الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

الخيانة الزوجية



مزعج هذا العنوان، وهو أكثر إزعاجا حين يتحول إلى شبح يظل يحوم حول رأسين جُمعا باسم شريعة الرحمن، ينزُ شكوكا قاتلة، وظنونا بائسة، لها من الواقع قرائن محبطة، يتمنى أحدهما أن يكتشف أنها مجرد سراب يحسبه رفيق الحياة وشقيق الروح حقيقة لفرط حبه له، وهو طوفان مزلزل إذا تفجر بينهما شيطانا مريدا، يحرق الحب، والمودة، والرحمة، فلا يُبقي من معاني الوئام الزواجي ولا يذر..

الحالات التي ترد من هنا ومن هناك لم تعد ذات هوية واحدة.. بل كما تُصدر المخدرات والخمور إلى بلادنا، لتمتص رحيق جملة من ورود شبابنا، وتلقي بهم على قارعة العمر أسرى لفافات وسجون، بلا أمنيات ولا طموحات ولا إنجاز، صارت الخيانة الزوجية تصدر أيضا من الخارج، عبر وسائل التواصل بكل أشكالها وألوانها، لتلقي بأفراد الأسرة أسرى هموم ومشكلات وتفكك وطلاق.

الحوادث الواقعة تقول: إذا فُتحت في أحد جانبي البيت ثغرة من الزوج، فقد تفتح في الاتجاه الآخر ثغرة أخرى، وكلا الاختراقين جريمة شرعية، وخيانة لله تعالى قبل أن تكون خيانة للزوج أو الزوجة، مهما كانت المسوغات التي يسوقها كل منهما، فإن الإشباع الجنسي الذي يحتاجه الزوج وتُدِلُ به الزوجة، والإشباع العاطفي الذي تحتاجه الزوجة ويبخل به الزوج، يمكن تحقيقه بطرق شرعية، وباستشارة أسرية، ومصالحة علمية مهنية مقننة، لا تكلف الأسرة شيئا، وقد تنقذها من أكبر مهدد لكيانها دنيا وأخرى.

خرق الخيانة الزوجية يبدأ بأحرف يتهاون بها أحدهما، تجربة جديدة يخوضها، أو استجابة عفوية يتجرأ عليها، أو وقوعا في استدراج غامض، يجد نفسه بعده أسيرا وضحية ابتزاز عاطفي أو مالي لشخص مجهول، يلوح له بالطعم حتى يقع في الشباك، فيحاول أن ينهض فلا تسعفه قدم ولا ساق.

وكما أن الخير يتجاذب، فإن الشر كذلك يتجاذب، فالتغزلات الرخيصة المبذولة في أول الطريق المشبوهة، تتحول إلى نزيف غالٍ من الأموال، والأوقات، وأغلى من ذلك كله الدين المهدور، والعرض المسفوح.

وتتشظى الخيانة الزوجية، فتصيب ذات الخائن بالخور والضعف، والنظرة الدونية لنفسه، والتحقير لكيانها، حتى يجد بأنه ليس أهلا لرفيق الحياة الذي يبدو صامدا أمام الإغراءات والفتن والفرص الشيطانية المتراقصة في عينيه.

وتتشظى أكثر.. حين تتحول إلى شكوك من قبل الخائن أيضا في صاحبته الطاهرة، فكما انغمس هو في وسط رديء قبيح، يعرفُ المنكر وينكر المعروف، فإنه يخشى من أن تنزلق قدما صاحبته في هذا الوحل وهو يسمع كثيرا القاعدة التي يرددها الوعاظ: «كما تدين تدان»، فيشدد النظر عليها أكثر، ويطالبها بالوقايات التي لم يكن يحسب لها حسابا قبل أن يرى تلك النماذج القذرة من النساء، التي تخون الزوج مع رجل خائن لزوجته، ومن الجانب الآخر تقع كارثة لدى قلة من النساء، حين تفكر بالانتقام بما يغمسها في تنُور الخطيئة، وهنا تنهار الفضيلة تماما في البيت كله، بل قد يورث هذا السلوك المنحرف للأولاد ذكورا وإناثا، اقتداء أو تهاونا في المراقبة، أو ضمورا في الغيرة.

من أبرز أسباب الخيانة الزوجية: ضعف الوازع الديني مع عدم إشباع الحاجات، وصحبة السوء التي تفتح أبوابا من السوء، والاستخدام المغفل لوسائل التواصل، واستغلال المشاهير لإقبال بعض الفتيات والنساء المتزوجات على متابعتهم، وغفلة الرقيب، وادعاء الخصوصية، وانعدام الصراحة بين الزوجين في الكشف عن مكنونات الاحتياجات، أو الخوف من البوح في حال وجود قرائن بل دلائل على بدء محادثات مريبة، أو تبادل صور، أو انشغال بالجوال لمدة طويلة في مكان مريب، كدورات المياه، والغموض الذي يكتنف علاقات الرجل أو المرأة، وخاصة الارتباك حين يذكر شخص معين، أو بلد معين يكثر السفر إليه، والتهاون في تنامي علاقة قريب أو سائق أو زميل عمل.

وإذا كان الحديث هنا في إطار الحياة الزوجية المبنية على العفاف، والإغناء الكامل عن الحرام، فإن لغير المتزوجين أن يتقوا هذه المزالق المهلكة قبل الزواج، حين يغادرون منطقة العزوبية طاهرة نقية لم تلوث بخطيئة، ولم تُعقد فيها علاقة منحرفة واحدة، فقد وجدت بأن العلاقات المحرمة قبل الزواج لكل من الزوجين على حدة، تمتدُ أحيانا بعد الزواج، تماما كما تقطع شجرة البرسيم من فوق الأرض، وجذورها القوية ضاربة في الماء، ما أسرع أن تنبت شجرتها من جديد، وقد تكون أكثر مما سبق وأقوى!!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم