الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

الزوج المتدين وتساهله في المعاصي .



الزوج المتدين وتساهله في المعاصي .

أ.عبد السلام بن صالح الصقعبي .

 

في الحقيقة ترددت كثيراً في طرح الموضوع .. لكن الذي دفعني إليه أمور .. منها :

أن كثيرا من الزوجات يتكلمن هنا عن أزواجهن ويُسبقِن كلامهم عنهم بأنهم ملتحون ومتدينون وأنهم مصلون .. وغير ذلك ثم يُتبعون كلامهم بان هؤلاء الأزواج يشاهدون الأغاني وربما الأفلام الجنسية وربما يهاتفون النساء ..

كثير من الرسائل الخاصة تصل من هنا وهناك تؤكد على هذا الأمر مما يعني أنه ليس حالة خاصة ..

وقبل أن نطرح الموضوع .. لابد أن يكون متقرراً لدينا أمران :

الأول : أن هؤلاء لا يُعدون من المنافقين ولا نعني بذكر أغلاطهم أننا نتهمهم بالنفاق .. بل كل إنسان معرض للوقوع في الخطأ ..

الثاني : لا يعني الكلام هنا أن من لم يكن ظاهره الصلاح أو لديه بعض المخالفات الشرعية .. ولكنه يعدل بين زوجاته أو لا يحادث النساء أنه أفضل ممن حرص على الالتزام بالدين لكنه أخفق في بعض الأمور .. بل المقياس هو شرع الله فمن تمسك به أكثر كان من الله أقرب وأحب .

ثم نقول …

سؤال : ماذا نعني بالتدين .. وهل هو المظاهر الخارجية فقط ؟ كاللحية والثوب القصير ؟ وهل وقوع بعض المتدينين في بعض الأغلاط ولو كانت كبيرة يخرجهم من هذه الدائرة ؟

لو قلنا إن التدين هو التزام العبد بشرع الله في أخلاقه ومعاملاته مع من يجاوره من زوجة وأولاد ..

ويكون الالتزام بأداء الفرائض بالدرجة الأولى في أوقاتها : الصلاة , الصيام , الزكاة ، الابتعاد عن المحرمات بأنواعها : الزنا , الخمر , أكل الربا .. لكان التعريف صحيحا .

ويحسُن في هذا الباب أن نذكر حديث ضماد بن ثعلبة ..الذي رواه احمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن طلحة ابن عبيد الله (( أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلوات قال الخمس إلا أن تطوع شيئا فقال أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام فقال شهر رمضان إلا أن تطوع فقال أخبرني ماذا فرض الله علي من الزكاة قال فأخبره رسول الله بشرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق ))

وعلى هذا التعريف : يكون كثير من الناس داخلون في دائرة التدين والالتزام

إذاً ليس هذا هو الالتزام والتدين الذي نعنيه .. لأننا نريد هنا معناً أدق تعارف عليها الناس في مُجتمعنا الشرقي .. والخليجي خاصة..

الالتزام أو التدين الذي نعنيه هنا .. هو ما ينعكس من سلوك وعبادات على ظاهر العبد وباطنه , أما الباطن فأمره إلى الله عز وجل .. وأما الظاهر فهو ما يبدوا لنا من إطالة اللحية وتقصير الثوب واستخدام العبارات الإسلامية في الحديث والمحافظة على الُسنن والنوافل وقراءة القران وترك الأغاني والملهيات .. وربما الانخراط في صفوف فئة يدينون بنفس هذه التوجهات الخيرة .

وأحب هنا أن أشير إلى جانب مهم .. بعض السلوكيات لا دخل لها في مسالة التدين .. مثل حب الطعام أو رفع الصوت أو الزواج من زوجتين أو ثلاثة .. أو غلظة الأخلاق .. وحدة الطبع.. فهذه سلوكيات وإن كان التدين يؤثر فيها بشكل مُباشر .. على اعتبار أن الإسلام دعا إلى مكارم الأخلاق .. لكن هي أيضاً تخضع لاعتبارات أخرى مثل .. البيئة والتربية والموروثات الاجتماعية لعين الشخص.

سؤال .. هل لو وقع المتدين بنوع من التقصير يكون كاذباً ؟

مثال على التقصير … لو كان مثلاً يطيل النظر إلى النساء .. لو كان مثلاً يتبسط في الحديث مع النساء .. لو كان يشدد على زوجته ويعاملها بجفاء .. لو كان يشاهد الأمور الجنسية ..لو لم يكن يعدل بين نسائه ؟

اعتقد أن مثل هذه الأمور لا تخرجه من دائرة التدين … كما أنها لم تخرج غيره من دائرة الأفضلية إذا استثنينا سوء القصد والطوية ومسألة الاستمرارية – أعني أنها حوادث عابرة في حياته – .. ومن الأمثلة على ذلك :

المثال الأول : يوسف عليه السلام قال الله عنه ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) فهم يوسف وهو في مقام النبوة لا يعني عدم أفضليته ..علماً أن الذي ثبته هو الله وليس ذاته ونفسه ..

المثال الثاني : ما حدث من إخوة يوسف وهم الأسباط الذين هم من صُلب نبي ابن نبي ابن خليل الله لم يخرجهم من دائرة الأفضلية .

المثال الثالث : ما حدث من قابيل وأخيه وهم أبناء ادم ولا يشك أحد في تربية آدم لولديه .

المثال الرابع : ما حدث من نوح حين سأل الله أن ينقذ ابنه وهو يعلم أنه كافر .. ولا يعني هذا عدم اعترافه برحمة الله ولقد اعتذر بعد ذلك ..

المثال الخامس : ما حدث من يونس عليه السلام من مخالفة أمر الله عز وجل وخروجه من قريته وهو مُغضب في الآيات التي قصها الله علينا .. ولم يخرجه فعله عن دائرة الأفضلية ومقام النبوة .. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى ) .

المثال السادس : ما حدث من محمد صلى الله عليه وسلم حين قال الله تعالى : (( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً)) فالتثبيت من الله عز وجل ..

المثال السابع : ما حدث من الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة من مظاهرته للمشركين ومحاولته إبلاغهم بمسير الرسول إليهم ثم بين الرسول أنه يحب الله ورسوله..

المثال الثامن : ما حدث من الصحابي ورواه الإمام أحمد 1445 ومسلم 2763 4468 والترمذي 3112 والنسائي 7322 وبن جرير وهذا لفظه من طرق عن سماك بن حرب أنه سمع إبراهيم بن يزيد يحدث عن علقمة والأسود عن بن مسعود قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها قبلتها ولزمتها ولم أفعل غير ذلك فافعل بي ما شئت فلم يقل رسول الله شيئا فذهب الرجل فقال عمر لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه فأتبعه رسول الله بصره ثم قال ردوه علي فردوه عليه فقرأ عليه ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل أن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) فقال معاذ وفي رواية عمر يا رسول الله أله وحده أم للناس كافة فقال بل للناس كافة .

المثال التاسع : ما حدث مع الصحابي أبي محجن في معركة القادسية وهي قصة معروفة لا نريد ذكرها خشية الإطالة.. لكن ملخصها أانه شرب الخمر فحبسه سعد بن أبي وقاص ومنعه من الجهاد فقال أبياتا معروفة وهو في حبسه تدل على ندمه وعلى حبه للجهاد ..

والأمثلة على ذلك كثيرة ..

من هنا نصل إلى ملخص في نقطتين ..

1 – أن تدين الإنسان لا يعني انه في مقام العصمة أو أن نبلغ به منازل الأولياء والصالحين بل إن كل إنسان معرض للزلل والخطاء حتى المتدين .. وقد يصدر منه ما يصدر من غيره من معاصي وخطيئات.. ولا ينبغي أن نجعل اللحية أو الثوب القصير أو غيرها من المظاهر هي المقياس الوحيد لتدين الإنسان وصلاحه .

2- أن خطأ هذا الإنسان المتدين لا يعني أن نخرجه من دائرة الأفضلية وانه أصبح ساقطاً أو منافقاً بل نعامل الناس بظواهرهم ونكل سرائرهم إلى الله عز وجل .. ونحسن الظن به ونرجو له الخير والتوبة أكثر من غيره ونعتقد أنه اقرب من غيره إلى التوبة والرجوع .. خاصة إذا لم تكن هناك استمرارية في المعصية أو مكابرة .

وأعتقد أننا وصلنا لرؤية واضحة ..

1- أن المتدين مثله مثل غيره معرض للفتن لكن ( غلطة الشاطر بعشرة – كما تقوله إحدى الأخوات الكريمات )

2- المتدين أقرب للرجوع .. وإن بدر منه ما بدر كونه قريبا من الدين .

3- على من أنعم الله عليه بنعمة الهداية والتوجه إلى الله عز جل أن يراعي عظمة هذا الدين والاحترام الذي يكنه الناس لأهله .. وأن لا يجعل التدين وسيلة للتكسب.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم