في كل يوم نردد سبعة عشر مرة في صلاتنا المفروضة هذه الآية الكريمة في سورة الفاتحة أم الكتاب هذه الجملة التي ترددت في كتاب الله 23 مرة ، وماذلك إلا لبيان فضلها وجميل أثرها على العبد ، والعبد يتقلب صباحا ومساء في ظلال ( الحمد لله رب العالمين ) فبها يستفتح يومه ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ) وبها يختم يومه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي . رواه مسلم .
والحمد في كلام العرب هو الثناء الكامل ، فالحمد كله أوله وآخره لله رب العالمين ، فهو المستحق للحمد وحده دون سواه ، وفي حياتنا الزوجية تتجلى مظاهر الحمد والثناء على الله :
1 ـ الحمد لله على نعمة الزواج ، تلك النعمة التي حرمها الكثير ففيه السكينة والسكن والمودة والرحمة ، وفيه الإحصان والعفة والطهر فيا أيها الزوجان حافظا على هذه النعمة ولتحمدا الله عليها . فقد قال صلى الله عليه وسلم ( ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة ) رواه ابن السني وحسنه الألباني .
2 ـ الحمد لله على ما زيننا الله به من نعمة البنين والبنات فـ ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) فهم زينة في الدنيا ومنفعة بعد الموت فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له … ) رواه مسلم .
وفي الآخرة كسب للثواب ونجاة من النار قال صلى الله عليه وسلم ( من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ) متفق عليه .
ويكمل النعيم بلقائهم في الجنان ، ( والذين آمنوا واتبعتم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ).
3 ـ أيها الزوجان إذا وفقتما لاختيار شريك الحياة فاحمدا الله تعالى على ذلك ، فكم عانى البعض من الأزواج في البحث والاختيار وكم ظلت فتيات سنوات طوال بانتظار فارس العمر فيارب لك الحمد .
4 ـ عزيزي الزوج عزيزتي الزوجة إن رأيتما من شريك حياتكما مالا ترضونه فلا تجزعوا من أقدار الله فالخير فيما اختاره الله ( وربك يخلق مايشاء ويختار ) فلربما كانت المنحة في المحن ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ولتلهج ألسنتكم بالحمد لله والثناء على الله فـ ( الحمد لله على كل حال ) .
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره قال ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ؛ وإذا أصابه خلاف ذلك قال ( الحمد لله على كل حال ) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .
5 ـ أيها الزوجان ليقل كل واحد منكما ( الحمد لله رب العالمين ) ففيها العون لكما لئلا تنظرا لغيركما متناسين ما لديكما مما يستوجب الحمد لله ، فالدنيا دار العمل ومهما عاني فيها العبد من البلاء فليعلم أن ذلك بأجره ، فلتمتلئ أنفسكما بالرضا والقناعة معرضين صفحا عن المقارنات التي تزيدكما ألما وتعمق فجوة الكره بينكما ، ولتعلما أن ماترونه من سعادة ظاهرة في حياة البعض إنما هو موجود في أنفسكم وفيما تملكون ، وتذكرا الحكمة القائلة ( اصنع من الليمونة شرابا حلوا ) فاستمتعا بما وهبكم الله ولتبحثا عن سر السعادة التي بين يديكم .ولتزيلا ركام خلاف السنين ليصفو بريق حياتكما . ولكم في حياة رسول الله أسوة حسنة في العفو والصفح .
6 ـ أيها الزوجان مهما منحكما من الله من صفات متفاوتة فلا يحملكم ذلك التفاوت على التعالي والزهو والغرور وما أجمل أن يتواضع كل واحد منكما للآخر إذ إن إحساس أحدكما بالتعالي سبب من أسباب الخلاف فالنفس مجبولة على حب من يشعرها بقربه وعدم استعلائه ، فلتنعم حياتكما بمعاني الرحمة والشفقة فما يملكه كل واحد منكما من مزايا إنما هو بفضل الله ( رب العالمين ) الذي منحكما ذلك وتذكرا ( وما بكم من نعمة فمن الله ) ومهما بلغتما ذروة المجد فما أجمل من قول ( الحمد لله ) فقد قال الله تعالى حاكيا عن نبيه داود وسليمان عليهما السلام ( ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ).
7 ـ الحمد لله أيها الزوجان سبيل للنظر في الحسنات التي أغلفتها سنين الخلاف ، والحمد لله بصيرة غابت عن أعين الغافلين من الأزواج فدب الخلاف والكره بينهما لأن كل واحد منهما قد لبس نظارة سوداء فلا يرى إلا السواد ، فيارب لك الحمد كله على أن منحت كل واحد منا حسنات ولابد ، فلنفتش أحبتي هنا وهناك عن الخير فيما نملك إذ لا يوجد شر محض ، فالكأس الذي نصفه فارغ يجاوره نصف ممتلئ ، وفي بيت فرعون عاشت آسية عليها السلام ، وفي زواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جويرة بنت الحارث رضي الله عنها إطلاق لسراح أسرى قبيلة بني المصطلق بأسرها ، وفي صد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مكة يوم الحديبية نفع عظيم أعقبه فتح ودخول أعداد من المسلمين في دين الله ….
فإن خلا أحدكما من الحسنات في نظركما القاصر فلتعلما أن وفاء الصبر على البلاء أجر بلا حساب ( إنما يوفى الصابرون أجرهما بغير حساب ) وحسنة الجنان لاتعدلها أي حسنة فأين خطاب الجنان
( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة ).
لتكن غايتنا سويا طلب مرضاة الله وجنته ، فقد رمى عمير بن الحمام رضي الله عنه تمراته في بدر وقال ( إنها لحياة طويلة ) وسارع للجنان ، وفي طلب الجنان آثرت المرأة السوداء الصبر على البلاء ( الصرع ) . فيارب لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ماشئت من شيء بعد .