السبت 28 ديسمبر 2024 / 27-جمادى الآخرة-1446

الجفاف الروحي في الوسط الخيري .



لا شك أن المنطلقات والدوافع التي ينطلق لها وبها أكثر العاملين والمؤسسين للأعمال الخيرية الفردية والمؤسسية تأتي من دوافع دينية عالية، وروح وطنية ومجتمعية، تعزز جانب القيمة العالية للبذل والعطاء والاحتساب والتضحية، خاصة مع مرتكزات التطوع، التي تعد أساس العملية التطوعية والعمل الخيري.

هذه الحال بشكل عام، وبشكل خاص مع بيئة عمل واتجاهات العاملين في الجهات الخيرية في بيئتنا المحلية، حيث يصنف المجتمع بالمعززات العالية للتدين كقيمة محركة هامة للأفراد. وفي الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة موجهات ومحفزات للعمل الخيري، من ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى) – سورة الليل، وقوله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) – سورة الحج، وغيرها من الآيات الدالة على فعل الخير والعمل التطوعي. ومثلها من الأحاديث الشريفة، والموروثات الشعبية والأدبية التي تدفع بالناس نحو العمل الخيري، وهي كثيرة، ولعلي أذكر منها قول الشاعر الحطيئة (جرول بن أوس) :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس

ذلك كله وأكثر محركٌ قويٌّ، خاصة مع بيئة المشاهدات من القدوات وتقدير المجتمع للمنخرطين في العمل التطوعي والمنتمين له، خاصة أئمة المساجد ومدرسي حلقات تحفيظ القرآن الكريم فلهم قيمة خاصة ..

ما يحدث أنه مع الوقت تتآكل داخليا عند العاملين في الوسط الخيري القيم الروحانية والإيمانية، وتحل محلها الرتابة والميكنة الإدارية، وهم في صلب ومحور العمل الخيري الروحاني، ومع المدة يزداد الجفاف الروحي، ويزداد القلب قسوة، ويؤثر ذلك في التعاملات والنظرة للأمور واختلالها، خاصة مع المنافسة مع الجهات الأخرى والاختلافات الاعتيادية، لتغيب ـ أحيانا ـ الأهداف وروح التعاون والتقدير المتبادل لمن يعمل في الوسط الخيري، وأنهم على خير، وأنهم وجوه متعددة لعملة واحدة، وتحضر ـ أحيانا ـ المادية، خاصة بين من يعملون بمكافأة أو رواتب، تشتد عندهم النظرة؛ كم يأخذ؟ وكم يعطي؟ وما المزايا التي يتحصل عليها؟ فيغيب عن اختياراته ومنطلقاته المنطلقات الدينية، المرتكز الأساس، ويغلب التفكير في الزوايا الثانية .

هذه المشكلة لو أردنا أن نقف على مظاهرها لذكرنا الكثير عزيزي القارئ الكريم، لكن لا شك أنها موجودة، ونحتاج أن نعالجها من السبب والجذر، من حيث انهماكهم في الأعمال الروتينية، وزهدهم بحضور المناسبات الدينية من محاضرات وندوات، خاصة الوعظية منها، وظنهم مع التقادم وانشغالهم بالتنظيم أنهم أصبحوا في غنى عن موادها ومضمونها، وأنهم الآن محتاجون لمواد ومواضيع أخرى، خاصة بالنقاشات الإدارية والتنظيمية والدورات الإدارية التطويرية، كذلك من الأسباب عدم توجيه الدعوات الخاصة لهم بحضور تلك المناسبات؛ بحكم أنهم أناس بلغوا منزلة عالية دينيا، وأنهم غير مستهدفين بالدعوة العامة، وأن مواد تلك المحاضرات الدينية لا تشملهم، و أيضا من الأسباب عدم شعور أصحاب المؤسسات بأهمية الجانب الروحي وتغذيته، وأنه هو الحصانة العالية والرافد الذي يصون الأفراد من الخطأ والزلل، ويرفع من القيم المهمة جدا للعمل الخيري، مثل: المراقبة، والأمانة، والحرص على المال العام، والإخلاص والتفاني في العمل .

وسط واقع تحدثنا عن عرضه وفكرته وأسبابه يبدو لي الآن أن هناك أفكارا عدة في تناول العلاج، مثل: وضع المسابقات في الحفظ، والمراجعة، والمسابقات الورقية، وجعل المناسبات الدينية ورحلات العمرة والحج وعمل التسهيلات الخاصة بتنفيذ تلك الشعائر، مثل: صيام الاثنين والخميس، ومثل الرسائل على الشبكة الداخلية والجوال، وتعليق اللوحات التي تحمل العبارات، وجعل بعض المناسبات التي تستهدف ضمنا الحديث حول المعاني والأحكام الدينية في الأعمال الخيرية، وتقوية جانب العلاقة مع المشايخ وطلبة العلم من لقاءات وزيارات، وغيرها من الأفكار التي تضمن – بإذن الله – صيانة النفس البشرية، والاهتمام بالموظف من عدة زوايا: العقل والجسد، وكذلك الجانب المهم الذي أشرنا له، وهو الجانب الروحي، الذي سيحمي المهتم بالعمل الخيري من الوقوع في شراك الجفاف الروحي العاطفي والتعلق بالماديات .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم