الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

التفاحة الفاسدة .



 http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQtakv0cw2plBVkz118MD8jMUhhzgQyu8LM6eT_1eJ4Fe13SeUp
 د. محمود بن سعود الحليبي

 

عنوان أقصوصة تربوية طالما سمعناها ـ صغارًا ـ من والدينا ومعلمينا ؛ عرفنا من خلالها أن عدوى الفساد

تنتقل من تفاحة فاسدة واحدة إلى باقي تفاحات الصندوق ، ولذا بتنا نقذف بها بعيدًا ! .

كبرنا شيئًا مّا ، وفهمنا المعنى البعيد والأعمق لهذه الحكاية ؛ بمعنى : أن الجليس السوء (( يعدي كما يعدي الصحيحَ الأجربُ ! )) ، وعرفنا لماذا يحرص مربونا الفضلاء على إبعادنا عن أصحاب السوء .

ولكن يبدو لي أن تلك التفاحة الفاسدة أيضا كبرت معنا ! ، وأدركت ما فهمناه وما اتخذه العقلاء من ردة فعل تجاهها .

وكأي فيروس يُحَارَب ويُوَاجَه بمضاد حيوي ؛ فيتخذ شكلاً آخر للمقاومة ؛ فإن تفاحتنا بدأت في عصرنا الحديث تفعل الشيء نفسه ؛ فبدلاً من أن يسري الفساد منها إلى غيرها عن طريق المحاكاة والاحتكاك الفطري ؛ طفقت تعمل جاهدة على إفساد ما حولها في ثوب ماكر ، وجهد جهيد ! تشتم من خلاله رائحة التكلف المقرفة ! .

لقد قرأت هذا في أعين أولئك الضعفاء عبّاد الهوى والشهوات ، لمسته في حرصهم الشديد على إيجاد من يشبههم في المجتمع ؛ مستخدمين كل أسلحة الإغراء والتحريض لإيقاع من نسميه : ( الإنسان الإمّعة ) في شِراكهم التي يعانون هم وذووهم من ويلاتها وآثارها السيئة أشد المعاناة ، وراحوا من جراء ذلك يبحثون عن مماثل يخفف عنهم تفردهم بها ! .

وحين يتم مرادهم الخبيث تعال لتتفرج على النظرات الهاربة في عين ذلك المسكين الذي وقع فيما وقعوا فيه ؛ تعال بسرعة ؛ أجل بسرعة !

قبل أن يستمرأ الحالَ ويسلك ذلك الطريق مع غيره ؛ كما سلكه أولئك معه ! .

ليته تأمل قول الله تعالى : (( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما )) . سورة النساء ، الآية : 27 .

لعلك تتساءل هنا عمن أقصد ؟ إنني أقصد ـ بصراحة ـ ذلك الإنسان الذي يبتلى بعادة قبيحة أو خلق ذميم ، أو باقتناء شيء شره أكثر من نفعه ، ولا يقف عند هذا الحد ؛ بل تراه يعمل جاهدًا على إشاعته في الصالحين من حوله فضلاً عن الطالحين ؛ متجاهلاً أو متناسيًا قوله جل وعلا : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) (  النور :  19 ) .

وأخيرًا :

ليسمح لي القارئ الكريم أن أعود به إلى قصة صندوق التفاح المبتلى بالتفاحة الفاسدة ؛ لأشركه في دهشتي من خلال هذا التساؤل المحير : لماذا تستطيع هذه التفاحة ـ وحدها ـ إفساد كل ما في الصندوق من تفاح جيد إذا تُرِكَ بجوارها ، ولا يستطيع التفاح الجيد كله مقاومتها فضلاً عن إصلاحها ؟!

اللهم ، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك  ، ويا مصرف القلوب والأبصار ، صرِّف قلوبنا على طاعتك ، واكفنا شرار خلقك بما شئت ؛ إنك أنت السميع العليم ! .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم