بعض الأسئلة تدل على البيت السعيد
– هل تريد بيتاً سعيداً؟
– هل تتمنى أن تتحقق آمالك وأحلامك؟
– اتبع هذه الخطوات الثلاث لتحصل على ما تريد:
إجعل حبك مطلقاً غير مشروط:
هل يتوقف قلبك عن الحب؟
أمل.. البالغة من العمر خمسة وثلاثين عاماً، وهي معلمة قديرة وناجحة، زوجها محمود البالغ من العمر أربعين عاماً وهو موظف في شركة نفطية، لقد تزوجا منذ 10 سنوات تقول أمل: “عندما تزوجنا كان محمود متفهماً ومحباً”، وتضيف قائلة: “والآن أصبح مختلفاً وكلّ شيء بيننا روتينياً ومملاً، إننا منزعجون طوال الوقت حتى أصبح الكلام بيننا صعباً، وأحياناً ينام في غرفة أخرى متعذراً بأسباب ومبررات لا تقنعني.. فأتذكر كم كانت السنوات الأولى لزواجنا جميلة ليتها تعود.. لقد كان يشعرني بالسعادة، ويغمرني بحبه وحنانه.. ليتني ألتفت إلى سبب انزعاجه، بل ليته ينفتح ويشاطرني مشاعره ويهمس في أذناي.. علي أن أتمكن من إنقاذ شجرة حياتنا قبل جفافها وتساقط أوراقها.
إنّ مشاعر الحب التي تختلج بين حنايا المحب، لا يمكن أن تُستبدل بالكراهية والبغض!
فالقلب الذي ينبض بالحب للأهل والأصدقاء والجيران والمجتمع والحياة سيبقى يُحب ويصدّر حبه لكلّ من حوله دون أن يلتفت إلى الطرف الآخر بتقدير حجم الحب الذي يحمله في قلبه اتجاهه!!
إنّه حبٌّ غير مشروط.. حبٌّ مطلق يخترق الحدود والأبعاد!
إنّ الشريك الذي يحب شريكه لا يأبه بما يصدّره له من حب ولا يقايض عليه، ولا يشترط ولا يبادل ولا يستعير.
فلا يتوقف الحب لتقصير الشريك أو إغفاله عن أمر من الأمور أو صدور خطأ منه.. بل إنّه حبٌّ يتجاوز المحسوسات والأشياء ليكون الهم الأكبر هو حب الشريك ولا شيء غير هذا.. يعني المزيد من الحب، والعطاء لسعادة الشريك دون مقابل، والتضحية بكلّ شيء وبأي شيء لأجل راحته وسعادته.
“إنّ الحب هو أسمى المطالب في الحياة، سعيدٌ من فهمه وناله، شقي من جهله وحرمه، إنّ الحب سر من أعظم أسرار الحياة، الحب محرك رئيسي للحياة، إذا فُقد فقدت الحياة، وإذا وُجد وجدت الحياة، فلئن كان الماء سر وجود الكائنات فإنّ الحب سر وجود الأرواح.
ورغم أنّ الحب أجمل معاني الاتصال، والسبب الرئيسي للحياة، إلّا أنّ الكثيرات لا يفهمنه، من هنا، فإنّ الحبّ نوعان رئيسان: الحب المطلق والحب المشروط، فالحب المطلق هو الذي تحبين فيه الآخرين دون القيود والشروط، أنت تحبينهم كما هم ليس كما تريدين أن يكنوا. أما الحب المشروط هو الذي يحمل في حناياه “إذا”.. “أحبك إذا اشتريت لي خاتماً”.. “أحبك متى ما عملت الذي أطلبه منك”.. “لو كنت فقط تُحسِّن سلوكك لحبيتك”. إنّ هذا هو الحب المشروط، والذي عادةً ما نتلقاه في الطفولة دون وعي من الوالدين بخطورته، إنّ هذا النوع من الحب ينشئ نفوساً مشروطة تؤذي وتتأذى”.
