الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

الصحّة النفسيّة.. معلومات مفيدة للجميع



 

 

إنّ بعض الناس لا يبدي أهمية لموضوع الصحة النفسية برغم ارتباطها بالكثير من الأمراض الجسدية، وفي بعض الأحيان تكون خطورتها أشدّ من الأمراض الجسمية المختلفة. إنّ الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية تؤدي إلى خلل نفسي وصحي ينعكس على جسم الفرد وسلوكه.

– ما المقصود بالصحة النفسية؟

وردت تعريفات متعددة لها، منها ما ذكره د. شريت ود. حلاوة أنها “قدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه”. وأرى أن تعريف الصحة النفسية بأنها خلو الفرد من الأمراض العقلية والنفسية وقدرته على التكيف والتلاؤم مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه ومتغيراته ومشكلاته.

– موضوع الصحة النفسية:

تواجه الإنسان في الحياة مشكلات كثيرة، لذا يجب عليه أن يتكيف معها تكيفاً معقولاً؛ ولكن لا ننسى أنّ هذا التكيف يكون أحياناً ملائماً وقد يكون غير ملائم. فخوف الانسان من الحيوان يعد تكيفاً مقبولاً.. أمّا مشاهدة الانسان للقتل والدم أو المياه العميقة، فيعد تكيفاً غير ملائم.

إنّ الإنسان في حاجة للمحافظة على صحته النفسية وعلى تقوية وظائفه العقلية والنفسية حتى يستطيع مواجهة الصعاب، وتتطلب عملية تكيف الانسان المواءمة بين النزعات المتعارضة مثل السرقة والخوف من عقاب الضمير.

وقد يظنّ البعض بأنّ الصحة النفسية تعني خلو الفرد من الأمراض الجسمية المختلفة، ومهما يكن الأمر فلابدّ من مجابهة المشكلات وتقوية ذاكرته وشخصيته ولا تعني أبداً قبول العادات والسلوكيات الخاطئة في المجتمع، إذ يجب على الفرد أن يحاول إصلاح تلك السلوكيات والعادات الخاطئة.

إنّ الفرد السوي ليس بعيداً عن مشاكل الحياة، فهو يحزن ويخاف ويشك ويغضب؛ ولكنه يستطيع أن يتكيف بكل سهولة مع مشكلات الحياة وتعقيداتها؛ لكن لابدّ لكل إنسان من نقطة ضعف في شيء ما، ولذلك كلما كان الانسان أقدر على حل مشكلاته تمتع بالصحة النفسية أكثر، فالتكيف في الحياة ليس أمراً سهلاً، حيث تعترضه الكثير من المشكلات وعندئذ يلجأ للكثير من العمليات العقلية اللّاشعورية كالتبرير والكبت والإسقاط.. وإذا فشل في تحقيق التكيف لنفسه، فإنه يقترب من الشذوذ والمرص النفسي.

– أسباب الأمراض النفسية:

يعتقد الكثير من الناس أنّ المرض النفسي يعزى إلى الصدمة التي يتعرض لها المرء كوفاة قريب أو الإصابة بالأمراض المعدية أو التعب الشديد في العمل، ويناهض هذا الاعتقاد أنّ الكثير من الناس أيضاً يتعرضون لصدمات عنيفة دون أن يصابوا بأمراض نفسية، ولذلك توجد صفات تميز الانسان المريض نفسياً عن الانسان السليم، ولذلك لا أعتبر الصدمة النفسية التي تعرض لها الانسان  و الإرهاق بأنهما من الأسباب الرئيسة للمرض النفسي، بل توجد مشكلات متعددة بمجملها أثَّرت في تكوين المرض النفسي.

إنّ مسببات الأمراض النفسية ليست واحدة وتختلف من إنسان لآخر، وأهم أسبابها كما جاء في كتاب “علم النفس العسكري” للدكتور فرج والدكتور عطية:

– الأمراض العقلية

– الأمراض الجسمية، خاصة التي لا أمل من شفائها

– العوامل الوراثية

– البيئة الأسرية

– البيئة الاجتماعية والمحيطة به

– المدرسة والكلية والجامعة وما يحدث فيهما من ضغوط ومشكلات.

وأضيف أيضاً:

– وسائل الإعلام المختلفة كمشاهدة أفلام العنف والجرائم المختلفة

– طبيعة العمل وما ينتج عنه من تعب وضغوط نفسية.

– أنواع الأمراض النفسية:

أوّلاً: المهيئة وهي الحادثة التي أظهرت المرض النفسي.

ثانياً: المرسبة وهي الاستعداد الخاص للمرض النفسي، وترتبط بعدّة أسباب وليس بسبب واحد وقد تستمر معه فترة طويلة حتى يظهر المرض النفسي بسرعة نتيجة الأمراض المرسبة.

– مستويات الصحة النفسية:

أوّلاً: المستوى الدفاعي: ففي هذا المستوى يمارس الفرد مظهر الحياة دون جوهرها ويظل يدافع عن نفسه وشخصيته أكثر مما يسعى لمعرفة طبيعة شخصيته وقدراته.

ثانياً: المستوى المعرفي: وفيه يكون إدراك الفرد أكثر في معرفة دوافعه وحاجاته وغرائزه والقيم الاجتماعية التي تدور من حوله وهذا الشيء يكون عنده حقيقة لأنه نابع من معرفة تفضي عنده إلى حالة من التوازن.

ثالثاً: المستوى الإنساني: وهو لا ينطبق إلّا على القليل من الناس لأنّ الانسان يسعى للوصول إلى حالة من التطور تُهيئ له أن يتكيَّف مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه، ولذلك يسعى لمساعدة الآخرين مادياً أو معنوياً أو عملياً، فعند قيامه بذلك يشعر بالسعادة.

– معايير الصحة النفسية:

إنّ هذه المعايير تمكننا من الاستدلال على الصحة النفسية عند الأشخاص، وهي:

أوّلاً: تقبل الفرد الواقعي لحدود إمكانياته وقدراته بالرضا عنها نفسياً.

ثانياً: المرونة والإفادة من الخبرات السابقة، فالشخص السوي الذي يتعرض لمواقف طارئة أو متغيرة هو الذي يعمل على احتوائها والتعامل معها بكل يسر.

ثالثاً: التوافق الاجتماعي، من حيث تعاون الفرد مع المجتمع المحيط به بكل رضا وسرور وسعادة وتسامح.

رابعاً: الإتزان الإنفعالي، والمقصود هنا هو ضبط الانفعالات في المواقف المستجدة والطارئة والتي تعكر طبيعة حياته والتعامل معها بإتزان، فمثلاً مشاهدة أب لطفل في سن العاشرة يضرب أخاه الصغير ذا العامين، ففي هذه الحالة يجب أن يوقفه عن الضرب ولا يضربه ويُنبهه لخطأه.

خامساً: القدرة على مواجهة الإحباط، فالإنسان كائن حي وقد يتعرض لمواقف وأزمات فيلجأ للحيل الدفاعية للصمود أمامها.

– خصائص الشخصية المتمتعة بالصحة النفسية:

– التوافق مع النفس والأسرة والمجتمع

– الشعور بالسعادة والتصالح مع النفس كشعوره بالأمن وبإشباع حاجاته وبتقديره لنفسه

– الشعور بالسعادة في إطار العلاقة مع الآخرين، كالقدرة على التعامل الحسن مع الآخرين وتقديرهم له والتعاون معهم والتضحية من أجلهم

– تحقيق الذات واستغلال القدرات وذلك بأن يبذل جهده في العمل ويحقق النجاح

– القدرة على مواجهة متطلبات الحياة، وقد يظن البعض أنّ هذه المتطلبات مادية؛ ولكن متطلبات الحياة في واقع الأمر تتمثل أيضاً في المناسبات الاجتماعية وتحمل أعباء الأسرة والعمل

– يتصف سلوكه بسمات عادية.

– أساليب اكتساب الصحة النفسية:

إنّ أساليب إكتساب الصحة النفسية متداخلة مع بعضها البعض، وهي:

– الأسلوب الوقائي والذي يهدف لمعالجة المرض والتخلص منه

– الأسلوب البنائي “الإيجابي” الذي يهدف لأن يتمتع الفرد بالصحة والحيوية والنشاط، وهنا يحاول الفرد أن يقوي شخصيته وقدراته وذاكرته.

– ماذا ينتج عن الأمراض النفسية؟

ينتج عنها أعراض مختلفة منها الجسمية التي تصاحبها علامات فسيولوجية كسرعة دقّات القلب مع العلم بأن هذه العلامات ليست أسباباً للمرض النفسي الذي يؤدي إلى صراعات نفسية ينتج عنها القلق والوسوسة، ويجدر بنا أن لا ننسى بأن أي مرض عضوي ليس سببه المرض النفسي، مع العلم بأن بعض الأمراض الجسمية ناتجة عن أمراض نفسية كالصدمات.

وأضيف إلى ما سبق بأنه ينتج عن الأمراض النفسية أمراض عقلية كالانفصام في الشخصية أو الجنون ويتأثر عمل بعض الغدد عند التعرض لصدمات عنيفة أو لمواقف طارئة كسماع فجائي بموت أحد أفراد الأسرة، وقد يصاب المرء بالشلل أو الجلطة القاتلة أيضاً.

– فوائد الصحة النفسية:

– تساعد الفرد في حل مشكلاته

– تؤدي لإزدهار المجتمع وتنميته

– تساعد الفرد في عدم الإصابة ببعض الأمراض الجسمية

– شعور الفرد بالأمن والطمأنينة

– الاستقرار الأسري

– الراحة في العمل والاهتمام به.

– الخلاصة:

لابدّ لنا أن نتكيف مع الواقع ونتحمل ونصبر، فحياة كل إنسان لا تخلو من مشكلات وتعقيدات، وقد حثّ الاسلام على الصبر كما ورد ذلك في القرآن الكريم. ويجب علينا أن لا ننسى أن يكون هذا الصبر والتحمل والتكيف مع المواقف والأزمات الطارئة ناتجاً عن قناعة وليس عن كبت داخلي، مما يؤدي لأمراض نفسية وجسمية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم