الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

الرجل القارَّة



 

إن من حق الدكتور عبد الرحمن ـ رحمه الله ـ أن تقيم له إحدى الجامعات مؤتمرا يتلمس جوانب شخصيته، ويكشف أسرار نجاحه، ويوثق إنجازاته؛ من أجل توريث النجاحات للأجيال القادمة.ليس كثيرا أن نطلق على هذا الرجل العالمي: (الرجل القارَّة)، وقد ارتبط اسم القارة الافريقية به، اختارها وثالوث الفقر والمرض والجهل يضرب خاصرتيها، والأجواء الاستوائية الحارة تشوي محياها، والوثنية تعبث بعقول بعض شعوبها، فأعاد رسم خارطة الإسلام فيها من جديد، وقدم الأنموذج الأمثل للمسلم الذي لا يفرق بين الناس وهو يخدمهم، تناسى كل العرقيات والحزبيات، وانطلق برسالة الإسلام الشاملة، حتى كان أحد أبرز عناصر التنمية البشرية في أفريقيا بكل وجوهها.بل إن الدكتور السميط كان ذا علاقة وثيقة بكل الحكومات الأفريقية التي كان يعمل فيها، من أجل أن تجد رسالته العظيمة بيئة آمنة مطمئنة، وأن يعرف الناس أنه إنما جاء لهدايتهم وإغاثتهم، وتعليمهم وحسب.
علاقتهم بولاة الأمور مبنية على الطاعة في المعروف، والثقة المتبادلة، والوضوح في التعامل، وقد توجت علاقة الدكتور السميط الوطيدة بحكام دولته (الكويت) بتكريمه بعد وفاته كما كرم في حياته، فأُطلق اسمُه على جامع الكويت الكبير.ومن كرم الله لهم، أن انفردوا بصفاء الخاطر عن البحث عن مثالب الآخرين، أو التقليل من عمل المنافسين، لا يردون على تهمة، ولا يتعقبون واشيا، فقد شُغلوا بالعطاء، فيما شُغل غيرهم بتتبع العورات.العمل الخيري ليس ملكا لأحد، وهي أبرز ميزاته على الإطلاق، بل هو ملك للمجتمع الذي يخدمه، يتأهل له منه من يحمل رسالته كل حين، يعيشون من أجله، حتى يكون أحبَّ إليهم من كل دنياهم، أسعد لحظاتهم حين يرون ابتسامة محروم، وأكثر ما يدمع مشهد إنسان انتفع بعطائهم، تعودوا ألا يشعروا بالتعب الجسدي، لأن الروح هي التي تعمل، كما روي عن الشيخ الوالد ابن باز رحمه الله.
لقيتُ الدكتور عبد الرحمن السميط في الأحساء في مجلس أحد العلماء، فألفيته أعظم مما سمعت عنه، هادىء القسمات، مشبوب العاطفة، رسالته في الحياة هداية الخلق، وفرحته الكبرى إذا ارتفعت سبابة أحدهم يشهد بالوحدانية للرب العظيم، عُرف بلجنة مسلمي أفريقيا، وسمعت منه مرارا: لم تعد لجنة مسلمي أفريقيا تحتاج إلى عبدالرحمن السميط، وحقا قال، وهو ـ وربِّ الكعبة ـ النجاح الفذُّ في إدارة العمل الخيري بكل أنواعه، فإن من طبيعته أن يكون له في انطلاقته رمز، ثم يتجاذب إليه فريق عمل متكامل يسير به نحو النجاح والتطوير، ويكون قادرا على الإحلال في أية لحظة؛ من أجل استمرار خدماته الإغاثية والإنسانية بشتى أنواعها.قدرهم عامة الناس، كما قدرهم خاصتهم، جلساء الملوك، وأحباء العامة، عاشوا كبارا؛ لأنهم لم يلتفتوا إلى (الأنا)، ولم تشغلهم عن هدفهم الأسمى ورسالتهم الكبرى، ابتعدوا عن المناصب فألحَّت عليهم، فلم تزدهم إلا إصرارا على الصفاء والنقاء ومزيد من العطاء، وتجافوا عن التطلع للأضواء الإعلامية فغمرتهم الأنوار الربانية، واستمروا يقدمون متنكرين لذواتهم؛ حتى أصبحت بذورهم حدائق ذات بهجة، ليس لجيلهم، بل لأجيال متعاقبة بإذن الله.
الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ صالح الحصين، والدكتور عبدالرحمن السميط، وآخرون وفدوا على ربهم بقبول أذهل كل من عايش حياتهم المكتنزة بالعطاء، أو من لم يعرف سوى الأسماء فقط؛ يدٌ عليَّة، وروح ندية، وزهد فيما في أيدي الناس، وتعلقٌ بما في يدي العلي العظيم، هذا ما نحسبهم لقوا الله عليه، والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحدا.ما الذي صنعه هؤلاء حتى لقوا كل هذا القبول؟

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم