الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

الجبير.. في ذاكرة الأحساء



لا شيء يبرعم الثناء مثل الإحسان، كثير من المدائح تفنى، وتختفي من دواوين الشعراء فجأة، وقليل منها يبقى يتألق تاجا فوق جبين العصور. النماذج العليا هي التي تبقى نقوشا طبيعية مبهرة في سماء الخلود؛ كواكب درية لا تعرف الغروب، وسرعان ما تأفل الأقمار الصناعية التي وضعت في مدارها لتقوم بوظيفة ما، وبعد أن ينتهي وقودها تفنى بطريقة غير متوقعة حتى من صناعها، وقد يقوم من صنعها بإنهاء وجودها بنفسه؛ لأي سبب من الأسباب.

لا أستطيع أن أنسى ـ قبل أعوام ـ ليلة من ليالي الوفاء؛ التي كرم فيها نادي الأحساء الأدبي برئاسة الدكتور يوسف بن عبداللطيف الجبر عددا من الرجال الذين تركوا بصمة وأثرا في أحساء الخير، كان منهم شخصية فريدة، وفدت على هَجَر قبل ثماني سنوات تقريبا، ولكن برؤية واضحة، وإستراتيجية تمتد عشرين عاما للأمام، حتى أضحت المحافظة التاريخية تتجدد بشكل يومي، وإني لأجزم أن من يزورها الآن وقد غاب عنها سبع سنين مضت، ربما شك أنه فيها!.
كنت أذيع الأسماء المكرمة في ذلك الحفل الختامي لملتقى جواثا الأدبي، فجاء دور المهندس فهد بن محمد الجبير رئيس بلدية الاحساء ورئيس المجلس البلدي آنذاك، وأمين الأحساء بعد ذلك, فدعوته ليتسلم درع التكريم من راعي الملتقى صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود محافظ الأحساء، فإذا بالقاعة تهتز بتصفيق حار لم يتوقف منذ قيام المهندس فهد حتى جلوسه, حتى ابتسم الأمير إعجابا، وأثنى خيرا كثيرا، فحرت ماذا أقول، وقد نطقت راحات القوم بما تعجز عنه الألسنة، فما زدت على أن قلت: «إن هذا التصفيق أصدق تعبير عن محبة كبرى لرجل يستحق».
وحين زرت (عنيزة) لتقديم برنامج أسري، اختار المنظمون له قاعة البلدية، فأثنيت على المبنى المتميز، فقالوا: هذا بعض ما تركته يد المهندس الجبير هنا من أثر حين كان رئيسا لبلديتها، حيث تبناه في ظروف كانت تحتاج إلى صبر وجلد.

وأحسب أن الجبير لا يترك في المكان الذي يتولى إدارة بلديته جسرا ولا حديقة ولا سفلتة وتشجيرا ولا شواطئ ولا معالم سياحية ولا تنظيما لخارطة المدينة كلها وخطة لمستقبلها فحسب، وإنما يترك بصمة إدارية خاصة، تعطي للتفويض الفعال مثالا رفيعا، وتعاملا راقيا مع فرق العمل، تجعل من كل واحد منهم نسخة منه، يحبه ويستجيب لتوجيهه في آن، ولذلك تثمر المشروعات بسرعة، وتنضج بسرعة، ويتلقاها الناس بالقبول.
ليس هناك شكوى من قلة الميزانية مع كثرة الجديد من المشروعات، والدولة تنثر الخير نثرا ولله الفضل والمنة، فإن من عادة الجودة والمشروعات النوعية والتنفيذ المبدع أن يجتذب الأموال، ويقنع المسؤولين بأنها أجدر من غيرها بالاستثمار الحقيقي لأموال الدولة.
ولا شك أن شهادة الناس لأبي محمد بالنزاهة أكثر قيمة من شهادة كاتب مثلي، وهي من أبرز سمات القادة الناجحين على الإطلاق، في الوقت الذي نسمع فيه أخبار الفساد الإداري وقد دبت حتى في الدوائر الأبعد عن مثلها في العادة، ومن لا يسرق فسوف تتبارك في يده الأموال.
شكرا لك ولكل الرجال الذين وقفوا معك، وساندوا مسيرتك.
عزاء لأهل الأحساء وأخلف الله عليهم خيرا، وهنيئا لأهلنا وناسنا في المنطقة الشرقية بأبي محمد.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم