الذوبان الزوجي .
د. دعاء أحمد راجح .
كثيرا ما نتداول هذا المصطلح في إطار حديثنا عن العلاقة بين الرجل و المرأة و يختلف الكثيرون من الجنسين حول مدلوله و مدى تقبله
فالذوبان الزوجي هو ذوبان احد الطرفين في الآخر و غالبا ما يكون في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية هو ذوبان المرأة في الرجل …بمعنى أن تفقد المرأة شخصيتها ….بحيث يكون دورها مجرد منفذ لأوامر الرجل …و أحيانا قد يحدث العكس يذوب الرجل في شخصية المرأة وهذا هو القليل النادر ..
ففي حالة ذوبان الزوجة تفقد القدرة على الإدلاء برأيها …أو على التحرك وفق قناعاتها و أفكارها …أو أن تعبر عن مشاعرها تجاه المواقف المختلفة ….فتفقد شخصيتها و تذيبها في الطرف الآخر.
ومن مظاهر هذا الذوبان الزوجي :
*تبنى الزوجة لرأى مخالف لرأى زوجها في موقف ما مع عدم قدرتها على الإدلاء به ….و مع تكرار مثل هذه المواقف يتراكم الاستياء و الإحباط لديها …مما يهدد العلاقة الزوجية مستقبلا …وهذا ما يؤدى إلى الذوبان الكلى
*عدم قدرة الزوجة على تبنى أراء أصلا و هذا بسبب ضعفا في شخصيتها أو موت بطئ لشخصيتها نتيجة سنوات من الكبت المزمن ….و هذا يؤدى إلى الذوبان الكلى
*يتلازم كبت الآراء مع كبت للمشاعر و الأحاسيس ….فهي لا تعبر عن مشاعرها السلبية بحرية و بالتالي يؤدى ذلك مع مرور الزمن إلى كبت المشاعر الايجابية أيضا …و تصاب بالتبلد و اللامبالاة ….
*الاعتمادية التامة على الزوج في اغلب الامور …..حتى إذا غاب الزوج عن البيت لأي سبب تنعدم قدرتها على إدارة البيت بشكل ناجح
*و هناك الذوبان الإيجابي و هو أحد إشكال الذوبان و يحدث بعد طول العشرة و وجود مساحة واسعة من التفاهم بين الزوجين بحيث تتقارب إلى حد كبير آرائهما و تتقارب مشاعرهما …و يتقارب نظرتهما للأمور …..حتى إن البعض قد يرى بينهما تشابها في المظهر الخارجي.
وللذوبان السلبي أسباب عديدة منها :
* الحب الجارف الذي تحمله المرأة لزوجها و الذي تعتقد أنها بذوبانها فإنها تكسب حبه و رضاه …في محاولة لعدم إظهار الاختلافات …و في محاولة للتقارب ….و لكن مع مرور الزمن تفقد شخصيتها و هويتها
* شخصية الزوج المتسلطة و التي قد تكون نتيجة لعدة عوامل أهمها البيئة التي تربى فيها و التي كان فيه والده هو الآمر الناهي في الأسرة …أو النظرة الدونية إلى المرأة و عقلها و أهليتها
* شخصية الزوجة الضعيفة و التي قد تكون نتيجة لعدة عوامل أهمها التربية القهرية التي تعرضت لها أثناء تواجدها في بيت والديها أو النظرة الدونية لذاتها
* المفهوم الخاطئ لمفهوم الطاعة و مفهوم القوامة و خاصة من قبل الملتزمين و الملتزمات دينيا و الذين يعتقدون أن القوامة معناها التسلط و التفرد بالرأي و أن الطاعة معناها الطاعة المطلقة …كطاعة العبد لسيده
* تفادى الخلافات التي تنشأ نتيجة اختلاف الآراء …مع عدم قدرة الطرفين على إقامة حوار بناء …و عدم القدرة على الوصول إلى حلول لهذه الخلافات …و تبنى عبارات و ألفاظ تثير من استفزاز الآخر
وفى دراسة أجريت على مجموعة من الرجال حول مدى تقبل الرجل لهذا الذوبان و مدى استحسانهم له تبين أن الرجال مختلفون في تقبلهم لهذا الذوبان و يختلف مدى تقبلهم حسب ثقافتهم و أفكارهم و محيطهم الاجتماعي
فمنهم من ينشد المرأة المطيعة التي لا رأى لها و يكون كل دورها منفذه لأوامره و خادمة له و لأبنائه حيث يتفرد هو باتخاذ القرار
و منهم من يرفض ذلك بشدة و يقول … انه يريد شريكا لحياته و ليس عبدا مطيعا …..فهو يستشير زوجته …و يتبنى الرأي الأرجح حتى و أن كان صادرا عن زوجته..
و منهم من يقتسم السلطات ….فما هو من مهمات البيت يترك لها حرية اتخاذ القرار فيه و ما هو من مهمات خارج البيت فالقرار له
و منهم من يترك للمرأة اتخاذ القرار بشكل كامل و يتوقف دوره فقط على تمويل البيت ماديا
و كما يختلف موقف الرجال تختلف النساء أيضا في مدى تقبلهم لهذا الذوبان
فمن النساء من ترضى بذوبان شخصيتها و تعتقد اعتقادا جازما أن الرجل هو الأقدر على اتخاذ القرار و حل المشكلات أيا كانت شخصيته …فهو صاحب الأمر و النهى حتى في اخص خصوصياتها
و هناك من النساء من تجاهد منذ اللحظة الأولى للحصول على احترام لرأيها …و إما تبوء محاولاتها بالفشل و تقبل بالذوبان كرها ….أو تكلل محاولاتها بالنجاح و تنتزع احترام زوجها و يعتمد ذلك بالطبع على ثقافتها وذكائها و قدرتها على إقناع الرجل برأيها و حكمتها في تناول الاختلافات بينهما
و أرى أن تعلم فن الحوار و فنون الإقناع و إدارة النقاش هام جدا للرجل و المرأة حتى لا تتحول النقاشات و الاختلافات إلى صدامات يومية
و أخيرا همسة في أذن حواء :-
لابد أن تعلمي أن إدارة النقاش مع الرجل هو فن و حكمة يحتاج إلى تعلم و إلى تمرن على الممارسة دون المساس بقوامته و رجولته
لابد أخيتى أن تعطى الرجل قدره …الرجل يحب أن يحترم …يحب أن تقدر أعماله و يشاد بها مهما كانت (ضئيلة من وجهه نظرك )يحب أن يرى نظرات الإعجاب منك ….يحب أن يسمع كلمات الشكر و الامتنان على انجازاته العظيمة ..يحب كلمات التشجيع و التقدير … يحب أن يشعر انك ترينه أفضل رجل على وجه الأرض علما و خلقا و دينا …
هذه المشاعر من الاحتياجات النفسية الأولية للرجل ….فان افتقد الرجل هذه المشاعر ….عوض هذا النقص ….بالسيطرة و فرض الرأي بالقوة في محاولة لإثبات انه هو الأقوى و الأكثر تحكما
و يتجلى ذلك عند إدارة الحوارات …
* فعند حدوث اختلاف في الرأي ….امدحي رأيه … قولي رأيك صائب تماما و أظهري ايجابيات رأيه …قاومي إظهار سلبيات رأيه مهما كانت واضحة …امتدحي تفكيره و عقله الذي هداه إلى هذا الرأي السديد
* عند التعبير عن رأيك …..لا تقولي أنا أخالفك في الرأي . …. ….و لكن قولي –بعد مدح رأيه – و لكن ما رأيك في أن نفعل كذا ؟…عبري عن رأيك بطريقة لا تظهر انه رأيك بل انك تستشيريه مع نبذه بسيطة عن ايجابيات رأيك …
بذلك …أنت تعطينه فرصة انه يفكر فيما تقترحين بهدوء ….و أنك لا تفرضين رأيك و أن القرار و الاختيار لا زال بيده …. لا تلحي و لا تسرفي في عرض إيجابيات رأيك
* أن اتخذ قرارا بتنفيذ رأيك و كان صائبا ….لا تذكريه أن الرأي كان لك ………على العكس …امدحي فيه اتخاذه القرار الصائب ..بدون أي إشارة إلى انك صاحبة الرأي …
* و إذا أصر على رأيه … و اتضح بعد ذلك خطأ هذا القرار ……..لا تذكريه أبدا بأخطائه ……و لا تشعريه انه ارتكب جرما بعدم الأخذ برأيك ….بل شجعيه و أشعريه انه قادر على تخطى الأمر …وان هناك فرصة أخرى لإصلاح الخطأ ….
و من مهارات إدارة الحوار أيضا أن تتفقي مع زوجك على كيفية إنهاء الحوار :
* فإما أن يقنع أحدكما الآخر ….و هذا هو المطلوب
* و إما أن تصلا لحل وسط ترضيان به كلاكما
* و إما أن يتنازل (أحدكما )عن رأيه … بحب و طواعية ….أن فشلتما للوصول لحل وسط و لكن اتفقا على أن التنازل لا يكون من طرف واحد دائما
* و في بعض الأحوال يكون من الصعب عليكما التوصل إلى حل أو التنازل بحب ……..ففي هذه الأحوال إما أن تؤجلا المناقشة حتى تهدأ النفوس
و إما أن تقبلي تنازلا مشروطا بعدم تحمل مسؤولية تجاه نتائج هذا القرار
كذلك من المهم للغاية أن تحددي الكلمات أو الألفاظ و الأساليب التي تصدر من زوجك و تثير استفزازك و أن يحدد هو أيضا تلك الألفاظ و الأساليب التي تصدر منك و أن تصارحا بعضكما بذلك
وفى النهاية نوصي الزوجات بالا تهمل ذاتها …بل تسعى دوما إلى تثقيف عقلها ….و تقوية ذاتها ….و تطوير قدراتها على التفكير و اتخاذ القرار و حل المشكلات ….فان هذا يساهم إلى حد كبير إلى انتزاع احترام زوجها و الاعتراف بأحقيتها في المشاركة بوجه عام .