مما يؤرق بعض الأسر ما يسمعونه من انحراف بعض الفتيات، ووقوعهن ضحايا للعابثين بالأعراض، في زمن سهل فيه التواصل، وكثرت فيه قنواته.
وفي الغالب فإن هذه القضية ينظر إليها على أنها حالة شاذة، جاءت نتيجة لعوامل تتصل بالمرحلة العمرية التي تمر بها الفتاة، وضعف الوازع الديني والخلقي في نفسها، ولذلك تبقى الفتاة وحدها وراء قضبان التهمة والعقوبة؛ التي قد تصل إلى التفكير في التخلص منها من قبلها شخصيا أو من قبل أهلها.
وتلك جرائم يأخذ بعضها برقاب بعض، والمشاركون في الجريمة متعددون، ولكن لا يظهر في القفص سوى الشاب والشابة، ويتوارى عن الأنظار كل المتسببين.
ما نراه، وما نتعامل معه في الجرائم العاطفية هو المشهد الأخير منها، وتبقى المشاهد الأولى حبيسة وراء الكواليس، ترفض سلطة البيت أن تفصح عنها، أو تفسح لها.
الفتاة كتلة من اللهيب المتفجر بين حنايا المنزل الكابت لعواطفها، المتجاهل لما يعتمل في داخلها، والذي جمع بين أمرين؛ الأول: السماح لها بالخروج كما تشاء، والاتصال بمن تشاء دون تيقظ لخطورة المرحلة العمرية التي تعيشها، والزمنية التي نعيشها. والأمر الآخر: تجاهل مشاعرها، وعدم إشباعها عاطفيا؛ مما يبقيها ظامئة صادية، تترقب القطرات، وتكون مهيأة للتأثر بأية كلمة ساقطة كاذبة من هنا وهناك، ولو كانت تعلم بأن صاحبها أكذب من مسيلمة.
ظهر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن هذه العلاقات غير الشرعية تبدأ بدوافع عبثية، أو نتيجة فراغ عاطفي، أو لبث شكوى معاشة، ثم تتطور حتى تصل إلى الإجرام المغرق، وربما الاحتراف فيه، وبعد التيقظ لأي سبب؛ يكون الخوف والهروب من الواقع بوسائل سيئة هي النوافذ التي يفتحها الشيطان أمام الفتاة خصوصا.
وإن كثيرا من وسائط التوعية بخطورة هذه الانحرافات في بداياتها لا تصل إلى الفتاة، بسبب بعدها عن المسجد والندوات والقراءة، وانغماسها فيما يغذي الجانب الجسدي المهيج للجنس، من خلال الوسائل المتوافرة في بعض البيوت من فضائيات ومواقع ومجلات مهمتها ترويج الرذيلة والإغراء بها.
ومن خلال دراسة استطلاعية على مجموعة من النساء المقبوض عليهن في جرائم عاطفية، تراوحت أعمارهن بين 15-37 سنة تبين بأن 34.5% منهن ذوات علاقات واسعة لعدد من الشباب، أي أنهن احترفن الجريمة، بينما لم تتجاوز النسبة 15% منهن وقعن في معاكسة هاتفية مع معاكس واحد.
ومما يدلل على بواعث العبث الجنسي الذي يتساهل فيه كثير من الناس، أن 29.3% منهن سبق لهن مشاهدة الأفلام الجنسية، و13.8 منهن كان المعاكس هو مصدر المادة.
ومن خلال اللقاءات التوعوية التي قدمتُها في بعض المدارس والكليات في مدن مختلفة، وجدت أن هناك من يسوق لهذه الانحرافات، وأن أرقام الشباب تروج كالمخدرات من قبل مأجورات، بينما تنتهي المحاضرات والبرامج التدريبية الموجهة إليهن بأوبة بعضهن، وإعلان التوبة من خلال الأوراق الموزعة عليهن، ويمتزج بذلك خوف شديد من مغبة ما حدث، والبحث عن خلاص من الماضي.
إن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم بواجب حماية الأعراض ـ حمى الله من يحمي عرضها ـ وتسلك إلى ذلك سبيل الستر، وما تحيله إلى الجهات المختصة قليل جدا مما تصل إلى اكتشافه، ولكن ذلك ينبغي ألا يكون سبيلا لتكرار المأساة؛ كما يقع فعلا من بعض من الفتيات، بسبب عدم قيام الأهل بواجبهم في إرشادها دينيا، وإشباعها عاطفة وانتماء للأسرة.
وحتى نكون منصفين، فإن الشاب ليس دائما هو المبادر، بل إن بعض الشباب ضحية لبعض البنات؛ حين تخرج من بيتها متبرجة لافتة لنظره بتكسر مشيتها، وعباءتها المزخرفة، وعطرها المتوهج، ومكياج السوق كما يسمونه.
إن هذه العلاقات التي نخشى أن تكون ظاهرة في مجتمعنا المحافظ تستدعي خطة أمنية متكاملة، تنهض بها أجهزة متعددة؛ أمنية، وشرعية، وتربوية، وأهلية، لنحافظ على ضرورة من أكثر الضرورات خطورة؛ لعلاقتها بحق الله تعالى، وبالنسل؛ الذي يطعن في اتجاهين؛ اختلاط المياه في المتزوجات، واللقطاء في غيرهن، والأمر أكبر من مقال، وإن كان لا يزال في دائرة الشاذ !!