الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

الطريق إلى السعادة الزوجية



قبل الزواج يكون الشاب مفعمًا بالمشاعر الفياضة تجاه زوجة المستقبل، وكذلك الفتاة تكون أكثر انشغالًا بخطيبها. ويرسم كلا الطرفين صورة خياليَّة لعلاقته بصاحبه بعد الزواج.. وتمضي شهور الزواج الأولى سريعة مليئة بالفرح والبهجة.. ولكن سرعان ما تختفي البهجة وتبدأ المشكلات الصغيرة تتراكم حتى تُبعد كلا الطرفين عن صاحبه خطوة.. الفتور بين الزوجين هو مشكلة المشكلات، فكيف نستطيع أن نقضي على هذا الفتور؟!

حوار فكري
ويقول د. محمد عبد السميع فرج (أستاذ الصحة النفسية وأخصائي الاستشارات الأسرية): إن علاج مشكلة الفتور بين الزوجين يبدأ منذ الاختيار وقبل الخِطبة؛ من خلال مراعاة التكافؤ الاجتماعي والتعليمي والثقافي والفكري.

ويُستحسن أن يكتشف كل طرف صاحبه؛ كيف يفكر، وما مستوى تفكيره واهتماماته.. لأنه بعد الزواج سيكون الحوار هو المدخل للتفاهم والقضاء على الملل والفتور بين الزوجين، وسوف تكون كارثة إذا كان الحوار من طرف واحد فقط وهو الزوج أو الزوجة بما يملكه من ثقافة وأسلوب تفكير مرتفع.

فكثير من الأزواج يشكون من أن زوجاتهم لا يشاركنهم الحوار الفكري والثقافي، وأنهن منغمسات فقط في شئون المطبخ وتربية الأطفال ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية.

فلو كانت الأرضية الثقافية والفكرية عند الزوجين مشتركة ولديهما الدرجة نفسها في أولوياتهما الفكرية والثقافية فسوف يملأ الحوار بينهما ساعات طويلة وممتدة من وقت الفراغ، ويعمل الحوار على التقريب أكثر بينهما.. وفي ظروف معينة قد يكون المستوى الفكري عامل ضعف إذا كان كل من الطرفين له طريقة مختلفة عن صاحبه في الاهتمام بالقضايا.. أو كان انتماؤه السياسي مخالفًا لصاحبه.. ورغم أن هذه حالات قليلة وشبه نادرة إلا أن الحذر منها مطلوب.

المجتمع المغلق قتل الحوار
بينما تقول د. سعيدة أبو سوسو (رئيس قسم علم النفس بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر): “إن طبيعة الحياة الحديثة تتجه نحو الانغلاق.. بمعنى أن السكن أصبح في شقة مغلقة وليس في بيوت مفتوحة الأبواب كما كان الحال في الماضي، لدرجة أن الجار الآن لا يعرف جاره الذي يسكن في الشقة المقابلة له، ولا يلقي عليه السلام، بل إن هناك من يموت داخل شقته ولا يعرف أحد بموته إلا بعد أن تفوح رائحته”.

هذا النمط من الانغلاق، مضافًا إليه عدم وجود منتديات وأسر ممتدة.. جعل الزوج يعاني بعض الاضطراب وقلة التواصل والتفاهم والحوار، ومن هنا كان لزامًا أن يجدهما داخل أسرته مع زوجته وأولاده، حتى يغسل نفسه تمامًا من كل الأمور التي تضايقه، أما ما يحدث داخل بيوتنا الآن فهو العكس، بمعنى أننا نجد الزوج بشوشًا منطلقًا ضاحكًا متكلمًا بين زملائه وأصدقائه، وبمجرد دخوله المنزل يتحول إلى إنسان عابس متجهِّم لا ينطق بحرف واحد، وإذا تكلم افتعل المشكلات مع زوجته وأولاده.

هذه الحالة المنتشرة كثيرًا في بيوتنا هي أزمة يجب حلها.. أزمة يحلها الطرفان.. الزوج والزوجة، من خلال التعب والمعاناة في الوصول إلى أرضية للتلاقي حولها. سواء بالقراءة المشتركة أو الرحلات الخلوية أو المذاكرة للأبناء.. إلخ، فحالة الصمت بين الزوجين مقدمة لمشكلات أكثر قد تحدث مستقبلاً، ولذا لا بد أن يسارع الطرفان إلى حل المشكلة، وعلى كل طرف أن يبدأ ببذل المزيد من الجهد من طرفه هو للخروج من المأزق.

المودة والرحمة مفتاح لعلاج الفتور
أما د. أحمد عبد الرحمن (أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الأخلاق)، فيقول: “إنَّ القرآن الكريم قد أعطانا المفتاح لعلاج قضية الفتور بين الزوجين من خلال قول الله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، فالمودة والرحمة هما الأساس في العلاقة الزوجية.

إن مشكلتنا الآن أننا نعاني من مشكلات ضاغطة في مجتمعاتنا؛ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لا ترحم، والناس لا يرحم بعضهم بعضًا، ونحن أدخلنا عدم الرحمة إلى داخل بيوتنا مع زوجاتنا وأولادنا.

إننا نسمع الآن عن رجال يعاملون زوجاتهم وأولادهم بقسوة لا توصف، ولا تلين قلوبهم.. وترد عليهم نساؤهم بانتقام أشد قسوة. كل ذلك لأننا أخرجنا من قاموسنا “المودة والرحمة”. إن لين الجانب إذا كان هو منهج الرجل في التعامل مع أهله والتغافر معهم والتصافح عن التقصير.. سيجعل زوجته ترتبط به وتحبه وتفضله على نفسها، وتسمع له في كل ما يقول، أما المشكلة فهي أن كثيرًا من الرجال يفهمون معنى الرجولة خطأ، فالرجولة عندهم هي خشونة الصوت والسبّ والضرب والركل والإهانة.

إن من العيب على الرجل أن يكون مصدر إسعاد لزملائه في جلساتهم، وفي الوقت نفسه يكون مصدرًا للنكد والهم والكبت داخل منزله.

ويؤكد د. أحمد أن وسائل الإعلام والأدب السائد في مجتمعاتنا من قصة ومسرحية ورواية وخلافه أساء إلى العلاقة بين الزوجين، فالكل يحرض الزوجة على زوجها وعلى حماتها بدعوى الاستقلالية والكفاءة في الندية وعدم العبودية، وما أحوجنا إلى أدب إسلامي يعيد تقويم هذه العلاقة، ويغرس في نفس الفتاة منذ صغرها صورة احترام زوجها، والعجيب أن أمهاتنا وجدّاتنا اللاتي لم يتعرضن لهذا الأدب كن يتعاملن مع أزوجهن باحترام بالغ.

دورة تأهيليّة قبل الزواج
بينما ترى د. صابرين أبو الخير (أستاذة علم الاجتماع بجامعة طنطا) أنّ “المجتمع نهمل كثيرًا في إعداد شبابنا وفتياتنا قبل الزواج، والأمر أصبح هامًا، حفاظًا على أسرنا من التفكك، وحتى لا تتزايد حالات الطلاق عن معدلها المرتفع الآن، لا بد أن تحصل الفتاة على منهج علمي مركّز مشروح بالمحاضرات، ومن خلال تجارب سيدات محترمات يوضحن لها كيف تتعامل مع زوجها، وكيف تتصرف وقت الأزمات لتحمي بيتها من الانهيار، وكيف تحافظ على زوجها حتى لا يخرج من المنزل إلى المقاهي ومصاحبة “الشلة”، وكيف تعامل زوجها إذا غضب، ومعنى احترام وطاعة الزوج وحدودها، وكذلك على الزوج أن يحصل على منهج مماثل؛ لأن الملاحظ أن كثيرًا من الأزواج يعاملون زوجاتهم باحتقار بالغ، وكأنهن لسن (أولاد ناس) بل عبيد”.

وترى د. صابرين أن الخلافات بين الزوجين أمر طبيعي وعادي، ولا يوجد زوجان وليس بينهما خلافات، والفيصل بين التغلب على هذه الخلافات وتجاوزها، كأنها لم تكن، وبين استفحال هذه الخلافات حتى تتحول إلى سدود وعراقيل وخبرات سيئة بين الزوجين.. الفيصل هو في طريقة التعامل معها واحتوائها.

لكن الخلافات المستمرة التي تزيد ولا تنقص مؤشر سلبي، وزيادة الخلافات والمشكلات الصغيرة معناه زيادة مساحة النفور ومن ثم الفتور، وأحيانًا تتجاوز الخلافات إلى أسرتي الزوجين، بمعنى أن تمتد خناقات الزوج والزوجة إلى الأسرة، وهنا يكبر النفور وتزداد مساحته.

وتقترح د. صابرين أن تكون الرحلات إلى المناطق الشاطئية والحدائق والمنتزهات وسيلة من وسائل علاج الفتور، وإعداد وليمة ودعوة الأهل والأقارب لها بنيَّة صلة الرحم من ناحية، ومن ناحية ثانية لإيجاد الوقت المناسب لحوار عائلي وأسري دافئ، ومن ناحية ثالثة لملء وقت الفراغ بشكل جيد.

المصدر الإسلام اليوم.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم