتهاجم عدداً كبيراً (86% من الناس) من مرض القلق، ومن الطبيعي أن يرافق الألم الاندفاع نحو المسكنات، وتناول قدر كبير من الأسبيرين أو غيره من مسكنات الألم، وأحياناً ينتشر الألم إلى سائر الجسم، مما يؤدي إلى المزيد من المعاناة، وكثيراً ما يظهر عند مرضى القلق عشرات من الأعراض المختلفة، التي تؤثر في أعضاء مختلفة من الجسم، الأمر الذي يواجهه أطباء الجسم بالحيرة، فالتشخيص يشبه أو يماثل أمراضاً عضوية كثيرة، الأمر الذي يستلزم القيام ببحوث وتحاليل عديدة، فضلاً عن التجاء المريض إلى كبار الاخصائيين، لمعرفة أسباب أمراضه التي تهيمن على كل جزء من جسمه، ثم يكتشف المريض الحقيقة متأخراً، وهي أن العلاج يجب أن يبدأ عن طريق الطب النفسي لتفسير مثل هذه الأعراض، وتقديم العلاج المناسب، فالقلق المرضي حتى مع اختفاء أعراضه النفسية في بعض الأحيان، قد يكون أحد العوامل المسؤولة عن ظهور العديد من أعراض الأمراض الجسمانية.
والقلق ظاهرة إيجابية إذا لم تدم طويلاً، لأنها استجابة صحية للخطر، بيد أنه يتحول تهديداً عندما يزيد عن معدل الخطر الذي يستجيب له، إذاً فهو إيجابي بوجود أسباب خطيرة تستدعيه، وهو مرضي عندما يفتقد هذه الأسباب، كأن تقلق الأم على طفلها من مرض معين دون وجود أسباب توحي بمثل هذا الاعتقاد، وتعتبر الاستجابة لمثل هذا النوع من القلق مرضية وخطيرة، والاستسلام لهذا النوع من القلق مرضية وخطيرة، والاستسلام لهذه الهواجس يؤدي بالشخص إلى عواقب وخيمة، فقد ظل أحد الأمريكيين الذي كان يعاني من اضطرابات في جهازه الهضمي، يعتقد أنه مريض بالسرطان، ورفض الذهاب إلى الطبيب حتى لا يصارحه بهذه الحقيقة، وعندما اشتدت آلامه زار الطبيب الذي أكّد له عدم وجود السرطان، غير أنه لم يقتنع، ظناً منه أن الطبيب يهدئه، وقد قاده هذا الاعتقاد إلى الانتحار مفضلاً أن ينهي حياته، على أن يموت بالسرطان الذي توهّمه.
إن اشتداد ظاهرة القلق وتفاقمها هو أحد أهم الأسباب وراء حالة الاكتئاب، فعندما تستبد بالشخص الوساوس والهواجس يصبح عديم الارادة، ويجد نفسه عاجزاً عن مواجهة العالم المخيف باعتقاده، ويصبح سوداوياً لأن كل شيء بنظر الإنسان القلِق يستحق الحذر، فهو يستسلم لظنونه ومخاوفه إلى درجة كبيرة، وقد تقود حالات القلق العصبي أو المرض إلى أضرار نفسية كبيرة (كالانفصام أو الانتحار).
القلق يؤدي إلى الكآبة:
تعتبر الكآبة سحابة قاتمة تمر بحياة الإنسان، تظلم ضوء أيامه لبعض الوقت، إنها سحابة الكآبة العابرة، التي تصيب معظم الناس في العالم، في فترات كثيرة من حياتهم، إنها حالة نفسية حزينة قد تفاجئ الإنسان بدون سبب، وأثبتت الأبحاث الطبية الأمريكية أنّ الكآبة كثيراً ما تؤدي إلى تغيير جذري في حياة الملايين.. وتدل الاحصائيات الأمريكية أن شخصاً من بين كل شخصين يقول إنّه غير سعيد، وهذه الحالة تصيب الناس الناجحين وليس فقط الفاشلين، من الرجال والنساء، الأغنياء كما الفقراء، الصغار في السن وأيضاً الكبار، خاصة عند التقاعد، وعندما يغادر الأبناء البيت بعد أن يتزوجوا ويستقلوا بحياتهم. وهي تصيب المرأة في عدة مراحل من حياتها، فإذا كانت غير جميلة فهي دائمة الإحساس بالكآبة، بالحزن الخفي والتوتر النفسي، وأيضاً عقب الوضع قد تشعر المرأة بالكآبة عندما تجد تغييراً في نظرة الرجل وعدم اعجابه بها، أو عند اصابتها بالسمنة أو لعدم قدرتها على الإيفاء بالمتطلبات الحياتية لها وللمولود للزوج أيضاً. هناك كآبة العطلات التي تصيب بعض الناس عقب العودة من الاجازة، والمناسبات السارة، لتذكرهم ببعض الأحداث غير السعيدة في حياتهم، أو لخوفهم من انقضاء سعادتهم في لحظات، ولقد كان (ونستون تشرشل) يصاب بهذه الكآبة في بعض الأوقات، وكان يطلق على هذه الفترات من الكآبة (الكلب الأسود) لأنّ الكآبة كانت تعجزه عن أعماله الكثيرة، وتجعله يشعر أنّه غير قادر على تحقيق ما يصبو إليه.
ويتميز الشخص المصاب بالكآبة بالشكوى من التعب بدون سبب عضوي أو اجهاد، وعدم القدرة على النوم والأرق، الاستيقاظ المبكر، الامتناع عن الأكل، فقدان القدرة على الاستراحة، عدم التركيز، الشعور بعدم القدرة على القيام أو اكمال المهام اليومية الرئيسية، السرحان، فقدان الاهتمام بالحياة وبالناس وبالأصدقاء والشعور بالتعاسة، التشاؤم، فقدان الاستمتاع بالصداقة، بالمذلات الحياتية سواء الطعام أو الجنس أو الهوايات الجميلة، ويجد العمل غير ممتع، وحديث الناس مملاً والحياة سوداء غير جديرة. وهذه النظرة خطيرة لأنّها تدل على عمق الكآبة والتي قد تتحول إلى مرض الاكتئاب المزمن الذي قد يودي إلى الانتحار لدى غير المؤمنين بالله ورسله، ويشعر الفرد انّه وحيد دون حول أو قوة، أو فاقد للآمال، يلوم نفسه باستمرار ويلوم غيره على أي أخطاء ارتكبها، ويفضل النوم أكثر والهروب من الحياة أحياناً، وقد يشكو المصاب بالكآبة أحياناً من بعض الآلام الجسدية كالصداع النصفي، وآلام الظهر والآلام العضلية المتفرقة بالرقبة أو الكتف أو الجسم، وقد يشكو من الحساسية الجلدية وفقدان الرغبة أو القدرة الجنسية، وقد يصاب بفترات بكاء الكآبة، والقلق، وتشترك الكآبة في بعض أعراض القلق مثل قوة ضربات القلب وعدم انتظامها، والخفقان، صعوبة التنفس والارتعاش في اليدين أو الجسم كله.
الكآبة تفرض ظلها على الإنسان:
ذكر بحث نشرته وزارة الصحة الأمريكية عن الكآبة في المجتمع الأمريكي، أنّ الكآبة هي العدو رقم واحد للإنسان، وأنها تزحف بشكل أخطر وأسرع من انتشار السرطان والايدز، وأنها أكثر فتكاً بالروح والنفس والجسد من أي ظاهرة مرضية أخرى في العالم، ويورد البحث الكثير من الأدلة العلمية وآراء الباحثين في أخطار الكآبة وكيف أنها تؤدي في بعض الأحيان إلى الأمراض العقلية والنفسية بأكثر مما يتصور الكثيرون، ثمّ يصل إلى استنتاج أنّ الكآبة بحقيقتها لا تزال غامضة الأسباب وإن لم تكن غامضة النتيجة، لذلك يركز العلماء بحوثهم في الوقت الحاضر على محاولة معرفة أسباب الكآبة، كما تقول الدكتورة (أنغريد لازنر) من ميونيخ، فحين نعرف الأسباب الحقيقية يمكن أن نتوصل إلى علاج أفضل أو رقابة أفضل، وهذا هو المطلوب.. وهناك نظريتان حول الكآبة، الأولى تقول: (إنّ الشخص الكئيب يعاني من مشكلات كثيرة يرزح تحتها)، والثانية تقول: (إنّ الشخص الكئيب يحمل الكآبة في داخله من حيث أن نظرته إلى الحياة المتشائمة أو السلبية تؤدي به إلى حالة الكآبة). فالنظرية الأولى تعزو الكآبة لأسباب خارجية (في البيئة والظروف والآخرين) تنعكس على الشخض فتجعله كئيباً، بينما ترى الثانية أنّ الكآبة نتيجة حالة نفسية سببها الأوّل والأخير نظرة الإنسان أو تصوراته وادراكه لأحداث الحياة اليومية، وما يحيط به من مشكلات، إنّه في هذه الحالة مثل المرآة المصنوعة من زجاج غير نقي، فتنعكس صورة الأشياء عليها بشكل غير صحيح، ولكن لأنّه لم يثبت حتى الآن صحة أي من النظريتين، فقد استطاع فريق من الباحثين برئاسة الدكتور (كلايف روبنز) أن يخرج بنظرية تجمع بين الاثنتين، واعتمد في ذلك دراسة تناولت (63 شخصاً) من المعروف عنهم الكآبة إلى درجة خطيرة، واعتمد الباحثون على طريقتين، الأولى قياس درجة الكآبة بموجب المقاييس المتفق عليها والأجهزة المتوافرة من جهة، والرجوع إلى المعنيين أنفسهم في الأمر لتقدير معاناتهم من الكآبة وكيف يصنّفون وقعها عليهم، وما هي المشكلات الأكثر إلحاحاً ومضايقة لهم. والثانية: حسب ما يعتبره أكثر تأثيراً عليه بالذات، ومن المقارنة يستطيع الطبيب المعالج أن يحدد درجة إصابة الشخص بالكآبة، ويحدد أيضاً أسلوب العلاج، ومن الأمور المهمة في بحث وتحليل الكآبة وأسبابها أن يساعد الطبيب المعالج المريض على تحديد الخلل الوظيفي، أي المدى الذي يستطيع المرء فيه أن يترجم أو يفسر معاناته من الناحية السلبية، وقد تبين في تلك الدراسات أن قوة ووقع الكآبة يعتمدان ليس على المشكلة المسببة للكآبة بل على كيفية تصورها من قِبَل الشخص المصاب، ويعتبر بعض الأشخاص الذين يعانون الكآبة أنّ المعاناة هي نتيجة تكرار المشكلة الواحدة حتى ولو كانت مشكلة بسيطة بل وتافهة، لأن تكرار المشكلة قد يولد في ذهن المرء أنّه تعيس أو سيء الحظ، وهذا التصور الخاطئ أو الوهمي يولد مشاعر الكآبة بشكل حتمي، ولمواجهة هذه الاستنتاجات يصبح من المفيد جدّاً أن يستعين المرء بطبيب نفسي، أو أن يعمد هو نفسه إلى معالجة الوضع حين يعرف مسببات الكآبة.
احصائيات القلق والاكتئاب تهز العالم:
تقول الدراسات إنّ الإنسان يحتاج إلى ساعات طويلة من النوم لاستعادة نشاطه والقدرة على مزاولة عمله، وعندما يحرم من أخذ قسط كافٍ من النوم، فإنّه يصاب بمتاعب صحية واحساس بالاجهاد والتوتر، ولكن دراسة حديثة قام بها مجموعة من العلماء الأمريكيين، أكدت أنّ الأشخاص المصابين بالاكتئاب ينامون ساعات طويلة، وأن حرمانهم من النوم ليلة واحدة يمكن أن يؤدي إلى تحسن حالتهم بشكل كبير، ولكن العلماء لم يكتشفوا حتى الآن سر هذه الظاهرة، لذا فإنّ العلماء بدأوا أبحاثهم لمعرفة الصلة البيولوجية بين النوم والإحساس بالاكتئاب، وتوصلوا خلال أبحاثهم إلى عدة نظريات، ويعتقد عدد منهم أن مخ الإنسان يفرز خلال النوم عدداً من الهرمونات والكيميائيات التي تساعد على زيادة الإحساس بالاكتئاب، وعندما يستيقظ هؤلاء الأشخاص يكونون في أسوأ حالتهم، ثمّ تبدأ حالتهم النفسية بالتحسن خلال ساعات النهار، كما قام فريق من العلماء باجراء تجارب حول العلاقة بين درجة حرارة الجسم خلال ساعات النوم والاكتئاب، فقاموا بتدفئتهم جيِّداً خلال نومهم، والمعروف أنّه أثناء النوم ترتفع درجة حرارة الجسم ويكثر افراز العرق كما أن أجسامهم أفرزت كمية قليلة من هرمون (TSH) الذي تفرزه الغدة الدرقية التي يعتقد العلماء أنها تسيطر على الحالة النفسية، وفي الوقت نفسه قاموا بتجارب على مجموعة من المرضى الذين قضوا ليلتهم في جو بارد، واكتشف العلماء أنهم قضوا ليلة طيبة للغاية، الأمر الذي يؤكد أن درجة الحرارة العالية مسؤولة عن إصابة الإنسان بالاكتئاب، كما توصل العلماء خلال أبحاثهم إلى نظرية أخرى، هي أنّ الأشخاص المصابين بالاكتئاب يكونون غغير قادرين على تنظيم ساعات نومهم لأنّ الساعة البيولوجية داخل أجسامهم تكون معطلة، على عكس الأشخاص العاديين الذين يستيقظون عندما تنبههم الساعة البيولوجية إلى أنهم أخذوا قسطاً كافياً من النوم.
وتقول احصائيات الطب النفسي إن هناك حوالي (65%) من المرضى المترددين على التخصصات المختلفة في الطب يعانون مرضاً نفسياً، هذا المرض النفسي يعتبره الأطباء ممثلاً بارعاً، لأنّه يظهر في صورة مرض عضوي مثل قرحة المعدة أو الأثنى عشري، أو آلام المفاصل، أو صداع آلام الظهر، أو اضطرابات في القلب، أو الربو الشعبي، وكثير من الأمراض الجلدية، فكثيراً ما يخدع هذا المرض الأطباء في مختلف تخصصاتهم، ويستمرون في علاج المريض شهوراً بل سنوات إلى أن يفصح المريض النفسي عما يجول بداخله، ويدرك أنّه مريض قد لا يلاحظ عليه أحد أي أعراض لأنّه وحده يعاني ويتألم من الداخل، وعندما يفيض به يضطر إلى الافصاح لصديق أو طبيب نفساني. وتشير الاحصائيات أيضاً إلى أن (15%) من الناس يعانون من القلق النفسي في فترة ما في حياتهم، وأن حوالي (60%) ممن يعانون من حالات الصداع سببها مرض نفسي وليس عضوياً، وأن (33%) من حالات الغياب عن العمل تعود إلى اضطرابات نفسية، وتقول الاحصائيات أيضاً إنّ الاكتئاب والقلق النفسي أكثر الأمراض انتشاراً في العالم.
نصائح للتخلص من القلق والاكتئاب:
لقد أصبحت ظاهرة القلق والاكتئاب اليوم منتشرة بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، وخاصة لدى الذين يفتقدون نعمة الإيمان والإحساس برعاية الله تعالى لهم، من الذين يعيشون تحت وطأة المفهوم المادي للحياة، يقول الدكتور (بيتر هاوري) إنّ القلق والاكتئاب يوحيان بوجود شيء خطأ في حياة الإنسان وهو مثل الحمى أو الصداع، ويشير إلى أنّ النسبة العظمى من القلق المزمن، هي من القلق المكتسب، وكلما قلق الإنسان صعب نومه وأصبح نومه أسوأ، وكلما ساء نومه زاد قلقه، وينصح الدكتور (بيتر هاروي) بالاحتفاظ بمفكرة تحدد فيها ليالي القلق وليالي النوم المريح، والأيام السيئة والأيام الحسنة في حياة الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى أسباب القلق الليلي، وبهذه الطريقة يستطيع الإنسان أن يكشف هذه الأسباب ليعرف أنّه قلق، ويقدّم بعض الأطباء الاختصاصيين المهتمين بمكافحة القلق والاكتئاب بعض النصائح المفيدة على النحو التالي:
– النهوض من السرير في الوقت نفسه من كل يوم، مهما تغير وقت النوم في الليلة السابقة.
– الذهاب إلى الفراش لدى الإحساس بالنعاس، لا قبل ذلك.
– ممارسة بعض العادات التي تساعد على النوم، مثل الحمام الساخن، وجبة طعام خفيفة، القراءة لمدة عشر دقائق.
– ممارسة بعض التمارين الرياضية قبل ساعتين أو ثلاث ساعات من موعد النوم كالمشي أو التمارين السويدية.
– الابتعاد عن تناول الكافيين قبل ست ساعات من موعد النوم، والابتعاد عن الكحول، وعدم التدخين قبل النوم مباشرة.
– إذا لم يستطع الإنسان النوم بعد ربع ساعة من الاسترخاء في الفراش، فإن عليه أن يمضي إلى غرفة أخرى ليقرأ أو يستمع إلى راديو حتى يغلبه النعاس تماماً.
وخاتمة.. معظم حالات القلق الطبيعي قابلة للشفاء، هذا ما أكده العلماء والأطباء في مجال الصحة النفسية، ونسبة الشفاء فيها تتراوح ما بين (80) و(90%)، إلّا أن أهم طريقة للتخلص من القلق تكمن في معرفة أسبابه ومواجهتها، وهذا ما ينصح به العلماء، فبدلاً من أن تظل تخمّن علة موجودة أو متوهمة، بادر إلى الطبيب المختص للتأكد من وجود العلة أو نفيها، وما زال العلم والعلماء يقومون بأبحاثهم للتوصل إلى علاج فعال، وإلى أن نصل إلى حل لهذه الألغاز يبدو أن نصيحة الأطباء هي: دع القلق والاكتئاب وابدأ الحياة بعيداً عن الخطر.
ويبقى من المؤكد أنّ الإيمان بالله تعالى بما يتضمنه من اتكال عليه سبحانه، وتسليم بقضائه وقدره، والتماس عنايته في السرّاء والضرّاء، وارتقاب رحمته، والتقرّب إليه، هو عامل مهم وأساسي في إيجاد الطمأنينة والسكون لدى الإنسان. فإن نظرة المؤمن الإيجابية للحياة تجعله يقبل عليها بنظرة تفاؤلية وتدفعه لممارسة كل ما هو مفيد وحيوي لنفسه ومجتمعه، وللابتعاد عن كل ما يؤدي إلى ضررهما، ملتمساً بذلك رضا الله تعالى، بحيث يؤدي كل ذلك إلى الوقاية الفعّالة المباشرة وغير المباشرة التي تدفع – عادة – الإنسان (كالشاك والعبثي والضائع) إلى أتون القلق ومن ثمّ إلى الكآبة القاتلة.►
المصدر: مجلة نور الإسلام (العددان 49و50 لسنة 1994)