الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

الرسائل الإعلامية.. تأثيرات معرفية وتغييرات سلوكية



تعد الرسالة الإعلامية ركناً رئيسياً في العملية الاتصالية، وأداة وصل مهمة في العلاقة بين وسائل الإعلام وجمهورها المتنوع؛ باعتبارها تربط الحقائق بواقع الفرد ومصالحه المباشرة، وتعبر عن الأهداف التي تريد وسائل الإعلام تحقيقها بطريقة واضحة وسهلة، وتصل إلى الجمهور المستهدف بسهولة ويسر، وتؤثر بالصورة المنشودة.

وثمة عنصران رئيسيان تعتمد عليهما وسائل الإعلام في برامجها، وتركز عليهما تركيزاً كبيراً في أنشطتها المختلفة، باعتبارهما العنصرين المؤثرين في نجاح أي حملة أو فشلها، وهما القائم بالاتصال (رجل العلاقات العامّة)، والرسالة الإعلامية.

تسعى الرسائل الإعلامية إلى تحقيق أكبر أثر لها في الجمهور المستهدف، والوصول إلى أكبر رقعة جغرافية ممكنة في المنطقة التي تنشط فيها، وإحداث التغيير والتوجيه والتثقيف المنشود لدى الموجودين فيها، والإفادة من العلوم الإنسانية الأخرى لمعرفة السبل المثلى للوصول إلى الأهداف المنشودة منها.

أما القائم بالاتصال فيؤدي دوراً مهماً في إيصال الرسالة، وإقناع الجمهور، والتواصل مع الفئات المستهدفة، وكتابة وتحرير المواد الخبرية، والمساهمة في تخطيط وتصميم وتنفيذ الرسائل الإعلامية وعناصرها ومراحلها المختلفة.

ويجري القائمون على وسائل الإعلام العامة دراسات دقيقة ومعمقة لمعرفة المضمون المتميز للرسائل الإعلامية، وما يجب أن تحتوي عليه من بيانات وأشكال ومعلومات ورموز ورسوم، وما يجب أن تستخدمه من أساليب إعلامية مهنية، وخصائص تكنولوجية فنية في سبيل ذلك، إضافة إلى إيلاء شكل هذه الرسائل عناية خاصة واهتماماً بالغاً، ليتواكب المضمون المتميز مع الشكل الملائم، ومن ثمّ تحظى الرسائل بالمتابعة والاهتمام، وتحقق الأهداف المنشودة منها.

أهمية الرسائل الإعلامية:

تعود أهمية الرسائل لسببين رئيسين أوّلهما أنّ الرسائل تشكّل جزءاً أساسياً من عملية تشكيل الاتجاه، فإذا ما استجابت الجماهير لمنشئ الرسالة، وللرسالة التي بادر إليها المنشئ، فإنّ هذا يُعدّ مؤشراً واضحاً إلى أنّ الرسالة قد تم استقبالها، وإلى أنّ الرسالة موضع اهتمام، وبطريقة ما يتم استخدامها والاستفادة منها. وقد يكون ذلك مجرد جزء من عملية التفكير، ويمكن أن تُنفّذ كالأفعال. أما الأمر الثاني فهو أنّ الرسائل توضح فعالية عملية الاتصال، هي تشكل جزءاً جوهرياً من عملية تقويم دور وسائل الإعلام وفعاليتها.

وتقسم الرسائل الإعلامية إلى ثلاثة أقسام، أوّلها وفقاً للهدف: فهناك رسائل إعلامية وثقافية وترفيهية وإرشادية وتوجيهية، والثاني وفقاً للجمهور المستهدف: فهناك برامج موجهة إلى الجمهور كافة، ورسائل موجهة إلى جمهور نوعي، والثالث وفقاً للشكل: فهناك رسائل على شكل أخبار أو تحقيقات أو محاضرات أو ندوات.

وثمة أمور عدة تسهم في تحديد الرسالة الإعلامية ومضمونها، وهي السلوكيات والاعتقادات المطلوب تغييرها لكل فئة من الجمهور، والرسالة الأساسية التي يجب أن تصل لكل فئة من الجمهور، وتحديد شكل الرسالة، وسبب اختيار هذا الشكل، والأثر المطلوب إحداثه من مضمون الرسالة، وكيفية التعبير عن مضمون الرسالة، واستخدام المؤثرات العاطفية أو العقلانية، ومعرفة المدخل المناسب للرسالة “إيجابي أو سلبي أو محايد”.

وانطلاقاً من ذلك كله يحرص الإعلاميون على التعرف على البيئة التي ستنشر فيها الرسائل الإعلامية وكيفية تعميمها على الجمهور، ودراسة ما يمكن أن تتضمنه تلك الرسائل وما لا يمكن أن تتضمنه في ضوء العوامل والإمكانات المتاحة والظروف السائدة والمدة الزمنية المناسبة.

ويستدعي ذلك أن يحاول المعنيون بالرسائل الإعلامية الإجابة عن أسئلة عدة، منها ما المضمون العلمي للرسالة، ومن يقوم بإعدادها؟ وما المواد التي يجب إنتاجها؟ ومن يقوم بإنتاج تلك المواد، وطبيعة إدراكه لعملية الاتصال؟ وما المستوى اللغوي المستخدم في الرسالة؟ وما الخصائص الفنية لها؟ وما مدى الارتباط بين توزيع المواد الإعلامية ومناطق توافر الخدمات ونوع الهدف المراد تحقيقه لدى الجمهور؟

الاستمالات في الرسائل الإعلامية:

تلجأ وسائل الإعلام إلى استخدام أساليب مختلفة لإقناع الجمهور بجدوى الرسائل الموجهة إليه، والدعوة إلى التفاعل معها والتجاوب مع مضمونها.

والإقناع ليس عملية قهر أو إجبار مباشر، إذ لا يحدث ذلك بمجرد إصدار القوانين، بل يتم من خلال جهود متتالية تستهدف استمالة العقل والعاطفة أو أحدهما لدى الفرد المستهدف بطريقة غير مباشرة في معظم الأحيان، وهذا يعني أنّ الإقناع ليس فعلاً ميكانيكياً، إذ إنّه يتطلب التخطيط المسبق والوقت والجهد للتغلب على كافة العوائق التي تقف في سبيل تحقيق أهداف العملية الإقناعية وثمة استمالات عدة تستند إليها الرسائل الإعلامية في حملات العلاقات العامة لإحداث عملية الإقناع، منها:

الاستمالات العاطفية: باعتبار أنّ الإنسان عاطفي يهتم بالرسائل التي تصاغ بمهارة، والتي تستميل الحماس والاهتمام بالذات أو المشاعر الأخرى التي ربما لا تكون منطقية بطبيعتها، وأن استخدام الحجج والبراهين والبناء المنطقي والتنظيم المحكم لن يكون له فاعلية إلا إذا كان مستخدماً بهدف استمالة العاطفة.

استمالات التخويف: ويقصد بها تلك الاستمالات المعتمدة على ما يدعى إثارة أوتار الخوف لدى جمهور المتلقين حول مضمون الرسالة الإعلامية الذي يشير إلى النتائج غير المرغوبة المترتبة على عدم قيام المتلقي أو قبوله لتوصيات الرسالة الإعلامية، وعدم تطبيقه لمحتوياتها، أو الاستفادة الجدية من المعلومات والبيانات الواردة فيها. لكن المبالغة في استخدام نوع معيّن من المؤثرات قد يؤثر سلباً على تحقيق الأهداف، فأسلوب التخويف قد يجعل الجمهور يهتم بالرسالة، لكنه في الوقت نفسه قد يعوق مدى فهمه لهذه الرسالة.

الاستمالات المنطقية: تعتمد فعالية الاستمالات المنطقية “العقلية” بصور عامة على مدى اقتناع الأفراد بالتفكير المنطقي في الموضوعات المطروحة. وحتى تزاداد فعالية الاستمالات المنطقية يجب أن تعتمد – إلى حد ما – على توظيف دوافع الفرد ودراسة الاختلافات الفردية التي تحدد مدى تأثير تلك الاستمالات على كلّ قطاع نوعي من الجمهور، وفقاً لدرجة الاختلاف في المستوى التعليمي والثقافي وطبيعة الشخصية وأسلوب التفكير.

ومن الجوانب المهمة في هذا المجال المقارنة بين الاستمالات الإيجابية والاستمالات السلبية؛ الاستمالات الإيجابية تتضمن تحقيق نتيجة محددة مستهدفة ومرغوبة من القائم بالاتصال، حتى يقتنع بها الجمهور المستهدف، أما الاستمالات السلبية فتشتمل على تجنب نتيجة غير سارة أو غير مرغوبة يستهدف القائم بالاتصال من أفراد الجمهور المستهدف تجنبها وتلافيها.

المعرفة والاتجاهات والسلوك:

تسهم الرسائل الإعلامية في إحداث تغييرات جوهرية في طريقة فهم استيعاب الجمهور للقضايا التي تطرحها، ومن ثمّ توجيههم الوجهة السليمة للتعامل معها وإدراك مراميها. ويظهر هذا التأثير في الأمور الآتية:

–         نشر المعرفة: يقصد بالمعرفة تلك الثقافة التي يمتلكها الجمهور من خلال وسائل الإعلام عن كل ما يرتبط بالقضية المطروحة من معلومات رئيسية، وعلاقتها بعدد من مجالات الحياة، وزيادة الوعي العام حيالها. وتظهر التأثيرات الأساسية لوسائل الإعلام في الجانب المعرفي عند الفرد بتقديم معلومات جديدة تختلف عن معلوماته السابقة، وتغيير أو خلق صور ذهنية عنده عن الأحداث أو المواقف أو الدول أو الأشخاص.

التأثير في الاتجاهات: يؤدي المحتوى دوراً واضحاً في التأثير على اتجاهات الأفراد نحو التقبل أو الرفض. وتتضافر عوامل كثيرة في تحريك وتوجيه هذه الاتجاهات منها: التعليم والطبقة والعلاقات الاجتماعية ووقت المشاهدة. و المعروف أنّ الرسالة الإقناعية هي نتيجة للعديد من القرارات بالنسبة لشكلها ومضمونها، ومعظم هذه القرارات لا يمليها الهدف الإقناعي للرسالة فقط لكن يمليها أيضاً خصائص الوسيلة ونوعية الجمهور المستهدف والظروف المحيطة به، إلى جانب عومل أخرى لإحداث التأثير والفائدة.

–         التأثير في السلوك: يتم التأثير في السلوك من خلال إكساب المواطن سلوكيات إيجابية معينة، وإقناعه بترك اتجاهات وسلوكيات غير سليمة. والسلوك الإنساني هو ما يقوم به الفرد من نشاطات مختلفة، وما يؤتيه من أفعال وردود أفعال في حياته اليومية الخاصة، وفي علاقته مع الآخرين، وهو انعكاس للمواقف التي تحيط به نتيجة اتصاله بمجال اجتماعي معيّن.

وانطلاقاً من ذلك ترمي الرسائل الإعلامية إلى أمور عدة، منها تعديل أنماط السلوك وتغييرها في الاتجاه المستهدف، أو إكساب الجمهور عادات سلوكية جديدة، وتمثل هذه المرحلة أصعب مراحل العملية الاتصالية، إذ إن وسائل الإعلام تبدو ضعيفة الأثر في إحداث تغيير ما في المواقف والاتجاهات، وتكون أضعف إذا كان هدفها تغيير السلوك.

مما لا شك فيه أنّ الهدف الرئيسي للقائمين على الرسائل الإعلامية هو نجاحهم في إيصال تلك الرسائل إلى الجمهور المستهدف، وتأثيرهم فيه وفق الأهداف المنشودة. وإذا أرادوا النجاح في ذلك فعليهم تحديد الأفكار الرئيسية التي تتضمنها الرسالة ويدركها الجمهور مباشرة، وتحديد الأسلوب الإغرائي المناسب، وأسلوب عرض وتقديم الاستمالات المناسبة للجمهور، والتنوع في الشكل والمضمون، وأن ترتبط بالمتطلبات الحقيقة للجمهور.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم