الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

الغيرة المحمودة فريضة شرعية وضرورة بشرية



 

إن الغيرة من الأخلاقيات التي حث عليها الإسلام وزكَّاها ورغَّب فيها وامتدح أصحابها. ولكي يغرس الإسلام هذا الخلق ويؤصله في نفوس المسلمين جعل الحياء هو خلق الإسلام الأول، وأمر المسلمين بغض البصر وحفظ الفرج، وحرَّم الخلوة بالأجنبية، ونهى أن تسافر المرأة وحدها حتى ولو كانت مسافرة للحج إلا مع مَحرم، وأباح للرجل أن يتخلف عن الجهاد ليصحب زوجته في سفرها للحج، إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي سداً لكل الذرائع التي قد تذهب الحياء وتخمد الغيرة في نفوس أصحابها فتنتشر الرذيلة وتعم الفاحشة وتنهار الأخلاق وتتقطع الأواصر وتظهر الأمراض التي لم توجد في أسلافنا.

قال تعالى: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور 30 – 31].

  • يقولُ صاحب الظلال في تفسير الآيتين: ” إن الإسلام يهدفُ إلى إقامة مجتمعٍ, نظيف، لا تُهاجُ فيه الشهوات في كلِّ لحظة، ولا تستثارُ فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، والنظرة الخائنة، والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنعُ شيئاً إلاَّ أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون! وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاءِ مجتمعٍ, نظيف، هي الحيلولة دون هذه الاستثارة، وإبقاء الدافع النظري العميق بين الجنسين سليماً، وبقوته الطبيعية، دون استثارة مصطنعة، وتصريفه في موضعه المأمون النظيف “.
  • كما يقول أيضاً: ” إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي; لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض; وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها، فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته; وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة، فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة! والنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية، ثم يلبي تلبية طبيعية، وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد! “.
  • إن الغيرة طابع إنساني فطري لا يفهم معناها إلا إنسان قد امتلأ قلبه بالنخوة، وعقله بالحكمة، وسلوكه بالاتزان ووجدانه بالحب والحنان، والرجل والمرأة في الغيرة سواء غير أن المرأة بحكم طبيعتها أكثر من الرجل في هذا الجانب وهذا يتطلب حسن توجيهها وحسن ترشيد سلوكها في هذا الجانب والصبر عليها أيما صبر حتى لا تكون كالبركان الذي يُهدد أمن الأسرة واستقرارها.
  • إتماماً للفائدة سأقوم – بفضل الله تعالى – باستعراض هذا الموضوع في نقاط محددة:

1- أهمية الغيرة المحمودة: إن الغيرة المحمودة بها تُصان الأعراض، وتُحفظ الحدود والحرمات، وهي دليل على الإيمان القوي فكلما قل الإيمان من القلب كلما انفرط حبل الغيرة فلا ترى إلا التبرج والخلاعة والفجور والميوعة.

  • يقول ابن القيم – رحمه الله – فى الفوائد: ” إذا رحلت الغيرة من القلب.. ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله “.
  • وقال أيضاً: ” من عواقب المعاصي أن تطفئ في القلب نار الغيرة “.

2- الغيرة المحمودة توصل إلى أعلى الدرجات: إن الغيرة المحمودة في ديننا من أصل الدين وقد يصل بسببها الإنسان إلى مرتبة الشهداء.

  • عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ ” (سنن النسائي).

3- الغيرة المحمودة مِشرط حَجَّام وليست سيف فارس: إن الغيرة في ديننا لا يجب أن تكون سيفاً مُسلطاً على رقبة الزوجين يُنغص حياتهما ولا أن تكون خِنجراً في خِصر الأسرة يطيح بسعادتها وأمنها واستقرارها بل غيرة عقلانية معتدلة تقوِّم المِعوج وتهذب المائل وتُقيل عثرة المتعثر لأنه إذا اشتعلت نار الغيرة الهوجاء في النفوس لفقدت الثقة بين الزوجين ولخوَّن كلاً منهما الآخر وطلب مبرراً لكل كلمة ولكل تصرف ولاستحالت الحياة بذلك.

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من الغِيرةِ ما يُحبُّ اللهُ، ومنها ما يكره اللهُ، فأما ما يحبُّ، فالغِيرةُ في الرِّيبةِ، وأما ما يكره فالغِيرةُ في غيرِ رِيبةٍ ” (صحيح الجامع).

كان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه يقول: ” لا تكثر الغيرة على أهلك فتٌرمى بالسوء من أجلك “.

4- الحب ليس شرطاً للغيرة المحمودة: إن الغيرة المحمودة في ديننا وإن كانت دليل على النخوة والحكمة والاتزان النفسي والسلوكي فليس بالضرورة أن تكون دليل حب بين الزوجين فقد ينقص الحب وقد يختلف الزوجين أيما اختلاف ولكن تظل الغيرة بينهما قائمة بباعث الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها.

  • جاء في ” البداية والنهاية ” لابن كثير رحمه الله: ” أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري (مدينة في إيران) فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار فأنكره فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تُسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها. فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة “. زاد الحافظ السمعاني في ” الأنساب “: ” فقال القاضي وقد أعجب بغيرتهما: يُكْتَبُ هذا في مكارم الأخلاق “.

5- الغيرة من أخلاق الجاهلية قبل الإسلام: عندما تذكر كلمة الجاهلية يتبادر إلى الذهن سيل من الفواحش والرذائل والمنكرات ولكن المجتمع الجاهلي شأنه شأن أي مجتمع آخر كان يوجد به من أخلاق الفطرة ما يستحق الإشادة مثل المروءة والكرم والشجاعة والغيرة.. الخ غير أن هذه الأخلاقيات كانت بدافع فطري وليست بدافع عقائدي.

لقد كانت الغيرة من أخلاق الجاهلية قبل الإسلام وكان من كمال الرجولة وتمام المروءة الحفاظ على أعراض الآخرين.

وكان مما قاله عنترة في هذا الشأن قوله:

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ♦♦♦ حتى يواري جارتي مأواها

  • ولقد كانت تقوم بين القبائل في الجاهلية حروب طاحنة بسبب الغيرة على عِرض المرأة وصيانة لشرفها وكان من أبرز الأمثلة على ذلك ” حرب الفِجَار الثالث “.
  • إن ” حرب الفِجَار الثالث ” في الجاهلية كان سببها أن مجموعة من الشباب من ” كنانة ” قد تحايلوا وكشفوا سوأة امرأة في ” سوق عكاظ ” لأنها رفضت أن تُسفر لهم عن وجهها، فلما فعلوا فعلتهم بها استغاثت واستنجدت بقبيلتها ” آل عامر ” وتشيعت لكل قبيلة من يناصرونها ودارت بينهم حرب ضروس غِيرة لعِرض امرأة.
  • ومن شواهد الغيرة في الجاهلية أيضاً: ” يُحكى أن أعرابياً في الجاهلية زُفّت إليه عروسه على فرس، فقام وعقَر تلك الفرس التي ركبت عليها العروس، فتعجب الجميع من حوله وسألوه عن سرِّ عمله فقال لهم: خشيت أن يركب السائس مكان جلوس زوجتي ولا يزال مكانها دافئاً!
  • ومن شواهد الغيرة في الجاهلية كذلك: ” معركة ذي قار ” الشهيرة التي قامت في جنوب العراق بين العرب والفرس إنتصر فيها العرب وكانت من أعظم أيام العرب حيث كسروا فيها شوكة العجم في ذلك الوقت.

وكان سبب المعركة أن كسرى بن هرمز ذكر يوماً الجمال العربي، وكان في مجلسه رجل عربي يقال له: زيد بن عدي، وكان النعمان قد غدر بأبيه وحبسه ثم قتله، فقال له: أيها الملك العزيز إن خادمك النعمان بن المنذر عنده من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة.

أرسل كسرى زيداً هذا إلى النعمان ومعه مرافق لهذه المهمة، فلما دخلا على النعمان قالا له: إن كسرى أراد لنفسه ولبعض أولاده نساءاً من العرب، فأراد كرامتك، وهذه هي الصفات التي يشترطها في الزوجات. فقال له ا لنعمان: أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته؟ يا زيد سلّم على كسرى، قل له: إن النعمان لم يجد فيمن يعرفهن هذه الصفات، وبلغه عذري.

وصل زيد إلى كسرى فأوغر صدره، وقال له: إن النعمان يقول لك: ستجد في بقر العراق من يكفينك.

استشاط كسرى غضباً وجيش الجيوش لتأديب العرب على رفضهم تسليم بناتهم له ولأبنائه ولكن الحمية العربية في ذلك الوقت وغيرة العرب على أعراضهم وشرفهم واستنكارهم لطلبه جعلهم أيضاً يجيشوا جيوشهم وهزموا جيوش كسرى.

6- الإسلام لم ينسخ أي خلق قويم: عندما جاء الإسلام لم ينسخ ما وجده في المجتع الجاهلي من أخلاقيات حميدة ومن بين هذه الأخلاثيات خلق الغيرة الذي أقرَّه الإسلام وهذبه وأمر به المسلمين وفي الأحاديث النبوية وحياة الصحابة والتابعين شواهد كثيرة على ذلك.

أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن اللهَ يغارُ. وإن المؤمنَ يغارُ. وغيرةُ اللهِ أن يأتيَ المؤمنُ ما حرم عليه ” (رواه مسلم).

ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” المؤمنُ يغارُ واللهُ أشدُّ غَيْرًا ”     (رواه مسلم).

ج- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ” يا أمَّةَ محمَّدٍ، ما أحدٌ أغيَرَ مِن اللهِ أن يَرى عبدَه أو أمَتَه تَزني، يا أمَّةَ محمَّدٍ، لو تَعلَمون ما أعلَمُ، لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا “. (رواه البخاري).

د- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرج من عندها ليلًا. قالت فغِرْتُ عليه. فجاء فرأى ما أصنع. فقال ” مالكِ؟ يا عائشةُ! أَغِرْتِ؟ ” فقلتُ: وما لي لا يغارُ مثلي على مثلِك؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ” أقد جاءك شيطانُكِ؟ ” قالت: يا رسولَ اللهِ! أو معي شيطانٌ؟ قال ” نعم ” قلت: ومع كلِّ إنسانٍ؟ قال ” نعم ” قلتُ: ومعك؟ يا رسولَ اللهِ! قال ” نعم. ولكنَّ ربي أعانَني عليه حتى أسلمَ ” (رواه مسلم)

هـ- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عندَ بَعضِ نِسائِه، فأَرسلَتْ إِحْدى أُمَّهاتِ الْمُؤمِنينَ بِصَحْفةٍ فيها طَعامٌ، فضَربَتِ الَّتي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بَيتِها يدَ الخادِمِ، فسَقَطَتِ الصَّحْفةُ، فانَفلَقتْ، فجَمعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فِلَقَ الصَّحفَةِ، ثُمَّ جعَلَ يَجمَعُ فيها الطَّعامَ الَّذي كان في الصَّحْفةِ، ويَقولُ: غارَتْ أُمُّكم! ثُمَّ حَبَسَ الخادِمَ حتَّى أُتِيَ بِصَحْفةٍ مِن عندِ الَّتي هوَ في بَيتِها، فَدفَع الصَّحْفةَ الصَّحيحةَ إلى الَّتي كُسِرت صَحفتُها، وأَمسَك المَكسورَةَ في بَيتِ الَّتي كَسَرَت ” (رواه البخاري).

و- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال، قال سعدُ بنُ عبادةَ: ” لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي لضربتُه بالسيفِ غيرَ مُصْفِحٍ عنه. فبلغ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. فقال ” أتعجبون من غَيْرَةِ سعدٍ؟ فواللهِ! لأنا أغيَرُ منه. واللهُ أغيَرُ مني. من أجلِ غَيْرَةِ اللهِ حرَّمَ الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بطنَ. ولا شخصَ أغيَرُ من اللهِ. ولا شخصَ أحبَّ إليه العذرَ من اللهِ. من أجل ذلك بعث اللهُ المرسلين مبشِّرين ومنذرين. ولا شخص أحبَّ إليه المدحَةَ من اللهِ. من أجل ذلك وعدَ اللهُ الجنةَ “. وفي روايةٍ: غيرُ مُصْفِحٍ. ولم يقل عنه ” (رواه مسلم).

ز- عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّةَ… الدَّيُّوثُ، والرَّجِلَةُ من النِّساءِ، ومُدمنُ الخمرِ ” قالوا يا رسولَ اللهِ! أما مدمنُ الخمرِ فقد عرفْناه، فما الدَّيُّوثُ؟ قال: ” الذي لا يُبالي من دخل على أهلِه ” قلنا: فما الرَّجِلَةُ من النساءِ؟ قال: ” التي تشبَّه بالرجالِ ” (صحيح الترغيب).

ح- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ” بينما نحن عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جلوسٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (بينما أنا نائمٌ رَأَيْتُني في الجنةِ، فإذا امرأةٌ تتوضأُ إلى جانبِ القصرِ، فقلت: لِمَن هذا؟ قالوا: هذا لعمرَ، فذَكَرْتُ غَيْرَتَه، فوَلَّيْتُ مُدْبِرًا) فبكى عمرُ وهو في المجلسِ ثم قال: أَوَ عَلَيْكَ يا رسولَ اللهِ أغارُ؟! ” (رواه البخاري).

7- الغيرة تخطت الإنسان إلى بعض الحيوانات: إن الغيرة قد تخطت الإنسان إلى بعض الحيوانات فنجد منها ما يغار على أنثاه أيما غيرة ولا يسمح لذكر غيره أن يقترب منها.

  • عن عَمرِو بنِ مَيمُونٍ رضي الله عنه قال: ” رأيتُ في الجاهِليَّةِ قِرْدَةً اجتَمَعَ عليها قِرَدَةٌ، قد زَنَت، فرَجَموها، فَرَجَمتُها معهُم ” (رواه البخاري).
  • قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه آخر مطولة، من طريق عيسى بن حطان، عن عمرو بن ميمون قال: كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف، فجاء قرد من قردة فتوسد يدها، فجاء قرد أصغر منه فغمزها، فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته، فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق، فاستيقظ فزعا، فشمها فصاح، فاجتمعت القرود، فجعل يصيح ويومئ إليها بيده، فذهب القرود يمنة ويسرة، فجاءوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرة فرجموهما، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم” أ هـ.
  • جاء في ” عيون الأخبار ” لابن قتيبة رحمه الله قال: ” قال العرب قديماً: ” ليس شيء يجتمع فيه الزواج والغيرة إلا الإنسان والقرد “.
  • جاء في ” فتح الباري ” قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في ” كتاب الخيل ” له من طريق الأوزاعي: أن مُهراً أُنزي على أمه فامتنع، فأدخلت في بيت وجُلِّلَت بكساء وأُنزي عليها فنزى، فلما شم ريح أمه عمد إلى ذكره فقطعه بأسنانه من أصله، فإذا كان هذا الفهم في الخيل مع كونها أبعد في الفطنة من القرد فجوازها في القرد أولى “.
  • أنزي: النَّزْو: الوَثَبانُ، ولا يقال إلاَّ للشاء والدَّوابِّ والبقر في معنى السِّفاد والمُوَاقعَة.
  • جُلِّلَت بكساء: أي غُطِّيت بكساء.
  • جاء في موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ما نصه: ” بعض ذكور الحيوانات يعتريها حالة من الغضب الشديد إثناء موسم التزاوج تعبيراً عن الغيرة الشديدة علي إناثها , فقد وجد أن ذكور الإبل تتغير سلوكياتها في موسم التناسل بحيث لأتسمح لأي كان أن يقترب من قطيع إناثها, فتري الذكر في حالة الهياج وقد اخرج كيس منفوخ من جانب الفم يُطلق عليه الطرف الحلقي ويصاحب ظهور الكيس صوت مُزعج يُرهب به من يسمعه , ثم يخرج إفرازات من غدد قرب الأذنين ويحك بها الأشياء في منطقة الحياض الخاصة به, فإذا ما اشتمها حيوان غريب أدرك قدر الخطر المحدق به فيولي مبتعدا عن هذه المنطقة “.

وختاماً:

  • بالرغم من كل ما سبق ما زلنا نجد بوماً ينعق وغرباناً تحوم.. مطالبين بالتحرر بدعوى التحضر وأن التحرر هذا – مجرد تنفيس للرغبات الحبيسة، ووقاية من الكبت، وتخفيف من حدة الضغط الجنسي، وما وراءه من اندفاع غير مأمون… إلى غير ذلك من الشعارات التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.
  • وبالرغم من كل ما سبق نجد من يروج للزوج وللزوجة وللوالد والوالدة أن الغيرة دليل على ضعف الشخصية وقلة التقدير وما إلى ذلك من مفاهيم وعبارات وشعارات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
  • بسبب هذا المفهوم الخاطئ يختلط الحابل بالنابل فتجد الأسرة قد تفسخت وذهب كل فرد منها في طريقه الذي اختاره وارتضاه لنفسه – حسب هذا المفهوم – فهذا يسهر مع صديقاته وهذه في رحلة مع أصدقائها دون قيد ودون خجل ولا حياء.
  • وبسبب هذا المفهوم الخاطيء تنهار الأخلاق وتضيع القيم ويحدث ما لا يُحمد عُقباه من جرائم أخلاقية بشعة تعافها النفس السوية بل تعافها حيوانات البرية.

إن الإنسان إذا تجرد عن غيرته فقد تجرد من آدميته ولارتقت البهائم عليه درجة.

 

 

 

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/125667/#ixzz5N1wdiNf0

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم