– التفكك الأسري:
عندما يدب النزاع بين الزوجين، ويحدث الشقاق، وتنقطع أواصر المحبة والتضامن بين أفراد الأسرة نتيجة للمشكلات المختلفة، ويدير كلّ واحد منهم ظهره للآخر فإنّ الشعور بالضياع والوحدة والانفرادية سيكون ملازماً لبعض أفراد الأسرة، وبالخصوص من هم في سن الفتوة، وهم عادة ما يكونون أكثر المتضررين من بين ضحايا التفكك والنزاعات الزوجية. إذ قد تسبب المشكلات الزوجية المزمنة في إبعاد الزوج عن عياله وأسرته فراراً من المواجهات اليومية حيث يقضي بعض الأزواج جل إقامتهم خارج البيت بعيداً عن النكد، وتبادل الكلمات القاسية، ومن الملاحظ أن سلوك بعض الآباء هذا يؤثر بشكل مباشر على استقرار أفراد الأسرة، ويعود عليهم بالآثار السلبية نتيجة انعدام الرقابة والتواصل اليومي والتفاعل الأسري.
التعاليم الدينية في مواجههة الشقاق:
ومن هنا أكّدت التعاليم الدينية على ضرورة التفاهم والتلاحم بين الزوجين وصيانة العلاقات الزوجية من المشكلات لينعم جميع أفراد الأسرة بحياة دافئة وسعيدة. يقول عزّ من قائل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19).
وفي المقابل تحذر التعاليم الدينية طرفا العلاقة الزوجية من النزاع والشقاق، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (ع): “ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتضره”.
ويقول الرسول الأكرم (ص): “ألا وإنّ الله ورسوله بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه”.
2- القسوة والغلظة في التربية:
تؤثر التربية الأسرية في صياغة شخصية الأبناء ذكوراً وإناثاً، وكلما كانت الوسائل والأساليب التربوية سليمة منسجمة مع القواعد والمفاهيم الإسلامية التي تحرص على الاعتدال والتوازن في بناء المفاهيم والأفكار، كلما حققنا نجاحاً متميزاً في صياغة الشخصية المتوازنة بعيداً عن الاضطرابات السلوكية.
والاستبداد في التربية والغلظة في التنشئة الأسرية وقمع آراء وأفكار الأبناء يولد اضطراباً في نفوسهم وخوفاً شديدة في أعماقهم وعندما يتراكم القمع والقسوة يتحول الآباء في عيون أبنائهم إلى جلادين ووحوش كاسرة وأشباح مخيفة بسبب ممارسة العنف اللفظي والأذى المعنوي وحتى البدني في حقهم، فهل بعد ذلك يمكن أن تتولد رغبة عند الأبناء في الحديث والانفتاح والتعبير عن أحاسيسهم وقضاياهم ومشكلاتهم للآباء أو تداول الرأي، وتبادل المشورة معهم؟!
إنّ الشعور بالخوف والرهبة يقتل فيهم رغبة الاتصال والانفتاح.. ومن هنا تكمن مشكلات الكثير من الشباب ومن الجنسين، فعندما توصد أمامهم الأبواب، ولا يجدون الصدور الرحبة والآذان المفتوحة من الآباء والأُمّهات فإنّهم يلجأون إلى الآخرين لينفثوا ما في صدورهم، ولينفثوا عن احتقاناته الداخلية، ويبحثون عن حلول لمشكلاتهم وقد يحدث ذلك مع أقرانهم ممن لا خبرة ولا دراية لهم في الحياة، وقد يتعلقون بهم بشكل خاطئ، وقد يفتشون بعيداً في عالم الشبكة العنكبوتية عن كلّ شيء فيزدادون تيهاً وضلالاً، وقد يحطون رحالهم في (الفيس بوك) وغيره بحثاً عن صديق حميم يتحدثون إليه ويصغي لزفراتهم وهمومهم، ويبثون إليه شكواهم، ويبادلهم الحب والتقدير والاحترام، وكم من علاقات نسجت في عوالم (الإنترنت) انتهت بخيبة، وحصدت المرارة والألم!!
3- المفاهيم الخاطئة: ثقافة العيب الاجتماعي:
ينبغي أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة شفافة يتبادل فيها الطرفان الآراء والقضايا بشكل صريح وشفاف يتعرف من خلالها الآباء على رغبات الأبناء وتطلعاتهم، إلا أن ثمة حواجز نفسية تحول بين انفتاح الأبناء على آبائهم عادة، وتقف المفاهيم الخاطئة الشائعة اجتماعياً دون انفتاح الأبناء بشكل عفوي على آبائهم بسبب ما يعرف بالحدود التي ينبغي أن تكون بين الطرفين، حيث أن من العيب الاجتماعي أن يتجاوز الأبناء حدودهم في الحديث عما يصنف أنّه خارج عن المألموف والعرف وإن كان ذلك لا يتعارض حقيقة مع مفاهيم الدين، وأحكامه الغراء، إلا أنّ الأبناء بسبب ذلك يكتمون الكثير من الأمور التي قد تصنف في قائمة العيب الاجتماعي، ويحتفظ الأبناء بالكثير من القضايا الممنوعة أسرياً لأنفسهم دون الإباحة بها لآبائهم، لكنهم يتداولونها مع أقرانهم، ويطلبون المشورة منهم باستمرار.
كما يتعذر على الكثير من الشباب ومن الجنسين إيصال رغباتهم إلى الآباء بسبب الخوف من تفسير الآباء لرغبات الأبناء على أنّه تمرد وخروج عن المألوف الاجتماعي، ولذلك يمتنع الكثير منهم عن الإفصاح عن رغباتهم عند الأسرة ولو ظاهراً في حين أنها تتناقض والواقع وإن كان يبحث عن أقرب فرصة ممكنة لممارسة رغباته تلك…
إنّ ثقافة العيب الاجتماعي أنظمة وتعليمات غير مكتوبة ومعلنة إلا أنّها تشكل عملياً نقطة ضعف في العلاقة الأسرية، وتمهد لتمرد الأبناء الصارخ على مفاهيم أسرية جامدة، وإلى أن يحين الوقت لتصحيح الكثير من المفاهيم التي تدخل في حيز “ثقافة العيب الاجتماعي” تستمر قوافل المرضى ضحايا تلك الثقافة المريضة!