الأخلاق.. وثقافة الاحترام:
أن يراعي المحب فن التعامل مع الشريك ببروز التقدير والاحترام الكبيرين، ولقد درجنا في مجتمعنا على احترام كلّ من آبائنا وأمهاتنا للآخر، وهذا سر نجاحهما، واستمرار الحياة الكريمة بينهما لعقود من الزمن دون أن تصاب علاقتهما بالسأم والرتابة والفتور.
علاقة حية تتجدد كلّ يوم.. بهاتين الدعامتين وهما التقدير والاحترام كلّ منهما اتجاه الآخر، بل لعل السر في ذلك.. عدم نظرهما إلى الفوارق بينهما.. فكلّ منهما راضٍ بما قسمه الله له.. وإليكم هذه القصة:
في إحدى الرحلات الصيفية التي كنا نقضيها خارج بلادنا.. حالفنا الحظ أن نلتقي مع عائلة مكونة من زوج وزوجة في منتصف العقد السابع من أعمارهما، كنت قريبة منهما، أزورهما في شقتهما المجاورة لشقتي، وأخطف رجلي لإباغتهما بين الفينة والأخرى لأنني أحببتهما وأحببت مجالستهما.. لقد كانت اللحظات تمر سريعاً وأنا معهما.. أحاديث ودية.. ومناقشات طيبة تتخللها ذكرياتهما وأحاديثهما عن ماضيهما، لكم كنت أشعر بالسعادة وأنا وسطهما فتارة يتجادلان جدال المحبين فيحكّماني بينهما فأحاول أن أقلّد لقمان في حكمته بأن أقف في الخط الفاصل وأمسك العصا من النصف مخافة أن أخذل أيّاً منهما.
الزوج.. رجل يحمل وعياً بعمر سنين حياته الطويلة، وهمة عالية لا يملكها إلا القليل من الرجال النادري الوجود.. ففكره متوقّد بالآراء والأطروحات.. يناقض القضايا بحس شمولي ليربطها بين الماضي والحاضر والمستقبل كحلقات المسبحة الواحدة.
أما الزوجة فهي من البساطة ما يعجز قلمي عن إيضاحه ولديها من الأمراض ما يعيقها عن النشاط وممارسة واجباتها البيتية والدينية كما ينبغي!
يمكن للناظر للوهلة الأولى.. أن يكتشف الفارق الكبير بينهما.. لكنهما برغم ذلك سعيدان للغاية مع بعضهما.. لقد أعجبت بصدق.. بعلاقتهما الودية مع بعضهما، وكنت أرى بعيني الفاحصتين حب زوجها الكبير لها ورعايته لصحتها.. وتحمله للكثير من مسؤولياتها وقيامه بدور الراعي والطبيب والحاني عليها، ولم يكن ذلك إلّا ليزيدها تمسكاً بزوجها والتصاقاً به وكأنّها تراه ملاكاً ينزل من السماء لأوّل مرّة!!
دعوت الله أن يحفظهما ويديم عليهما سعادتهما وتمنيت بقلب صادق أن يستفيد أبناء الجيل الجديد من علاقات الزوجين في الجيل الماضي.. في سبيل تذويب الفوارق إن وجدت بينهما، وأن يقدّر كلّ طرف إمكانات الآخر وقدراته المحدودة ويعي طبيعة الاختلافات بينهما التي تقوم بدور السحر في إكمال نواقص الآخر لحياة أجمل تستمر وتستمر..
وفي هذا.. يعلق السيد الراحل السيد محمّد مهدي الحسيني الشيرازي في كتابه (العائلة) بقوله:
شتان بين زوجين وزوجين..
فقسم تراه يجعل من بيته جنة وسعادة بالأخلاق والفضائل، والعادات الحسنة والعطف وخفّة المؤونة.
وقسم آخر تجده على العكس من ذلك، فهما أو أحدهما تراه فظّاً غليظاً عنيفاً سيئ الأخلاق، سيئ العادات..
واللازم أن يتجاوز كلّ طرف منهما.. مهما أمكن عن عثرات الآخر وأخطائه وزلاته كما أمر بذلك النبيّ (ص).
ولقد رأيت رجلاً سيئ الأخلاق، أمات زوجته من جرّاء ذلك وألحق زوجته الأخرى بها. والإنسان السيئ الأخلاق يقوده سلوكه – عادةً – إلى سوء العاقبة، كما أنّ حسن الأخلاق تقوده إلى حسن العاقبة، تلك هي القاعدة، وهذا ما بيّنه الرسول الأكرم (ص).
إنّه لاشكّ في اختلاف الطبائع حُسناً وسوءاً، لكن لا يغفل عما للتربية والإيحاء النفسي أيضاً من أثر واضح في الأمر، فمن الضروري أن يربي الإنسان نفسه على حسن المعاشرة. وقد ذكر الله تعالى ذلك بقوله: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) (البقرة/ 229).
ومما يجعل البيت جنة مفعمة بالهدوء والسعادة، أن لا يجبر أحدهما الآخر على العمل في البيت أو للبيت، فإنّ الإجبار يحوّل البيت إلى جحيم لا يطاق، يحترق بناره الجميع بما في ذلك الأولاد إن وجدوا.
التفهُّم وعدم التسلّط:
لا شكّ.. بأنّ هناك فارق شاسع بين أن يمارس الحبيب دور المتفهم لشريكه، أو أن يمارس دور المتسلط!
فالأوّل يجتهد باحثاً للحصول على نقاط الالتقاء والوفاق، بصبر وتحمّل وحب دون أن يدب الملل والسأم إلى قلبه.. فهو يعمل في هدوء وتأني بعيد عن الصراخ والمشادة والنزاع، على خلاف الثاني الذي يختصر المسافات ليقطع حبل الوداد بينهما ويشده بكلِّ ما أوتي من قوة وكأنّه مع منافس على حلبة المصارعة!!
“إنّ التفاهم لا يتم إلّا على أساس من التفهم، والتفهم لا يكون إلّا بإرادة التفهم.. والمعنى بسيط لهذا الذي أقول.. أن يريد الزوج (والمقصود به الزوج والزوجة) أن يفهم زوجه، وأن يعمل على تفهم بواعثه ومقاصده ونواياه، وأن يستشعر مشاكله وهمومه ومصاعبه، وبذلك فقط يستطيع أن يفهمه، وأن يشعر معه، وأن يتعاطف وإياه.
وكذا العمل الدائب الحثيث على أن يرى الزوج في زوجه فضائله، وأن يغضي عن نقائصه على أساس من الحقيقة الواقعة، القائلة بأنّ لكلِّ إنسان فضائل، وأنّ لكلِّ إنسان نقائص، فمَن أراد أن يعايش ويعيش تحتم عليه أن يقبل الواقع بخيره وشره، وأما الخير فللتنويه والتوضيح والسعادة، وأما الشر فللإغضاء والتجاوز في سبيل السعادة.
إنّ الحب بين الزوجين.. ليس الغرام الطارئ ولا النزوة العارضة، ولا النظرة الصاعقة ولا العاطفة الجيّاشة، وإنما هو حب المحبة القائمة على أساس من فهم، وأساس من احترام، وأساس من موازنة دقيقة ذكية عطوفة بين المزايا والنقائص وترجيح كفة الأولى على الثانية.
إنّ التفهم.. لا يعني التنازل المستمر.. والسكوت الدائم والتحمّل الشاق ليصل الأمر إلى سحق الشخصية وإذابتها أمام أخطاء الطرف الآخر وتعنيفه وتجبره.
التفهم.. أن يمسك الشريك العصا من النصف.. فلا ضرر ولا ضرار. أجل.. ينبغي أن يراعي ظروف الآخر، ويبرر له بعض الهفوات، ويمرر له بعض الأخطاء، لا يعني أن يتحمل ما لا يمكنه تحمله.. ليصبح السلوك الخاطئ نمطاً تعاملياً مألوفاً يمارسه الشريك اتجاه شريكه لينال من كرامته واحترامه، ولا يعلم بعدها.. إلى أي مصير سيصل إليه في النهاية!!
