بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
فكم نسمع من كلمات تحمل في طياتها اليأس والإحباط! كم من مريض أيس من الشفاء! وكم من طالب فقد الأمل في النجاح! وكم من شخص أصبح الحصول على الوظيفة في نظره من المستحيلات! وكم من أب أُحبط وظن أن لم يعد قادرًا على تقويم سلوك أبنائه!
وكثيرًا ما يقع الإحباط بسبب ما وقع في القلب من التشاؤم الذي يحل محل التفاؤل، فالتشاؤم من أعظم أسباب اليأس والإحباط.
التشاؤم نظرة سلبية، والتفاؤل نظرة إيجابية، وهناك فرقٌ بين المتفائل والمتشائم:
المتفائل ينظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، والمتشائم ينظر إلى الجزء الفارغ منه.
المتفائل يرى في كل مشكلة حلًّا، والمتشائم يرى في كل حل مشكلة.
المتفائل ينظر إلى الورد، والمتشائم ينظر إلى ما حول الورد من شوك.
من الناس من تجده دائمًا متشائمًا، نظرته سوداوية، لا يرى الخير في شيء، لا في الحاضر ولا في المستقبل، حتى مع نفسه يقول: حظِّي نحس، ويعتقد أنه لا خير في الناس، وهذا يكدِّر عيشه ويشقي نفسه، من حيث لا يدري؛ لأنه خالف منهج الله في التعامل مع تقلبات الزمان وصروف الدهر.
لقد حثنا هذا ديننا الحنيف على التفاؤل، وحذرنا من التشاؤم؛ قال سبحانه: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وفي أمر الزوجات قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ويحث عليه، وينهى عن التشاؤم ويحذر منه.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا طِيَرَة وخيرها الفأل – وفي رواية: ويعجبني الفأل – قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم))، وفي رواية: ((كلمة طيبة))، والمقصود بالطيرة: التشاؤم، وكان من عادات أهل الجاهلية؛ قال النووي رحمه الله في كتاب الديباج: “التطير هو التشاؤم، وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح، فينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين، تبرَّكوا به ومضَوا في سفرهم وحوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم، وتشاءموا بها؛ فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير، فلا ينفع ولا يضر”.
والسوانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أوغير ذلك، والبوارح: ما أتاك من ذلك عن يسارك؛ كما في “لسان العرب”.
للأسف لا زال إلى يومنا هذا مِن المسلمين مَن يتشاءم بيوم من الأيام، أو بشخص أو بشيء من الأشياء، فيعتقد أنه نحس عليه، ويخاف من ذلك، وربما يترك شيئًا كان يريد فعله بسبب التشاؤم، وهذا من ضعف الإيمان وقلة التوكل على الله تعالى؛ لأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر إنما يقع بإرادة الله تعالى، ولله حكمة في كل ما يقدره، وكل ما يصيب المؤمن فهو خير له؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم].
وإذا تأملنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته، وجدناه أكثر الناس تفاؤلًا:
التشاؤم من أعظم وسائل الشيطان لإحباط النفوس، وتحطيم العزائم، وإعاقة الإنسان عن الأهداف النبيلة في أمور الدنيا وأمور الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268]، والمؤمن يجب أن يكون متوكلًا على الله، مهما تكالبت عليه الهموم، أو اعترضته المشكلات، فالخير ما يختاره الله، فامضِ في طريقك متفائلًا، ولا تقنط من رحمة الله؛ فالله تعالى يقول: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
وكم من المصائب والمحن في طياتها منحٌ وعطايا! وكم من العسر تبِعه يسر وفرج! ولن يغلب عسرٌ يسرين؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].
والتشاؤم سوء ظن بالله تعالى، وضعف يجلب الشقاء والقلق والحيرة، فترى المتشائم تضيق عليه الأرض بما رحبت، وتظلم الدنيا في وجهه؛ لأنه تعلق بالأسباب التي لا تنفع ولا تضر، وكما قيل: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل؛ وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال: هلك الناس، فهو أهلكُهم))؛ [رواه مسلم]:
الفأل نور للفتى وسعادة http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاهنأ بدربٍ يستضيء بفالِكا http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما الشؤم إلا ظلمة وشقاوةٌ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من نال منه الشؤم أصبح هالكا
وفي الدراسات الحديثة ثبت أن التفاؤل يساعد على تحسين الصحة النفسية والبدنية، وفي المقابل فإن التشاؤم يمرض الإنسان، ويؤدي إلى تأخر الشفاء بالنسبة للمريض، لأن التشاؤم يسبب الخوف والقلق، وبذلك تضعُف مناعة الإنسان.
وإذا نظرت إلى المتفائلين، وجدت أنهم الناجحون في الحياة؛ في دراستهم، في أعمالهم، في تجارتهم؛ في كل حياتهم، لأن نفوسهم راضية، ولأنهم على ثقة بتحقيق أهدافهم، يُقبِلون على أعمالهم بصبر وثبات، ولا يبالون بما يعترضهم من عقبات، يتكيفون مع جميع الأحوال حتى يصلون إلى غايتهم.
تفاؤل المؤمن ثقة بالله ويقين بوعد الله، حتى في وقت الأزمات؛ كما ذكر الله تعالى عن حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في معركة الأحزاب، حين حوصر المؤمنون وتكالب عليهم الأعداء، وأرادوا أن يبيدوهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولكنهم كانوا على ثقة بأنها غمة ستنجلي، وأن النصر قريب؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].
فتفاءل أخي المسلم، ابذل الخير، واسْعَ في نشره، ثم أبشر، تفاءل في نفسك بأنك ستكون أفضل، وسيأتيك كل خير، تفاءل في أبنائك وأسرتك بأنهم سيكونون أفضل، تفاءل في بلدك، تفاءل في أمتك وفي حال المسلمين، تفاءل وإن رأيت الباطل غالبًا والحق ضعيفًا، فلا بد لليل أن ينجلي، ولا تيأس ولا تتشاءم، فإن أصابك شيء من ذلك، فاستحضرِ التوكل على الله، وتذكر أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله وقدَّره.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتفائلين الراضين بقضاء الله وقدره، السعداء في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
______________________
عبدالهادي بن صالح محسن الربيعي