التأهيل لبناء الأسرة
د. نورة خالد السعد .
عندما نتحدث عن بعض المشكلات الأسرية التي يعاني منها الأبناء بالدرجة الأولى سواء من حيث الشعور بقسوة معاملة الوالدين أو التفضيل لجنس دون الآخر، أو على العكس الإفراط في التدليل..، أو الإهمال وإلقاء المسؤولية إما على الأم وحدها أو أحياناً – وهذه ظاهرة في مجتمعاتنا الخليجية بنسب متفاوتة – الاعتماد على الخادمة والسائق للقيام بدور الوالدين..
هذا الحديث ليس ارتجالياً ولكنه حقائق اجتماعية يعاني منها الأبناء وتنعكس بالضرورة على ذواتهم وعلى اعتزازهم بقدراتهم والاعتماد عليها بعد ذلك وليس الاعتماد الكلي أو الجزئي على الوالدين أو أحدهما.
ومن الواقع أيضاً نجد أن الروابط العائلية المتماسكة وشبكة العلاقات القرابية التي كانت في السابق هي المناخ الدافئ الذي يتم من خلاله صياغة شخصية الأبناء ورعايتهم وتوفير التربية الجادة لهم وفي الوقت نفسه توفر لهم المصدر الأساس للحب شبه مفقودة ولهذا كان الحصاد جيل الآباء الذي أسهم بجدية في بناء مؤسسات المجتمع بإخلاص وحب وإتقان..
فما حدث هو أن معايير التربية الجادة والعادلة والدافئة لم تعد كما كانت فالمقبلون على الزواج معلوماتهم ليست عن وسائل وأسس تربية الأبناء فقط بل حتى عن كيفية إيفاء زوجاتهم حقوقهن مقابل ما عليهن من واجبات.. هذه المعلومات ولدى نسبة ليست قليلة ضعيفة!! ولهذا كانت نسب الطلاق في مجتمعاتنا كبيرة..
ولهذا بدأت بعض المراكز والجمعيات تعد دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج ولكنها لا تنفذ إلا على مستوى الفتيات فقط وليس الفتيان!! وأيضاً هذه الدورات في مجملها يتم التركيز على تعليمها كيف تتجمل وكيف تعد مائدة الطعام وتضيء الشموع عليها!! وفي بعض منها دورات عن بناء الذات وكيف تبتسم ومتى؟!! حتى إني وكنت عضوة في مجلس إدارة إحدى هذه الجمعيات منذ عام تقريباً –
قبل استقالتي منها – ناقشت هذه النقطة وتساءلت أين الدورة التي تعرّف المقبلة على الزواج على حقوقها وواجباتها الشرعية كما جاءت في التشريع الرباني كي تؤسس للأسرة المسلمة؟! فإذا بأحد أعضاء مجلس الإدارة وهو صاحب تخصص شرعي واجتماعاتنا عبر الدائرة الهاتفية فقط يقول لي ما معناه: إن هذه المعلومات تمتلئ بها كتب حقوق المرأة في الإسلام!!
في الواقع دهشت من هذه الإجابة!! فقلت: إذا كان هذا هو السياق المعرفي لهذه الدورة فأيضاً كتب تعليم الطبخ وإيقاد الشموع تكتظ بها رفوف أي مكتبة!!
ومن الغريب أن مدير هذه الجمعية المشتق اسمها من النساء جميع الإعلانات عن هذه الدورات هو الذي يعدها ولا يضع فيها إلا صوراً للطعام والقلوب الحمراء والشموع المضاءة!!
لست متحاملة على هذا الاتجاه في الإعداد للزواج ولكن هناك سياق معرفي وتشريعي وتربوي لابد من تفعيله في هذه الدورات التي ينبغي أن يستعد لها ومن خلالها الشاب والفتاة..
فالحضن الأسري السابق لم يعد موجوداً وهو الذي كان يسهم في تلقين الأبناء أساليب التربية الجادة التي تبني ولا تهدم وتعزز ولا تقوّض.. فإذا كانت هذه الفتاة وهذا الشاب لا يعرفان أساليب التربية السليمة وكيفية التعامل مع هذا المولود وهذا الطفل وهذا المراهق فكيف سيتم بناء الأسرة؟!
انتشرت مؤخراً المراكز الاستشارية الأسرية بعضها مجاني وبعضها برسوم مالية وهذا جيد ولكنه ليس الحل الجذري لمشكلات الأبناء التي تؤدي إلى تحويلهم إلى عناصر غير منتجة إن لم تكن مدمرة للمجتمع!! ولهذا لابد من استراتيجية حكومية تغطي هذا الجانب التربوي المهم فكما نغرس في التلاميذ حب الوطن والولاء للعقيدة ينبغي أن نسهم في تجذير المفهوم التربوي والتشريعي لحقوق كل من الرجل والمرأة تحت سقف الأسرة وتربية الأبناء..
المصدر : صحيفة الرياض ، العدد 14370 .