التسامح ، كلمة نسمع عنها ، نقرأ عنها ، نتحدث بها ونمني بها النفس أحياناً . البعض يعده سمة محببة ولكن هناك من ينظر إليه على إنه نقطة ضعف في الشخصية المقابلة أو دليل على عدم القدرة على عمل شيء ما تجاه المقابل !! فما هو التسامح وكيف يمكن تفسيره .
قبل أن أدخل في الموضوع أروي لكم هذه القصة الواقعية القصيرة ، هناك شخص يعيش في أحد الدول الأوربية ، يتحدث عن التسامح ويحب التسامح وكيف الأنسان عليه أن يتسم بهذه الصفة الحميدة ، يلتقي بمختلف الأشخاص ويعلمون عنه هذا ولكنهم لا يعلمون ماهو دينه أو معتقده وبعد فترة قال لي أنه كان ضمن مجموعة من الأفراد وتحدث عن التسامح وقال الدين الأسلامي وكل الأديان تحث عليه فسأله أحدهم هل أنت مسلم فقال نعم ، فقال له أحدهم لم نكن نظن ذلك لانك دائماً تتحدث عن التسامح !! يا سبحان الله لم يعتقدوا بأنه مسلم لأنه يتحدث عن التسامح !!
التسامح صفة في الشخصية تبدء بمسامحة النفس أولاً والأعتذار منها كل يوم عن كل فعل أو سلوك ومن ثم التعود على ذلك ليكون نحو الآخرين . التسامح ليس بالشيء الجديد أو الحديث بل إن كل الأديان السماوية تحث عليه . يعد التسامح من المصطلحات التي تُستخدم في السياقات الاجتماعية والثقافية والدينية المختلفة . وهو نابع من السماحة، وهو اعتراف بثقافة الآخر، وتفاهم جماعي متبادل بين مختلف الفئات والشعوب. يعتبر التسامح مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان، يتضمن الحرية والمساواة، كما نصت عليه الشريعة الإسلامية والأديان الأخرى.إن التسامح لا يعني مطلقاً التغاضي عن الأخطاء بل على العكس تماماً معرفة تلك الأخطاء ومحاولة تجاوزها بطريقة عقلانية منطقية ..
نعترف بالخطأ والعمل على عدم تكراره مرة أخرى لا أن نقول إننا نتسامح بمعنى أن نترك الأمور على ما وصلت إليه لإن ذلك يعمل على كبت تلك المشاعر المتعلقة بالحدث وتراكمها مما ينذر بإنفجارها مرة أخرى وهذا مايحدث كثيرا ً ومع الأسف بين الأصدقاء أو الازواج حيث ينتهي الموضوع بالقول بإن نترك ما فات دون العمل على معرفة الخطأ إين يكمن وما هو الطريق لعدم تكراره ومن ثم مسامحة كل إلى الآخر والعمل على بدء صفحة جديدة خالية من المشاعر المكبوتة التي تتحول في نهاية المطاف إلى بركان لايمكن السيطرة عليه فيما بعد. أما من ينظر الى إن تسامحه قد يفسر على إنه ضعف فنقول له الآتي إن الشجاع ليس من يستطيع أن يرد أو أن يقوم بسلوك عنيف نحو من قام بسلوك خاطيْ معه بل الشجاع من يستطيع إن يمسك نفسه لحظة الغضب ، من يستطيع أن يكبح تلك القوة الهائلة التي تنتابه لحظة الغضب والأنفعال وبعدها عندما تهديء نفسه وتسكن يبدء العقل بالتفكير السليم ويجد ما هو الحل الافضل والأنسب لمثل ما مر به من موقف.
فنحن نسمع في بعض الأحيان كثير من عبارات التشجيع التي لا ننتبه لها في مثل تلك المواقف مثل(بارك الله فيك أن سكت ، كيف تمكنت من ضبط أعصابك ، والله أنك قوي فعلاً ) وغيرها. وكما قال لي أحد الاساتذة الاعزاء جداً بأنه في عمله يكون (كالاسفنجة) يمتص غضب المقابل ولا يرد عليه بنفس اللحظة بل يمتص مافيه ويعمل على تهدئته ومن ثم يناقشه بما جرى وهكذا. من خلال ذلك نرى إن التسامح لا يعني الضعف أو عدم القدرة على الرد أو الخوف بل على العكس هو القوة العظمى التي يمتلكها البعض والقلة النادرة فقط ممن يستطيعون ذلك.
إننا ندعو ونرغب في أن نمتلك مثل تلك السمة وتلك الثقافة ثقافة التسامح بين الافراد ليس على المستوى الشخصي فقط بل وكما قلنا يبدء من مسامحة النفس أولاً ومن ثم نعممه على جميع المستويات والفئات فالتسامح يكون دينياً ومذهبياً وثقافياً وأجتماعياً وسياسياً ، لا كما نراه اليوم موجود من (تعصب) أعمى لا يقوم إلا على المصلحة الفردية الضيقة والتي تهتم بمصالحها الدنيوية فقط بغض النظر عن مصالح الآخرين . فما يقوله (السياسيون) اليوم وأضعها بين قوسين لأنني متحفظ جدا على هذه الكلمة (فهي صفة نطلقها على أناس ومع الأسف الكثير منهم لا يملكها فالسياسي الناجح يعمل على التسامح والكثير منهم لا يعلم معناها أصلاً وكيف العمل بها) ، من التسامح لايعد مبدأ تسامح بل هو مبدأ أن تقبل ما أمليه عليك أنا فقط وحال قبولك له أسامحك وياله من مبدأ تسامح سياسي رائع !!!
وهكذا الحال على بعض المتطرفين والمتعصبين في الدين فهم يدعون الى التسامح من وجهة نظرهم الخاصة والتي تعمل عىل مبدأ أن تقبل ما أمليه عليك وان تتبع ما أتبعه أنا وهكذا نجد إن الكثير من المؤتمرات التي تعقد على وفق وجهة النظر هذه ، يتفقون على نقاط للأعلام فقط يعني أتفاق ظاهري ويبقى المكبوت في النفس موجود لم يعمل على أخراجه والعمل على معرفته ومن ثم التسامح من الداخل وتصفية تلك المشاعر وبالتالي تختفي طاقتها المكبوتة والتي أن بقيت يمكن لها أن تنفجر باي لحظة وهو ما يحدث دائماً. أدعو الجميع وانا أولهم إلى أن نعمل على نشر التسامح والمحبة بين الجميع وان يكون التسامح والمحبة نابعة من عقلنا وقلبنا لا ان تنبع من اجل الكلام فقط وانتهاز الفرص للحصول على مصلحة آنية شخصية أو حزبية أو دينية لنعمل على أن تكون حياتنا يملؤها التسامح والمحبة لنكون أناس سعداء في مجتمع سعيد خالي من الأضطرابات النفسية المتولدة نتيجة لمثل تلك المشاعر المكبوتة وهو ما يسعى اليه اليوم الفرع الجديد من علم النفس واقصد به هو علم النفس الايجابي. وفقكم الله في ذلك .