الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

التنشأة النفسية السليمة للأطفال



بقلم د.علاء فرغلي (إستشاري الطب النفسي)
مرحلة الطفولة هى الأساس فى بناء الإنسان ونموه عبر حياته كلها فهى مشتل الشخصية – إن جاز التعبير – وبذرتها الأولى، فإن توافرت لها الظروف المواتية للنماء والازدهار انبتت شخصية قوية متينة البنيان عميقة الجذور …
وتظهر المشكلات النفسية للطفل عند وجود علاقة مضطربة بين الطفل والبيئة المحيطة به تفرز حالة من سوء التوافق … هذه الحالة تثير فى نفس الطفل الوانا من الخبرات والصراعات التى لا تتركه وتظل تؤثر فى شخصيته برغم كبتها فى اللاشعور وتظهر فيما بعد فى صورة مشكلات سلوكية…
للتربية دور هام فى الصحة النفسية ، فإذا نشأ الطفل بطريقة سليمة اكتسب شخصية متزنة وعاش مرتاح النفس ، وإذا تعرض لتربية خاطئة نشأ بشخصية غير طبيعية وعاش مريضا نفسيا. ومجال التربية مجال واسع لا يمكن أن نوفيه حقه. وفى هذا المجال سيتم التركيز على بعض النقاط العامة والتى سأتعرض لها. ومن أهم أسس التربية النفسية  :

تنمية الشعور الديني :
الدين هو محور حياة الفرد .. وبدونه تصبح الحياة بلا هدف .. والإيمان بالله هو الجوهر .. لذلك لابد من تعريف الطفل بدينه بطريقة سهلة ومبسطة ومحببه إلى نفسه مثل :
1-    غرس محبة الله والإيمان به فى قلب الطفل.
2-    ترغيب الأطفال فى الجنة وأنها لمن صلى وصام واطاع والديه.
3-    تحذير الأطفال من المحرمات مثل السرقة والخمر والمخدرات.
4-    تعويد الأطفال الصدق قولاً وعملاً–ولا نكذب عليهم ولو مازحين وإذا وعدنا يجب أن نفى– ونحفظ السنتنا أمامهم ونحذرهم من الكلام البذئ.
5-    تشجيع الأطفال على قراءة الكتب الهادفة والمفيدة والبدء بسيرة الأنبياء.
6-    تعويد الأطفال النظافة والعادات الصحية السليمة مثل غسل اليدين قبل الطعام وبعده وغسل الاسنان وتقليم الأظافر والمحافظة على نظافتهم.

العلاقة بين الوالدين :
كلما كانت العلاقة بين الوالدين طيبة أدى ذلك إلى جو يساعد على نمو الطفل إلى شخصية متكاملة. ولا شك أن الجو الذى تشيع فيه الخلافات والمشاحنات بين الوالدين يسبب للأبن صراعاً نفسياً ويهدد اشباع حاجاته إلى الحب والأمن النفسى والانتماء وما يحدث له من توتر نفسى قد يؤدى إلى السلوك العدواني.

العلاقة بين الوالدين والأبناء :
تؤثر نوع العلاقة التى تنشأ بين الوالدين وطريقة تعاملهما مع الأبناء فعندما ينشأ الأبناء فى جو  مشبع بالحب والثقة يتحولون عند نموهم إلى أشخاص يستطيعون الشعور بالحب ويستطيع الطفل أن يثق فى غيره ، لأنه نشأ فى جو من الثقة مع الوالدين.
تفضيل أحد الأبناء على الآخر :
من أكثر الأخطاء التى يرتكبها الآباء ضرراً التفضيل بين الأخوة ، فهذا قد يؤدى إلى جرح نفسى عميق يجعل الطفل حساساً فى نظرته لزملائه ولا يتحمل أن يمتاز عليه أحد ، فهو يشعر بحاجة زائدة للرعاية مما يؤدى إلى صعوبة فى تكيفه مع الآخرين ، وهذا مدخل المرض النفسى.
نبذ الأبن انفعالياً :
النبذ هو عدم الشعور بالرغبة وهذا السلوك يهدد أمان الأبن ويتركه فريسة للشعور بالشك وأنه وحيد. ويتمثل هذا بالنظام الصارم وهجره أو طرده وتعمد القول أمامه بأنه غير مرغوب فيه مما يجعله يشعر بالخوف من هؤلاء الناس الذين يكونوا فى عالمه بأنهم لن يقفوا بجانبه ويعادونه. 
سيطرة الوالدين :
سيطرة الوالدين وقسوتهم وشدة العقاب تؤدى إلى نتيجة عكسية إذ يتبلد الأبن. وكلما اشتد العقاب صار غير مؤثر ويجب ألا يتعدى العقاب الخطأ الذى ارتكب ، وعلى الآباء عدم استخدام العقاب إلا فى أضيق الحدود. 
الخضوع للأبن :
بعض الآباء يلبون جميع طلبات أبناءهم مهما كانت. ويسرفون فى هذا النوع من التدليل ، اعتقاداً منهم أن هذا الحنان الزائد يقوى شخصيات أبنائهم ولا يدركون أن الأبن المدلل يرى الحياة بصورة غير واقعية، وعندما يكبر الطفل يصطدم بالواقع إذ يجد فى الحياة الألم أحياناً والقسوة مرات ولا يستطيع الاعتماد على نفسه.
الطموح الزائد :
يعتبر الآباء الفاشلون أن أبناءهم وسيلة لتحقيق ما فشل من آمالهم بالتعويض وهم يريدون أن يعيشوا حياتهم مرة أخرى بصورة ناجحة عن طريق وظائف أبنائهم وبهذا يسقطون آمالهم فى العمل ورغبتهم فى التعويض عن فشلهم المهنى بدون مراعاة لقدرات الأبن. وعلى عكس ذلك أن كثير من الآباء اكتسبوا مركزا اجتماعياً مرموقاً بسبب ما بذلوه من جهد وهم يتوقعون من أبنائهم أن يستمروا فى رفع اسم العائلة… ولكن إذا كان المطلوب أكبر من طاقة الأبن فإنه يعجز عن تحقيق هدفه ، مما يؤدى إلى احباط وهو الشعور بالفشل.
التعبير عن الانفعالات :
يتضايق كثير من الآباء عند بكاء الطفل فيجب فى نظرهم أن يكون هادئاً دائماً ، وهم لا يدركون أن الطفل إذا انفعل من شئ يلزم إخراج هذا الانفعال. والطفل لا يستطيع التحمل ، وإذا منع من البكاء فإنه سيتعود على كتم انفعالاته ، وهذه عادة سيئة ومنتشرة ويجب التخلص منها حيث أنها تؤدى إلى كثير من الأمراض النفسية وعلى الآباء تحمل ثورات الطفل حتى ينشأ متزن الشخصية. 
اللـعب :
يغضب أغلب الآباء عندما يلعب أبنهم كثيراً فى المنزل وهم لايدركون أن اللعب من العوامل الهامة لنموه فمن خلاله يكتسب المهارة الحركية ويكتسب خبرات فى أمور كثيرة ويخرج الطاقة المكبوتة. فلنسمح له باللعب قدر الإمكان، ولندرك  أن الخامل ينشأ متبلدا مكبوتاً والذى يحرم من اللعب يتعرض
لكثير من الاضطرابات النفسية والشخصية مثل الكبت والاحباط. 
أسئلة الطفل :
فى مرحلة الطفولة يلجأ أغلب الأطفال إلى الأسئلة ، ويغضب الآباء من كثرة الأسئلة ولا يبالون بالرد عليهم ، وهم لا يدركون أن أسئلة الطفل تعنى رغبته فى المعرفة التى يجب تشجيعها. أما إذا لم يجب على شئ منها فإن الطفل يصير زاهدا فى الاستطلاع وينشأ قليل الخبرة ولا يرغب فى معرفة أي جديد. ولذا يجب على الآباء الإجابة على كل أسئلة أطفالهم بطريقة سهلة الفهم.
مرحلة المراهقة :
تعتبر فترة المراهقة مرحلة حساسة من مراحل نمو الإنسان. وفى مرحلة المراهقة تحدث كثير من الأخطاء التربوية ، فالمراهق قليل التحمل ويثور سريعاً ويريد أن يحس بشخصيته ، وكثير من الأسر تعامله كالطفل الصغير فيتحكمون فى أموره ولا يتركونه يتصرف بمفرده ، وهذا يزيد من ثورته ويدفعه إلى العناد. والصواب أن يترك له الحرية فى تصريف أموره
وأن يختار الدراسة والعمل الذى يرغب فيه ، فإذا فرض عليه ما لا يرغب شعر بالاحباط وقد يفشل فى حياته. ولا داعى لفرض أصدقاء معينين على الأبناء ما دام أصدقاؤهم غير منحرفين ، وعلى الآباء تحمل ثورات المراهق وهذه تزول بالحب والتشجيع واعطاءه الحرية فى بعض أموره دون الخروج عن معايير الأخلاق.
على الوالدين معرفة ومراعاة الآتي :
1)عندما تضرب طفلك أو توبخه وتطلب منه أن يذهب لغرفته ، ماذا يقول في نفسه عندما يخلو بنفسه؟ سيقول : أنا سيء جدا لأني عصيت والدي ، أبي حقير جدا أنا أكرهه ، وماذا يقول في نفسه عندما تتقبل مشاعره وتدعه يعبر عنها ؟سيقول : كم أنت طيب يا أبي ، أنا محظوظ لأن لدي أب مثلك ، أنا طفل طيب يحبني والدي ، لابد أن أطيعه وأطيع أمي.

2)هل علاقتك بابنك حميمة وهل هو قريب منك يراعي مشاعرك، ويلبي طلباتك ، أنت إذن محظوظ ، أنت تسير في الطريق الصحيح.

3)عندما تطرد ابنك من البيت أنت لا تدري إلى أين يذهب، ماذا تعتقد أنه يشعر ؟ هل يؤنبك ضميرك، وتندم ؟نعم مهما كنت غاضبا منه لسوء تصرفاته فإنك سوف تبحث عنه في كل مكان ليرجع إلى البيت وتبدأ بلوم نفسك ، أنا السبب أنا الذي أجبرته على مغادرة البيت أين ذهب ابني، ماموقف والدته منك ؟ إنها ستلومك وتقول لك أنت السبب..

4)الوالد الغاضب قد يتصرف ويفعل أشياء يندم عليها عندما يهدأ.

5)لايكفي أن تقول لطفلك أنا أحبك عندما يكون في حالة غضب، بل تقول له : أنا أدرك أنك غضبان، ولك الحق أن تشعر هذا الشعور إن ابنك سوف يرتاح لحديثك هذا وستخف سورة غضبه ، لأنك اعترفت بمشاعره، وشاركته نفس الشعور.

6)عندما تهدأ الأم ويهدأ الطفل نطلب من الطفل أن يفكر في مشكلته ويوجد البدائل والحلول لها، وسيوافيك بسيل جارف من الحلول للمشكلة لم تقع لك على بال – تنفيذ الاتفاقية السلوكية (التعاقد السلوكي ) بين المربي والطفل، وهي عبارة عن اتفاق بين الأب وابنه أو بين المعلم وتلميذه على أن ينفذ الثاني أمورا يتفق عليها كأن ينام الولد مبكرا لكي يصحو مبكرا، أو يتفق المعلم مع التلميذ على أن يؤدي التلميذ واجباته مقابل منحه هدية أوجائزة أومبلغا ماليا وعندما لايفي التلميذ بوعده لايمنح شيئا
7)إذا أراد مني طفلي أن اشتري له لعبة ، ولكن هذه اللعبة خطرة عليه ، هل اشتريها له، أم اتركه يصيح احتجاجا منه على عدم شرائها له؟.
(التعزيز السلبي ) للسلوك غير المرغوب فيه لايجوز لك شراء هذه اللعبة لطفلك مهما كان احتجاجه ومهما صاح، وبالغ في الصياح والإلحاح، لأنك لو اشتريت هذه اللعبة له فسوف تعزز سلوكا غير مرغوب فيه عند طفلك ألا وهو سلوك الإلحاح والصراخ في المستقبل، وسوف يستخدم هذا الأسلوب معك كلما أراد أن يحقق لنفسه شيئا، بعد ذلك لن تستطيع تخفيض سلوك الإلحاح ، وسيحدث بينك وبين ابنك صراع دائم، كان يمكنك تحاشيه لو أنك امتنعت عن تلبية طلباته الضارة في بداية الأمر، بل إنه سوف يفسر امتناعك عن الشراء له بأنك تكرهه ولاتحبه، عند ذلك ستضعف أمام طلبات ابنك الصغير وسوف ينتصر عليك وسوف تشتري له ما يريد ليرضى عنك.

كيف تواجهون مشاكل أبنائكم :
– معظم مشاكل الأبناء تكون نتيجة سوء علاقتهم بآبائهم عندما تسؤ علاقة الولد بابيه يقل حب الأب لابنه وتغشى ضبابية من الكره للولد أمام عيني الوالد، وتزول هذه الغمامة عندما تتحسن هذه العلاقة في الموقف الأول تعلمت البنت سلوكا سيئا هو سلوك البكاء والإلحاح نتيجة تجاوب الأم مع ابنتها بالسماح لها بالسباحة قبل الأكل أما الموقف الآخر فإن الأم لم تمكن ابنتها من تعلم سلوك رديء، بل ضعف هذا السلوك ولم يعزز لذا فإنه لن يتكرر مستقبلا

– هل نقبل سلوك الطفل الخاطئ ونوافقه عليه؟ نحن نقبل شخصية الطفل ولا نقبل تصرفه الخاطئ لذا يجب التفريق بين الشخصية والسلوك، مثلا عندما يشاغب الطفل فيجب ألا نرميه بعبارات سيئة مثل ياحمار يامجنون ، يجب على المربي أن يعالج أسباب المشكلة بدون جرح لمشاعر الطفل

– أحيانا يواجهني طفلي بمشكلته وأنا متعب، هل أستمع إليه أم أرده؟ إذا جاءك طفلك يشتكي إليك وأنت في حالة سيئة ينبغي أن ترده بلطف وتعده أنك سوف تنظر في مشكلته في وقت لاحق، ولكن من الخطأ الكبير أن تدفعه بعنف، وتقول له: أقلب وجهك ماني فاضي لك ، إنك بهذه الطريقه تدمر شخصيته، لأنه طفل صغير ولا يدري عن حالتك النفسية أنها متعبة، لذا فإنه لن يعرض عليك بعد هذه الحادثة مشكلته مرة أخرى، مهما حاولت، وسوف يلجأ إلى غيرك عندما تصادفه مشكلة ما فالطفل لايميل إلا مع من يعامله برفق وابتسامة، إنه سوف يبتعد عنك مهما كنت والده لأنه لم يشعر منك بالحنان والعطف ، فانتبه أخي الأب ,أختي الأم لهذه الملاحظة

– عندما يكون الطفل منفعلا فإنه لايستطيع التفكير في مشكلته فإن الغضب يسد منافذ تفكيره ، ومن هنا نحن نقول يجب أن نعالج قضايانا النفسية والاجتماعية على نار هادئة وعندما يزول الغضب ، أما إذا كان الفرد غضبانا فإنه يتصرف بدون تفكير ويقع في أخطاء فضيعة يندم عليها عندما يعود إلى وضعه الطبيعي

– الأطفال عادة لا يصدقون أننا نسعى لإدراك مشاعرهم

– مقارنة بين تصرفين الأول خاطيء والثاني سليم من قبل الأم أو الأب أو المعلم ( الموقف الأول الخاطئ الأم سمحت لبنتها أن تسبح قبل الأكل لأن البنت بكت فلم تستطع الأم تحمل بكائها ، أما الموقف الآخر فالأم لم تسمح للبنت بالسباحة حتى تناولت غذاءها )

– بعض الآباء يعتقدون أن التعبير عن المشاعر لا يكفي بل لابد من حل مشكلة الطفل فهل احل المشكلة له أم اتركه يحلها بنفسه مع مساعدتي له؟

– من أهم مبادئ حل المشكلات أنك تدع الطفل يحل مشكلته بنفسه بأن تمهد له الطريق ليفكر في مشكلته ويقترح الحلول الممكنة، واستبعاد الحلول غير المنطقية وغير الممكنه – لتمسك ورقه وقلم وتبدأ بكتابة ما يقوله الطفل بدون تعليق منك أو استهزاء وبسرعة – ثم بعد ذلك الاتفاق بينك و بين الطفل على تنفيذ الحلول الممكنة بعد ذلك تتصافحا وتنقلب مشاعره من مشاعر سلبية إلى مشاعر إيجابية، وما أجمل أن تضم الأم ابنها عندما يحصل الاتفاق

– وأنا أقول…. [انه من الخطأ الفادح]عندما يخطأ الطفل وتقوم أنت كمربي بوصفه بالحيوان مثلأً … فهذا سوف يدمر شخصيته ويهزها، والأهم من ذلك أنك لم تعلمه التصرف الأصح من تصرفه الخاطئ … إنما أنت زرعت في نفسه وفي مخيلته أنه … حيوان !!!!!
أعزائي الوالدين حاولوا تطبيق مثل هذه الأفكار مع أطفالكم وسوف تجدون- أنكم سرتم على الطريق الصحيح ولن تتأذى مشاعركم- بإذن الله- من ضجيج أطفالكم وشقاوتهم ، فتطبيق مثل هذه الأفكار التربوية سهل وممتع ولا يحتاج منكم إلى جهود ، بل تحتاج إلى صبر وإلى وقت ليس غاليا على أغلى ماتملكون أطفالكم فلذات أكبادكم، والله ولي التوفيق..

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم