في مدينته الغافية في أحضان النخيل، وبين أروقة العلم الأهلية والنظامية، ولد الأستاذ عبدالله بن أحمد الشباط في الأحساء عام 1358هـ وتعلم بها. ثم عمل معلمًا بعد الابتدائية في الدمام سنة 70/1371هـ؛ حيث نظام (معلمي الضرورة)، والحق أن بعض خريجي الابتدائية آنذاك أكثر ثقافة وأوسع علما، وأقدر على التعليم من بعض خريجي البكالوريوس اليوم، وفي كلٍّ خير.
ثم عمل سكرتيرًا للمجلس البلدي في الدمام، ثم عاد إلى الأحساء ليكمل تعليمه في المعهد العلمي، فأصدر مجلة الخليج العربي سنة 1376هـ. ثم عين مساعدًا لرئيس بلدية الخبر، ثم رئيسًا لبلدية المحايدة، ثم في 1388هـ تفرغ للأعمال التجارية، ويبدو أن الفرص التجارية في الخبر خاصة والمنطقة الشرقية قد اجتذبت عددا من رجال الثقافة الأحسائية الذين استوطنوها، مثل الأستاذ أحمد الراشد المبارك -رحمه الله- وقد اعتاد الأستاذ الشباط أن يزوره بين العشاءين، فكانت لي زيارة له خلال وجود الأستاذ الشباط في شهر ربيع الأول عام 1407هـ، أي قبل ثلاثين عاما، حين كنت أبحث في مرحلة الماجستير: (الشعر في الأحساء في القرن الرابع عشر الهجري)، فاستفدت من لقائي بهما كثيرا، وخاصة في تأريخ المرحلة التي عاشوها، حيث كان الأدب يتأهب للانتقال من مرحلة المحافظة والتقليد، إلى مرحلة التجديد المحافظ، من خلال الاتصال بعدد من حواضر الثقافة آنذاك، في القاهرة وبيروت وبغداد والمنامة ودمشق وغيرها.
وهو من أشهر كتاب الصحافة في الأحساء، وقد احتضنت جريدة (اليوم) معظم نتاجه المقالي، الذي تحول كثير منه إلى كتب، وقد صدرت له مجموعة من الكتب والمؤلفات أكثرها في (تاريخ الأدب الخليجي)؛ مثل: أدباء وأديبات من الخليج، وصفحات من تاريخ الأحساء، والأحساء أدبها وأدباؤها، وقد قرأته كله قراءة نقدية وقت صدوره، وقدمت نتائجها له كما يفعل التلميذ مع أستاذه؛ رصدت فيها عددا من مواطن الإضاءة، ومواطن التحسين والدقة العلمية والتاريخية، كما له كتاب عن حياة أبي العتاهية، وقصص قصيرة جمعها تحت عنوان: حمدونه، وقصص من التاريخ جمعها تحت عنوان: ليلة أنس، وغيرها.
عمره (17) عاما حين أنشأ المعهد العلمي في الأحساء صحيفة رفيعة المستوى سماها: (الضياء الجديد)، في مطلع صفر من عام 1375هـ، وكان أحد طلبة المعهد آنذاك مع كوكبة من الشباب الذين أصبحوا في الصف الأول من أدباء الأحساء؛ أمثال الأستاذ خليل الفزيع، والشيخ عبدالرحمن الملا، والشاعر المطبوع الشيخ محمد العمر الملحم -رحمه الله- والأستاذ الناقد عبدالرحمن الموسى (مدير معهد النور سابقا)، وغيرهم كثير. واختير عبدالله الشباط رئيسا لتحريرها، ويبدو أنها التي زرعت شغف الصحافة في أديبنا الشباط، وكان مدير المعهد الشاعر الأديب المؤرخ الأستاذ عبدالله الخميس [ت: 1432]، فأصبحت مسرحًا لنتاج الطلبة من داخل المعهد وخارجه؛ أشاد بها الأديب الخطيب الشيخ عبداللطيف أبو بشيت -رحمه الله- فقال:
لمعهد العلم في الأحساء أَنْوارُ ومَنهَلٌ لذوي الآمالِ مِدْرَارُ
عن كُلِّ نَابِغةٍ مِنْهُ لَقَدْ ظَهَرَتْ لَهُ بِصَفْحِ (جَدِيْدِ الضَّوْءِ) تَذْكَارُ
هذاكّ نَثْرٌ وذا نَظْمٌ يرُتِّبُهُ وآخَرٌ بحكيمَ القوْلِ يَخْتارُ.
وهي أبيات تشير إلى ذاك الحراك الأدبي الذي صنعه الخميس -رحمه الله- وترك آثاره إلى اليوم في خارطة الأحساء الأدبية.
هناك من تصبحُ سِيرُهُم الذاتية صفحات من تاريخ بلادهم وأمتهم، فالحديث عنهم حديث عن مرحلة من مراحل التطور العلمي إذا كانوا علماء، والسياسي إذا كانوا ساسة، والأدبي إذا كانوا أدباء، وهكذا كان الأستاذ عبدالله الشباط رحمه الله تعالى في الجانب الصحفي خاصة، والأدبي بشكل عام.
فقد بدأ رحلته الصحفية برئاسة تحرير صحيفة طلابية في المعهد العلمي، ومنها إلى إصدار مجلة بعنوان (هجر) طبعت في لبنان، وخرجت خارج أسوار المعهد، ويبدو من عنوان: مقالته فيها: (قبس من الضياء الجديد الذي غمر الكون في العهد الجديد) الحماسة المتوثبة لدى تلك الشبيبة، في ظل رعاية وتشجيع خاص من عدد من شيوخ المعهد آنذاك وعلى رأسهم مديره الشاعر عبدالله بن خميس رحمه الله.
ولكن هذه المجلة الرائعة لم تتجاوز العدد الأول الذي صدر في محرم عام 1376هـ، وكان حافلا بالمقالات الإسلامية، والتاريخية، والقصائد والقصص، وكان له أثر بالغ في تشجيع الطلبة حيث احتوى بواكير نتاجهم، وقد اطلعتُ عليه، واستفدتُ منه في تأريخ تلك الحقبة الرائدة.
وممن برز في المعهد في تلك الفترة في مجال الشعر غير من ذكرت في المقالة السابقة الشيخ محمد بن عبدالله آل الشيخ مبارك ثم الشاعر يوسف بن عبداللطيف أبو سعد رحمهما الله، «وكان لبعضهم نشاط في الاتصال بالصحافة والنشر خارج المعهد، فقريء لهم شعر ونثر في مختلف الموضوعات»، كما ذكر الخميس نفسه في مقالة له في مجلة هجر. وهو الذي كان يتلقى بعضهم بعناية خاصة، «فيقربهم منه، ويحثهم على المطالعة في الكتب، ويدلهم على المنتخب الجيد من الشعر والأدب الرفيع، ولا يدخر وسعا في إسداء النصائح المفيدة، والتوجيهات الرشيدة، ويدفعهم إلى المشاركة في نادي المعهد» كما ذكر الأستاذ عبداللطيف بن عثمان الملا رحمه الله تعالى. بل كان يقرب بعض الطلبة المكفوفين حين يحس بموهبتهم الأدبية، ويقرأ عليهم بنفسه في فرص متنوعة، ويعطيهم بعض القصائد لحفظها كما ذكر لي ذلك الشيخ عبدالرحمن بن عثمان الملا، ليربي فيهم الذوق الأدبي، ويقوي ملكتهم الشعرية.
بعد شهرين فقط من صدور هجر وتوقفها صدرت مجلة (الخليج العربي)، التي يذكر الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيد رحمه الله أنه صاحب فكرتها، وأنه اتفق مع الأستاذ الشباط على أن يشغل منصب سكرتير التحرير فيها، غير أن عمله الوظيفي حال دون ذلك، ورأس الشباط تحريرها، وكان سكرتير التحرير الأستاذ إبراهيم بن عبدالمحسن آل عبدالقادر رحمه الله، وجاء في العدد الأول: «إن الغاية من إصدار هذه المجلة خدمة الفرد والمجتمع في ضوء عناصر ثلاثة، هي تشجيع النشء، وإحياء الحركة الأدبية، وخدمة الفرد والمجتمع في ظل المثل العليا، بعيدا عن التكلف والمهاترة». ثم توقفت المجلة بعد صدور ستة أعداد فقط، ثم عاود الشباط إصدارها في شكل جريدة أسبوعية بالتعاون مع محمد أحمد فقي الذي رأس تحريرها، وأشرف على التحرير الأستاذ عبدالرحمن العبيد، فأصدروا العدد الأول في 1/1/1378هـ، ثم باع الشباط امتيازها للأستاذ علي بوخمسين، واستمرت حتى نهاية عام 1382هـ. وللحديث بقية.
ولا شك أن الجيل الذي عاصر صدور هذه المجلة جيل نشط طموح، يريد أن يدفع الحياة الأدبية إلى الأمام، ولذلك فهو يرى في كل جهد يطرح في الساحة خطوة جديدة في سبيل نهضة كبرى للأدب والشعر، وكذلك كانت (الخليج العربي). وقد حياها أحد الشعراء بتوقيع (ابن زيدون) وهي من توقيعات أحمد الراشد المبارك في صحف البحرين آنذاك، وفيها نفسه ومعجمه الشعري؛ فلعلها له، بل أكاد أجزم بأنها له: شُقي طريقَ المجد واستبقى/ وَتَاَلَّقِيْ كَالَّنجْمِ في الغَسَق/ هذي الحياةُ مَشَتْ مواكِبُها/ وتَحَلَّقت كالنَّسْرِ في الأُفُقِ/ العقْلُ نُوْرُ العِلْمِ أيقَظَهُ/ وانجابَ لَيْلُ الجَهْلِ عَنْ شَفَقِ/ كُوني على الجِيْلِ الجَديدِ صُوى/ ودليلَه في مُلْتوَى الطُّرُق.
وبتوقف هذه الصحيفة، توقفت الصحافة داخل منطقة الأحساء، فاتجه أدباؤها للمشاركة في صحافة المنطقة الشرقية، في الخبر والظهران والدمام، فشارك أ. محمد الصويغ مع أ. عبدالله الشباط ببعض نتاجهما الأدبي في مجلة «قافلة الزيت» [صدرت في الدمام في 1/1/1374هـ]، ثم صدرت في الخبر مجلة أدبية بعنوان «الإشعاع» [في 1/1/1375هـ] فرحب بها أدباء الاحساء في أول أعدادها، وأقبل بعضهم على الكتابة فيها، وعلى رأسهم أ. عبدالله الشباط، وأ. إبراهيم آل عبدالقادر، والمطلع على أسماء مراسليها يلحظ كثرة الأسماء الأحسائية؛ مما يدل على متابعة الجمهور في الأحساء للحياة الأدبية.
ومنذ منتصف العقد الثامن الهجري من القرن الرابع عشر، بدأ الشباط مشاركاته الأدبية في صحف المملكة بشكل عام، وركَّز في مقالاته على الأدب في الخليج العربي، معنيا بالتعريف بشخصيات الأدباء، ومبرزا أهم خصائصهم الفنية، دون إيغال في الدراسة، أو تحليل عميق للشعر، أو محاولة للتقويم إلا ما قل.
كان الشباط وبقي وفيا للصحافة وللأحساء؛ عشقين متلازمين أبدا حتى لقي ربه تعالى يوم الخميس 29 شعبان 1438هـ عن ثمانين عاما، كانت ركضا في ميادين العلم والعمل والأدب والثقافة؛ حتى حاز وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى نظير مجهوداته المثمرة لخدمة الحركة الأدبية والفكرية والثقافية والصحفية في المملكة العربية السعودية، رحمه الله وأكرمه بجنته ورضوانه.
http://www.alyaum.com/article/4196677