يقول اندريه جيد إن المنافق الحقيقي هو الذي لا يدرك خداعه لأنه يكذب بصدق ,فهناك أنماط من البشر يتقنون فن أو صناعة الخداع والكذب والتحايل على انفسهم والآخرين, إن الخداع النفسي والاجتماعي صار أسلوب حياة لدى الكثيرين فالأصدقاء قد يخدعونك بسم الوفاء وهم يخفون الحقد والغيرة والكراهية والحسد , والحكام يخدعون أنفسهم والشعوب باسم المصلحة العامة والإرهاب ومحاربة كل من يخالفهم , لقد كانوا يمارسون سياسة التجهيل والآن أضافوا إليها سياسة الخداع الإعلامى والنفسي السافر الفج وللأسف يقع الكثيرين فى هذا الشرك والنفق الطويل المظلم.
والعقل البشري يخدع في كثير من الأحيان الإنسان فلا يستطيع السيطرة عليه، ويضيف إليها الكثير من المشاعر والأحاسيس ويمثل هذا خطرا شديدا على النفس والآخرين، ويصبح كالإدمان الذى يستخدم للراحة المؤقتة التى يعقبها مزيد من الألم والكوارث,ومن أشكال ذلك الرضى والغرور وتصور أن الانسان بلغ قمة الكمال والعلم والثقافة لا يضاهية الكثيرين وينظر للآخرين باستعلاء المتعلم فإنه لو خضع لهذا الخداع فأن سلوكه سيكون متكبر مسفه لآراء الآخرين، ويعمل نفسه قاضي لأفكار الآخرين، وقد يكون الخداع النفسي وسوسه شيطانية داخلية وخارجية من شياطين الانس والجن بداخل أنفسنا وعقولنا للتوقف عن الشيء الصحيح الذي نقوم به، ومن ثم تكون مجاهدة النفس ومحاربة الاهواء وهي من أصعب الاشياء على النفس.
ومن المعروف سيكلوجيا أن هناك في اللاوعي لدينا أجزاء مظلمنا بداخلنا حتى لو قمعناه تتمثل في أفكار يعتقد الفرد أنها غير جيدة أو مضرة أو تمثل تهديدا للذات وتحاول أن تخرج للواقع في أنسب فرصة، ومن ثم تأتي وظيفة النفس الأمارة بالسوء لتحاول تهذيبها وتقديمه بالشكل المقبول داخليا وخارجيا وهو الخداع باشكاله، لفعل ذلك وتزيينه وتحسين صورتة للاخلاق فتنتقل أمارة السوء إلى اللاوعي وعند أقرب فرصه وتحاول الخروج, وطريقة الخداع النفسي أنسب طريقة لذلك فتحاول أن تقنع نفسك بأنك فعلت الكثير وعملت ما هو مطلوب منك أو إنك أفضل من الآخرين أو أنت دائما تفعل الصح فلماذا لا تفعل الخطأ الآن ! كلها خدع لتخدير الضمير وإنحراف السلوك ويشاركك الآخرين أحيانا من المنافقين وشياطين الأنس في تزيين ذلك وتحسين صورته لديك وتسهيل إتيانه.
من أمثلة الخداع النفسي :.التبرير : ويعتبر التبرير من أكبر المشاكل التي تواجه مجتمعنا ولا سيما لدى الشباب فالطالب الراسب في الامتحان يبرر ويعزي سبب رسوبه إلى أستاذه أو أسرته أو يتهم الحظ العاثر ..ويؤكد لأصدقائه وأهله بأنه ناجح وعبقري ..ولكن حظه العاثر يطلبه عداوة!!..والشاب عندما ترفضه زميلته في الجامعة او العمل لا يعترف بهذا الرفض بل يؤكد لأصدقائه بأنه هو الذي رفضها وأنها ليست من مستواه !! وكثير من الشباب يحلمون ويغرقون في بحر ليس له قرار حتى تتحول هذه الأحلام إلى حالات مرضية، وفي كثير من الأحيان يقوم المرء بتفريغ غضبه وعدوانه على شخص آخر وتبتعد عن المسبب الحقيقي. فمثلا المعلمة المحبطة من زوجها تقوم بضرب التلاميذ أو ابنتها لأجل تفريغ غضبها والموظف عندما يتعرض للعقوبة أو الإهانة من قبل مديره أو رئيسه، يأتي إلى البيت ليلقي اللوم ويفرغ غضبه في زوجته وعائلته. والكبت وهو من المشكلات التي تعصف بالكثيرين وخصوصا الكبت الجنسي واللجوء إلى ممارسة العادة السرية بصورة مفرطة ..مما يؤدي إلى تدهور نفساني وجسماني، وقد يعاني الشاب اضطراب في اتخاذ القرارات، وقد يعاني من تأنيب الضمير عندما يقوم بفعل ما.. وهو قد تربى منذ صغره على نبذ هذا الفعل مما يؤدي به إلى التناقض والازدواجية .
وهناك أساليب اخرى للخداع النفسي نراها في المجتمع مثل التمارض لعدم الاتيان بشيء ما وذلك من قبيل قيام بعض الطلبة والطالبات به أيام الامتحانات العامة مما يؤدي بهم الى التأجيل أو الرسوب وهذه الحالات نتيجة تراكمات نفسية بسبب القلق والاضطراب يؤدي ذلك بالتالي إلى مضاعفات جسمانية كحالة التقيؤ والإغماء في الامتحان.
وهناك حالات لخداع النفس تكون الغاية منها إعادة التوازن إلى النفس فمثلا: عندما نقول لإنسان متصابي بأنك مازلت شابا بل أفضل من كل شباب هذا الزمن ..قد ينكر في الظاهر ولكن في قرارة نفسه هو في راحة نفسية تامة لهذا نقول رفع المعنويات أو إعادة الثقة إلى النفس ..أو عندما يوصف شخص مخادع حبيبته أو صديقته القبيحة العانسة بأنها بدر البدور وأجمل الجميلات، وأنه سوف يزرع لها بستان من الورد، ويصنع من قرص الشمس شبكة يضعها في يدها ..فتطرب هي للكلمات المعسولة رغم أنها تعلم علم اليقين بأنه كذب وخداع ولكن عليها التصديق لتعيد لنفسها الثقة ..والتوازن .
ومن أهم أسباب الخداع النفسي الاجتماعي سيادة مشاعر الإحباط العام لدى الفرد والآخرين، وفقدان الامل والثقة وخيبة الرجاء والإحساس باليأس وما يترتب على ذلك من مشاعر، وعوامل نفسية ضارة نحو النفس والآخرين ، وهناك سمات لدى بعض الافراد شخصية بحكم تكوينها تميل لإظهار ما لا تُخفي بشكل تعمدي ضمن تركيبة الشخصية. ومن ثم محاولة اللحصول على مكاسب مادية أو معنوية وكذلك الصراعات النفسية بأشكالها المختلفة وكلها موضوعات تحتاج الى كثير من التفاصيل ولكن ليس أوانها الآن، و أيضا غياب اليقظة والوعي العام لدى الفرد والمجتمع مما يجعل الضحية صيد ثمين للخداع ويُغري بعض الشخصيات خاصةً ذات الطبيعة الشخصية التي تميل للخداع, بالإضافة إلى وجود مشكلات نفسية واجتماعية تجعل المخادع يميل لمن يخدعه إما بإعتباره تخليص ذنب، أو إعتباره أحسن الحلول أو أفضل الاختيارات السيئة مثل (حبيبي شخص سئ وأعلم أنه يخدعني لكني لا أتخيل الحياة دون حب وشخص يسأل عني ) ، أو (زوجي يخدعني وأعلم ذلك جيداً لكني لا أملك أن أخرج من هذه الخدعة لأن الحل وقتها الطلاق وهو ما لا أستطيع تحمله) .
وعلى الجانب الاجتماعي ايضالم يعد خداع والهاء الشعوب مجرد ألاعيب حاكم، بهدف إخضاع شعبه وإنما أصبحت صناعة يخطط لها. وترصد من أجل نجاحها الأموال وتقام لها الدراسات والإستراتيجيات بعيدة المدى. وهي تشمل من بينها ما بين إعلام فاسد وفن هابط وافتعال مشكلات اقتصادية واجتماعية بل وفتن طائفية بين نسيج المجتمع. ولعل أحدث مولود فى مفردات الإلهاء وكذلك الجماعات والتنظيمات الفاسدة مثل جماعات عبدة الشيطان وتبادل الزوجات وما يسمى بالألتراس وكرة القدم نفسها تعد من أكبر عوامل الإلهاء.
ورغم أن الألتراس التى معناها «التعصب العنيف» اختراع إيطالى منذ الستينيات وقيل فى أمريكا اللاتينية قبل ذلك بخمسين عاما، فإن نجلى المخلوع مبارك جلبا الفكرة إلى بلادنا فى عام 1995، ليكون هؤلاء الشباب الأبرياء المتعلمون خير دعاية لقضية التوريث.
ورغم مرور أكثر من 500 عام على طرح أفكار ميكافيلى صاحب المقولة الشهيرة الغاية تبرر الوسيلة فى كتابه الشهير البرنس (الأمير) الذى أعطى فيه نصائح لكل ديكتاتور كيف يحكم شعبه. ومن وقتها وأصبحت تلك الأفكار النواة الأهم لصياغة سياسات كاملة لفنون وإستراتيجيات خداع و إلهاء الشعوب.
ولأن الحكام فى كل مكان وزمان لم يتغيروا على مر العصور كان هدفهم جميعا واحدا وهو البقاء فى الحكم لأجل غير مسمى، ومن أجل حفاظهم على هذا الحكم يرتكبون كل الجرائم المعادية لحقوق الإنسان ويبتكروا الحيل والألاعيب فى خداع وإلهاء شعوبهم عن قمعهم وطمعهم فى الحكم. ومن سادتها طبعا طغاة الغرب مثل هتلر وموسليتى وأخيرا جورج بوش الابن من إشعال الحروب فى كل مكان للهروب من الشائعات التى أحاطت بانتخابه وما حدث به من تزوير. ولا يزال كثير من حكامنا العرب حتى الآن يسيرون على نفس النهج ويتفننون فى خداع الشعوب ليل نهار,ومنها ما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع ومن على شاكلتة الآن من حيث اختلاق الهواجس مثل الارهاب والزيادة السكانية لتبرير سياسية التقشف وبيع القطاع العام للتغطية على فساده وفساد حاشيته ومن حوله واختلاق المشاريع الوهمية وكذلك الأعداء !!!.
وأخيرا فان في جو الحرية والحوار الحر والنقاش المثمر وفي أساليب التربية والتنشئة الصحيحة، والتعامل مع أبنائنا وشبابنا وأهمية تعزيز الثقة واستخدم القدرات الذهنية بشكل أفضل كلها عوامل تجعل من الافراد أقل عرضة للخداع، وأهمية الحوار والنقاش وتعويد الأبناء على التساؤل في حال وجود امر غامض ومريب، وتعويدهم على التنفيس الانفعالي والاستشارة، فالبيئة التى يسودها التخويف والتهديد والقمع يكونون عرضة للاستغلال؛ لذا ينبغي تعويد الأبناء والشباب على المصارحة والشفافية والشعور بالأمان والاطمئنان فكافة هذه العوامل تعد درع وقاية من الانحراف والوقوع في فخ الخداع والمخادعين أعاذنا الله وإياكم منها .