السبت 21 سبتمبر 2024 / 18-ربيع الأول-1446

الزواج .. أشكال وألوان .



الزواج .. أشكال وألوان .

د. خالد بن سعود الحليبي.

الزواج سنة كونية، وسنة نبوية، تحمل شرف العلاقة، وجمال التواصل، ومعاني الإنسانية الرفيعة.

به كرم الإنسان عن شبق الحيوان، ودناءة الزناة، يشهر ويعلن وتضرب عليه الدفوف، في الوقت الذي يختبئ فيه البغاة وراء الأكمات، ويباركه الناس في الوقت الذي يشعر فيه من ابتغى وراء ذلك بالخزي والعار، ويخشى من الفضيحة والشنار.

 

ولا شك بأن الوضع الراهن جعل الشباب يتأجج في تنور الشهوة الجنسية، فهم بين صور وأصوات وجواذب تتناوشهم من هنا وهنا، تلاحقهم الشاشات في كل مكان، حتى دخلت جيوبهم بآلاف الصور والحركات التي تحرك الصخر، وتصبي الزاهد.

يسافرون للدراسة والسياحة والعلاج فيرون من المناظر ما يؤجج الغريزة الطبيعية التي أودعها الخالق عز وجل في نفوسهم.

 

ولا شك أن توجيه الطاقة الجنسية يكون بإحدى ثلاث وسائل؛ الأولى: الزواج الشرعي، والثانية: ما وراء ذلك من زنا وما شابهه، والثالثة: استنفادها بما يسميه النفسيون: التسامي، حيث يحيل الشاب تفكيره وهمه وهمته إلى معالي الأمور من طلب علم، أو تحقيق هدف رفيع، أو رياضة بدنية.

والزواج شرع لتكوين أسرة، وتنشئة أولاد، وإفضاء طاهر، وبناء مجتمع، وتحقيق الأمن النفسي للإنسان، يقول الله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة} ، وسماه الله تعالى : (ميثاقا غليظا).

 

هذا هو الزواج؛ أساس المجتمع، وقاعدته الكبرى التي يقوم عليها، ولذا فإني أعجب من هذه الزواجات المستجدة، التي صار الشباب يبتدعونها، ويمارسونها، ثم يسألون عنها، وهي بعيدة أشد البعد عن حكمة الزواج الأساس، فليس الزواج تحصين فرج فقط، وإنما هو أمان نفسي، وحياة أسرية متكاملة، وليس مجرد تفريغ شهوة فقط، وإنما تحمل مسؤولية استمرار الحياة البشرية في إطار مشروع طاهر عفيف.

 

فهل تحقق (الزواجات المستجدة) والتي يجمعها النية على عدم الاستقرار، والانفصال في المسكن، وبعضها يؤكد العزم على عدم الإنجاب، هل تحقق حكمة مشروعية الزواج؟

 

إنني لست هنا مفتيا، ولكني ذو رأي اجتماعي محض، أرى أن أكثرنا لو خير: هل يتمنى أن تكون ابنته زوجة لرجل ينوي تطليقها، لما رضي!!

ولو رضي.. لرضي مكرها، محتملا أعباء نفسية جسيمة.

إن السعي للاعتراف بمثل هذه الزواجات، وهدم الحواجز حولها، سيجعل بعض الشباب يكتفون بها عن الزواج المستقر، وربما استظلت بعض العلاقات العاطفية السيئة بظلها، بطريقة أو بأخرى.

 

إن الأَولى أن تعطى مشكلة العنوسة الرجالية والنسائية حقها من البحث، والدراسة والتيسير؛ لإشاعة الزواج المستقر الآمن، لا أن ننشغل عن ذلك بالبحث عن مظلات شرعية لتلك الزواجات المؤقتة؛ داخل البلاد وخارجها.

حين يعود المجتمع إلى التشريع الإسلامي الذي يؤمن به، ويطبقه في صلاته وزكاته وصيامه وحجه؛ ليطبقه في حياته الاجتماعية كذلك؛ سوف تحل مشكلة الشباب.

 

لنكن يدا واحدة ضد غلاء المهور، والإسراف في حفلات الزواج، وسفرات شهر العسل، والتأثيث المبالغ فيه، ولنسع جميعا لإشاعة ثقافة الزواج الميسر، في أسرنا وقبائلنا ومجتمعنا؛

لنخلق عرفا عاما في صالح الشباب، والفتيات، الذين يتعذبون في كل لحظة لتباعدِ صنعناه بأيدينا، ثم رحنا نبحث في طرق ملتوية؛ لإيجاد بديل؛ له آثاره الخطيرة على البنات قبل الشباب،

كما أنه يظل علاقة خفية ـ في بعض الحالات ـ سوف تنكشف يوما ما للطرف الآخر في الزواج المستقر، فهو ـ إذن ـ قنبلة موقوتة ربما تنفجر في أية لحظة؛ فتدمر الأحق بالبقاء.


إن قضية إشاعة ثقافة الزواج الميسر يجب ألا تكون مرهونة بيد جمعية اجتماعية، ولا بقلم مختص أسري، ولا ننتظر فيها مهرجانا أو محاضرة أو خطبة، هي ثقافة مجتمعية شاملة، يجب أن نشترك فيها جميعا بلا استثناء.

 

كلنا مدعوون لنقلع عن عادات بالية؛ تركت آثارا خطيرة على مجتمعنا كله، لنُلبس شبابنا وبناتنا ثياب العفاف المستقر.. إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم