9-11 دقيقة
عادةً ما تقتصر في علاقاتها على من اعتادت عليهم منذ الطفولة، ولا تملك شجاعة التواصل مع أناس جدد؛ الأمر الذي يجعلها ضائعة بين ما تتمنى وما هي عليه على أرض الواقع؛ فهي شخصية حيوية من الداخل وتميل إلى التواصل مع الناس والانطلاق في الحياة، إلَّا أنَّها مقيَّدة وأسيرة مشاعر سلبية تتحكم بسلوكاتها.
يكمن في داخل تلك الشخصية الخجولة التي تتجنب التواصل مع الآخرين، وتحسب حساباً لانتقادهم ورفضهم لها؛ طفل بريء وقع ضحية لعنف لفظي أو جسدي قاسٍ، وسجين أسلوب تربية قائم على القمع والفرض، إلى أن فقد ثقته بنفسه وتحول إلى شخص هشٍ وغير مبادر وخجول وانطوائي.
الشخصية التجنُّبية وسماتها وأسبابها وطريقة التعامل معها مدار حديثنا خلال هذا المقال، فتابعوا معنا.
ما هو اضطراب الشخصية التجنُّبية؟
عندما يعاني شخص ما من حالة سلوكية وسمات معينة تعيق ممارسته لحياته، وتؤثر سلباً في حياته الاجتماعية والعائلية والمهنية؛ يُشخَّص على أنَّه مصاب باضطراب في الشخصية.
يعاني المصاب باضطراب الشخصية التجنُّبية من حالة ملازمة من القلق الشديد، ويعدُّ الخوف الشديد من نقد الآخرين له أو رفضهم له المنبع الأساسي لهذا القلق.
تختلف الشخصية التجنُّبية عن الرهاب الاجتماعي بكونها حالة مستمرة ودائمة، بينما يقتصر الرهاب الاجتماعي على أوقات معينة كلحظة إلقاء محاضرة أمام الملأ.
يتحول الإنسان إلى شخص تجنبي بفعل خوفه الشديد من نقد الآخرين له، فلا يرغب في حضور المناسبات الاجتماعية التي تحتوي على حشد كبير من الناس الجدد، ولا يفضل الوظائف والمهن التي تتطلب تواصلاً مع العملاء مثل: التسويق، والاستقبال.
تكمن في داخله رغبة عارمة في الانطلاق في الحياة والفوز بعلاقات ناجحة مع أشخاصها، إلَّا أنَّ تردده يجعل منه شخصاً ضعيف المبادرة والثقة بذاته.
ما سمات الشخصية التجنبية؟
-1. الحساسية المفرطة:
تكون الشخصية التجنُّبية دائمة الحساسية لتعابير الآخرين؛ وفي حال شعورها بالقليل من النقد البادي على وجوههم، تبني سلسلة كبيرة من الأفكار السلبية، وتبدأ محاولة ربط كلِّ سلوك يقومون به بشخصها تحديداً، وتغوص في فكرة أنَّها مرفوضة وغير مرغوب فيها، وتنسحب نتيجة لأفكارها السلبية من اللقاءات الاجتماعية، الأمر الذي يجعل الآخرين ينظرون إليها على أنَّها غريبة الأطوار؛ لتتأكد شكوكها السلبية بعد ذلك، وتستمر في الدوران في حلقة مفرغة من الخوف والقلق والتردد.
تخاف الشخصية التجنُّبية من نقد الآخرين لها، وترعبها فكرة أن تكون مرفوضة في الوسط الاجتماعي؛ لذلك تتجنب المناسبات الاجتماعية، وتفضل الانطواء على الاختلاط، وتصاب بأعراض نفسية وجسمانية في حال تورطها في حضور مناسبة اجتماعية؛ فتشعر بضيق في الصدر، وتوتر شديد، وتلعثم في الكلام، وتلبك في الأمعاء.
إنَّها أيضاً دائمة التفكير في أنَّ الناس سيقابلون أفكارها ومشاركاتها بالسخرية والتهكم، ولا تدخل في علاقات اجتماعية إلَّا في حال تأكدها من تحقيقها لنسبة عالية من القبول والاستحسان.
-3. قلة الثقة بنفسها:
تواجه الشخصية التجنُّبية صعوبة كبيرة في التعبير عن مكنوناتها وآرائها وأفكارها؛ فهي لا تثق بتحليلاتها للأمور، وتقلل من قيمة نفسها وإنجازاتها، وترى أنَّ الآخر أفضل منها على الدوام.
ما أسباب تكوُّن الشخصية التجنبية؟
قد يكون العامل الوراثي سبباً في تكوُّن الشخصية التجنبية، حيث يزداد احتمال إصابة الطفل بهذا الاضطراب في حال وجود أشخاص مصابين باضطرابات شخصية ضمن العائلة.
عادة ما تتبلور سمات هذا الاضططراب في عمر 18 سنة؛ وحينها فقط نستطيع أن نقول عن شخص ما أنَّه مصاب باضطراب الشخصية التجنبية.
-2. التربية الخاطئة:
عندما يتعرض الطفل إلى عنف لفظي أو جسدي أو تهديدات قاسية، يزداد احتمال إصابته باضطراب الشخصية التجنُّبية كثيراً، حيث يؤدي تبني المعاملة القاسية واللوم المتواصل والنقد اللاذع وكبت مشاعر الطفل وممارسة القمع والفرض بدلاً من الإقناع والحوار إلى خلق طفل فاقد للثقة بنفسه، ومنطوٍ اجتماعياً، وغير قادر على التعبيرعن نفسه، ولا يملك الشجاعة وحس المبادرة.
من جهة ثانية، يؤدي التدخل المرضي في كل ما يخص الطفل بغرض حمايته إلى خلق طفل هش وغير قادر على مواجهة الحياة وأشخاصها.
كيف أتعامل مع الشخصية التجنبية؟
يجب بداية التأكد من تشخيص الحالة، حيث يتسم بعض الأشخاص بشخصية انطوائية إلَّا أنَّهم سعيدون بحالتهم هذه؛ فهم لا يأبهون بمشاعر الآخرين أو انتقاداتهم، ويستمتعون كثيراً بوحدتهم ونشاطاتهم المنفردة، ولا نستطيع تصنيفهم على أنَّهم انطوائيون تجنبيون، ويُطلَق عليهم عادة اسم “الانطوائيين السلبيين”.
وعلى عكس الانطوائيين السلبيين، لا يسعد التجنُّبيون بحالتهم، ويتألمون بشدة من وضعهم، ويتمنون التخلص من خوفهم وقلقهم وعزلتهم.
ومن جهة أخرى، قد يكون هناك أشخاص يعشقون الانطوائية؛ وذلك لأنَّهم دائمو الشك بالآخرين، وفاقدو الثقة بكلِّ شيء؛ ولا نستطيع هنا تصنيفهم على أنَّهم انطوائيون تجنبيون، بل هم انطوائيون اضطهاديون.
لكي نساعد الشخصية التجنُّبية على العلاج، يجب أن نعرِّضها بالتدريج إلى مواقف اجتماعية، ونبدأ بمواقف تسبب قلقاً خفيفاً، ومن ثمَّ نصعِّد وتيرة القلق رويداً رويداً، على أن نهيئها نفسياً بأسلوب لطيف ومقنع، وندرِّبها على كيفية التصرف والتعامل مع الناس، ونحاول تعديل أفكارها المعرقلة، ومن ثمَّ نضعها في التجربة.
ويجب عند التعامل مع هذه الشخصية:
العمل على مدحها ومكافأتها بعد نجاحها في كل موقف تتعرض إليه.
منحها الكثير من الحب والتقبل والثقة واللطف، من أجل تهدئة مخاوفها وقلقها وبناء علاقة إيجابية معها.
تعزيز الثقة لديها من خلال نُصحها بمنتهى اللطف بحضور دورات في المهارات الاجتماعية، والعمل على اكتساب مهارات التعامل مع ضغوطات الحياة.
الابتعاد عن نقدها.
على الأهل الانتباه إلى سلوكات ابنهم في مراحله المبكرة؛ وفي حال ملاحظتهم أيَّ بوادر لتكوُّن شخصية تجنبية، عليهم العمل على تعزيز ثقته بنفسه.
السماح لها بالتعبير عن مشاعرها وأفكاره بمنتهى الحرية.
تشجيعها على المشاركة في أنشطة اجتماعية، والتحدث والانخراط مع الناس هناك.
احترام مساحتها الشخصية والأوقات التي تحتاجها للبقاء وحيدة؛ سواءً برفقة كتابها، أم للتفكير في أمر ما وإعادة حساباتها، أم للاستماع إلى الموسيقى.
الخلاصة:
أيَّاً كانت الأعراض التي تجتاحك في أثناء مقابلتك لأناس جدد، تأكد أنَّ لديك أفكاراً تستحق النقاش، وقيماً تستحق المشاركة، وتجارب غنية تستحق الظهور، ومشاعر إيجابية ونية صافية تستحق التقدير والاحترام.