.. الهدف أن يكون متفهماً وغير متسلط.
والآن.. لنقرأ هذا الحوار الذي دار بين إحدى السيدات والخبير التربوي في شؤون العلاقات الزوجية..
السيدة: إنّ زواجي ناجح، ولكنني خائفة.
– لمَ الخوف ما دام زواجك ناجحاً؟
السيدة: لقد مضى على زواجي سبعة عشر عاماً، ولكنني أشعر باغتراب كامل، فهو لا يشاركني قراراته ولا يتحدث معي كثيراً، ويقيد حركتي، ويحدّ من حريتي فلا يسمح لي بالخروج إلّا نادراً، يتفنن في تحطيم مشاعري وعدم الاستجابة لطلباتي ورغم أنّه صعب المزاج، وحاد الطباع ولا يتوافق وطباع أهله وإخوته.. إلا أنني وبفضل الله تعالى استطعت أن أتعايش معه، وأتكيّف مع هذه السلوكيات والصفات، وقد كبر أبنائي ولله الحمد.
.. ثمّ سكتت برهة وتابعت قولها: إنني خائفة.
– قلت بشيء من الدهشة والاستغراب لماذا؟
السيدة: لقد نصحتني والدتي مع بداية حياتي الجديدة، حيث أخبرتني قبل أن أنتقل إلى بيت زوجي: أنّ الرجل في بداية حياته الزوجية يحب أن يفرض رأيه ويثبت رجولته، ويسيطر على المواقف.. فكوني أنت المضحية، ولا تتحديه أو تعارضيه في قول أو فعل حتى لا يحدث التصادم بينكما.
وبالفعل كان هذا منهاجاً لحياتي.. وبدأت أتلقى الصدمات الواحدة تلو الأخرى وكان أوّلها حرماني من السفر الذي اعتدت عليه بصحبة الأهل، فقلت في نفسي: “ما يستأهل” أن أُكبِّر هذا الموضوع، ومرت الأيّام وازدادت الأحكام الصعبة والقوانين القاسية، ومنها قلة الخروج إلى بيت أهلي، وعدم الخروج إلى السوق و.. و.. و.. وغيرها الكثير، وفي كلّ مرة أقول: “ما يستأهل” أكبِّر الموضوع.. وهكذا تنازلت شيئاً فشيئاً عن متطلباتي واحتياجاتي وحقوقي، وتعوّدت على الرضوخ والانصياع، ومع ذلك تكيّفت مع الواقع، ولا أدري إلى متى سأواصل التنازلات، وإلى أي مدى سيوصلني هذا الانصياع.. وهذا سر خوفي.
– سألتها: لمَ تخافين، ما دمت تكيّفت مع الواقع.
السيدة: أخاف أن لا تستمر حياتي! لكن.. ما رأيك بنصيحة أمي، هل هي صحيحة؟!
– ما رأيك أنت في هذه التجربة بعد هذه السنوات الطويلة؟
السيدة: بصراحة إنّ ما فعلته خطأ.. صحيح أنّ هناك مواقف يجب أن أقف عندها وأتحاور وأتناقش مع زوجي بكلِّ حكمة لأثبت له صحة رأيي، فلا يفرض عليَّ قرارات جائرة.
– كلامك صحيح، فالتضحية والتنازل فيما بين الزوجين ليست بالشيء الخطأ أو المعيب.. ولكن يجب أن يكون هناك تقدير من الطرف الآخر مقابل هذه التنازلات والتضحيات ليشارك من جهته في تضحيات أخرى بحيث لا تكون التضحيات والتنازلات من طرف واحد فقط.
ومن أجل بناء البيت الذي تغمره السعادة في كلِّ زواياه وأركانه لابدّ أن:
– يكون الحب مطلقاً غير مشروط.
– سيادة الأخلاق وثقافة الاحترام.
– التفهم والتفاهم لا العنف والتسلّط.►
المصدر: كتاب كيمياء الحب والزواج