الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

الطلاق العاطفي



مقاربة مصطلح الطلاق العاطفي مع الطلاق الشرعي، تجعل منه شيئًا مخيفًا بالفعل، وهو كذلك في الحقيقة؛ كيف ذلك؟

مما ينضح به الواقع المؤلم للأسرة الشرقية اليوم، هموم مكبوتة من الجانبين، وليس من جانب واحد فقط كما كان الأمر قبل عَقد من الزمان على الأقل؛ حيث كانت المرأة هي التي تشكو من الرجل، تشكو من صدِّه، ومن ظلمه، ومن عنفه، ومن إهماله، ومن جفافه، فتلجأ إلى صديقة؛ لتبثها وَجدها، وحُرقتها، وقد تلجأ إلى صديق!! يبدو هكذا في البدء، ويُبدي كثيرًا من التدين والعفة والرغبة الجامحة في معالجة الوضع، (ضل من ظن يومًا أن للثعلب دينًا).

ومنذ أكثر من عشر سنين، نبتت شوكة أخرى في غصن الأسرة الرطيب؛ حيث بات الرجل يتشكى – أيضًا – من انشغال زوجته عنه بعيالها، أو بوظيفتها، أو باستثماراتها، أو حتى بمهاتفاتها، وتسوقها، وقد يشكو من كونها أقل من المستوى الذي يطمح إليه جمالاً، أو ثقافةً، أو تدينًا، أو مدنيةً، أو حتى تغُنجًا واحترافًا لما يُسعده في نظره هو بالطبع.

ويضعف الترابط بالتدريج، ثم يسقط فجأة كتفاحة ناضجة هزتها رياح ناعمة من خارج محيطها!!

خلال هذه المرحلة لا يستطيع أحد أن يصارح الآخر، ولا أن يبوح له بمكنونه؛ خشية من اتخاذ قرار بالانفصال، لن يكون – غالبًا – في صالح أيّ منهما، ولا في صالح الأولاد.

فتتكثف هذه الأحاسيس المكبوتة في جدران النفس، حتى تصبح طبقة صلبة، تشبه الشوائب والطحالب التي تبني جدارًا آخر داخل جدران خزان المياه!!

فتبرز عدد من المظاهر؛ تصحر البهجة في الوجه، وانطفاء الابتسامة، وتباعد فترات الشوق، وقلة التعبير عن الحب، بل انحساره تمامًا، وعدم الرغبة في المعاشرة الزوجية، والبحث عن وسائط أخرى للتواصل مع الجنس الآخر، حلالاً أو حرامًا!!

ثم تتسع الفجوة، بانقسام فراش النوم، وطاولة الطعام، وكثرة المخالفة للآراء، وتجييش الأولاد في الحرب الباردة، وانقسامهم بين الطرفين.

وربما كان الصمت هو الشرطي المسيطر على الموقف، مما يقطع فرص الحوار الناجح، أو محاولات الإصلاح.

كل ذلك بدأ، وتصاعد، دون أية سانحة تجعل من إمكانية احتواء الموقف، وتفهم الطرف الآخر أمرًا يحتمل الوقوع.

انشقاق أي فرد في الأسرة يربك أدوارها، ويترك فراغًا إداريًّا، كما يترك فراغًا عاطفيًّا سحيقًا، يجعل المستقبل مليئًا بالضباب والغموض والخوف من المجهول لكلا الطرفين.

إن نمو فيروس الطلاق العاطفي لا يكون فجأة، بل تهبه البيئة المناسبة لنمائه جوًّا فيه كل الخصائص التي يرغبها؛ من تجاهل لوجوده، وحِيَل نفسية يهرب بها صاحبها من الواقع، ودفاع عن المواقف العاطفية الخاطئة دون محاولة لاستصلاحها.

المفاجآت التي يخبئها الطلاق العاطفي غريبة دائمًا، غير متوقعة من الطرف الآخر، قد يكون منها مرض نفسي، أو مرض جسدي، أو علاقة محرمة، أو سقوط في مهاوي إدمان الخمور والمخدرات ومشاهدة الأفلام الإباحية النكدة، أو حتى العادة السرية الكئيبة؛ ليتم التعويض البغيض عما افتقده من وجود فعلي، وتحقيق للذات من خلال العلاقة الزوجية السوية.

والعلاج يكمن في التنبه للبدايات، ومباشرة معالجاتها، والصراحة التامة بين الزوجين في طرح المشكلة، واستكمال الخلل، أو التفاهم الصريح على ضرورة التغيير أيًّا كان ذلك التغيير، لتنتقل الأحداث من التجويف النفسي، إلى التعبير اللفظي، هناك سيرتاح الطرفان، وتأمن الأسرة بإذن الله تعالى.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم